المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـحـــــــــــــ قلق ــــــــــــب


أبو ماهر
22-01-2002, 05:41 PM
رغم الهناء والاستقرار . رغم الامان والطمأنيه والسلام .

رغم الامساك بنجوم السماء والاطلاع على سر الكون . رغم العثور

على كنز الكنوز والاحساس بالغنى والشبع والامتلاء زالكمال .

رغم كل هذا الا ان الحب لايخلو من قلق وخوف وحزن وألم يصل احيانا

الى حد العذاب والجحيم .

بالرغم من الاحساس بلاستقرار والابديه الا انه يظل هناك قلق غامض .

حزن خافت ... خوف مبهم ... أرضيه من الالم تبرز عليها سعادة لا

تتحقق بحق الا اذا كان الحبيب قريبا ملء العين الى حد الالتصاق .

هنا فقط ينغمر الحبيبان في نشوة التوحد والذوبان .

ويمنعان في الاقتراب والالتصاق لمواجهة هذا القلق وتلك الوحشه .

فالعذاب يكون حقيقيا ومكثفا والالم يكون مركزا في الابتعاد .

هنا تتعاظم المخاوف ويتضخم القلق وتعمق الاحزان .


يقترب الحبيبان ويبعدان ....


في الاقتراب يعانيان من قلق الخوف من السأم .

وفي الابتعاد يعانيان من قلق الخوف من الهجر والنسيان ...

يقتربان يشدهما الشوق , ويبتعدان ليتجدد الشوق ليقتربان اكثر

واكثر .

وهكذا في حركة بندولية لاسكون لها ولا توسط ....

وفي الابتعاد تكون الرؤيه أوضح . ابتعاد يتيح التأمل والتركيز

ومحاولة الاكتشاف ولكن هيهات أن يصل الى نهاية مطلقة ...

هيهات ان يمسك بكل انجوم مجتمعه ... هيهات ان يصل الى السر ...

الاعظم ... هيهات ان يحتوي بقلبه كل الكنز .

يظل امرا مخيفا ...

يظل هناك أمر غامض . يظل هناك لغز يستعصي على الحل .

تظل هناك معضله فكرية تستعصي على الفهم الكامل .

يظل هناك حجاب ساتر لايكشف عن الكل بل يخفي جزءا يجتهد الانسان

العاشق في الوصول ال كنهه . الى كشفه ... الى فهمه الى ادراكه .

ولذلك تظل هناك بقعة قلق على أرضية السلام والطمأنينه .

يظل هناك نقطة قلق في ارضية السعادة ... تظل هناك مساخة حزن

في أرضية الشوق ... هذا هو قلق الحب . ولا يحدث هذاء الا من شدة


الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــب .
تلك هي الحدود البشرية . حدود الانسان . فالانسان في الحب يطمع

في ان يتحقق من الكمال . من الابديه . من الانهاية ..

من الخلود .. من المطلق .. يريد أن يتحقق من أنه قهر الموت وأنه

كشف سر الحياة .. سر الخلق .. سر الوجود ..

يريد أن يحيط الكون كله بعينيه وأن يستوعب الحكمه كلها بعقله

وأن يستشعر كل الطمأنينة بقلبه .

في لحظة هو يريد الفناء الكامل في حبيبه ويريد لحبيبه الفناء

الكامل فيه .

ولكنه يقلق من ضياع العلاقة لأن العلاقة تتطلب اثنين لا واحدا.

ولذا فانه في اللحظة التالية يريد الانفصال .أن تكون هناك مسافة

مسافة تتيح له الرؤية الواضحة.
الرؤية الشمولية الاستيعابية . الرؤية الفاصحة المتأملة المدققة

التي تجلب متعة التطلع الى الحبيب .

التطلع الى داخله . انها رؤية الداخل للداخل وليس مثلما نبتعد

عن لوحة معلقة على الحائط لنراها بوضوح .

ان الحبيب يستطيع ان يغلق عينيه ورغم ذلك يرى حبيبه بوضوح شديد

ان هذه المسافة تتيح له أن يغوص في داخله .أن يستشعر داخله

وان يستعوب فكره ووجدانه .

ولكن يداهمه القلق والعجز عن الاحاطه الكاملة . عجز القدرات

البشرية . عجز الانسان . فيقلق ويجزع . فيقترب لعل الاقتراب

يتيح له احتواء من نوع اخر .


يقترب الى حد الالتصاق وامتزاج الانفاس . ويذهب قلقه الى حين .

يكونان في اقرب نقطة تلاق .

ولعل الابدان هي احد الوسائل التي يلجاء اليها الحبيبان لتحقيق

أقرب نقطه تلاق .

اقصى درجات الاقتراب ....

وهنا تأتي أهمية الأبدان وهي أهمية ثانوية وليست أولية .

وهذا هو الحب العشقي والجنسي .

الجنس يحقق تلاقيا مؤقتا للأجساد لافراغ رغبة تشعر بعدها الروح

باللوعة وبمزيد من الوحدة وربما الاشمئزاز .

أما في الحب العشقي , فان تلاقي الابدان يحقق قدرا من الطمأنينه

والسعادة استجابة لرغبة الأرواح في مزيد من الاقتراب والالتصاق .

ولهذا فان الابدان في الحب العشقي هي وسيله وليس هدفــــــــا .

وتستمر الروح قلقة في سعيها الى الحبيب .

تستمر الأشواق . يستمر التطلع . تظل محاولات الاقتراب ثم الابتعاد

من اجل الاقتــــــــــــــــــــــــــــــــــراب .
وتستمر الروح قلقه في سعيها الى الحبيب . تستمر الأشــــــــــواق

يستمر التطلع . تظل محاولات الاقتراب ثم الابتعاد من أجل الاقتراب .

انها الأرجوحة الصاعدة الهابطة التي تبدأ من نقطة اتبتعد عنها

لتعود اليها ثم تبتعد عنها لتعود اليها . لا سكون ولا استقرار

عندها بل ابتعاد من أجل معاودة الاقتــــــــــــــراب .

وحين نصل الى هذه النقطة ونظن أنه ان أن نستقر ونسكن اذا بقلق

السكون يعاودنا . قلق السأم . فيداهمنا خوف .. فندفع الارجوحه

الى الابتعاد .. الى الهبوط مرة اخرى . فيؤلمنا الحنين والشوق ..

يمزقنا الأرق .. نصاب بلجنون للابتعاد .. نخاف الفقد ..

فقد الحبيب هو فقد الحبيب .. هو فقد الحياة ..

انه الطريق الى الى المقصلة .

انه الاعدام الذي يقضي الى العدمية والاشيء والنهـــــــاية ..


ولهذا يندفع الحبيب نحو حبيبه لتعود اليه الحياة .. فرحة اللقاء

بعد غياب مثل من أعفو عن وأعتقو رقبته ..

مثل فرحة الطفل حين يعثر على أمه بعد أن ناه عنها ..

اللقاء فرح .. فرح زوال القلق .. قلق الموت .. وفي الالتصاق

ضمان الدوام .. الاستقرار الحلود ..

لماذا هذا القلق ؟ هذا النوع من القلق لايعرفه الا الذي أحب

فعلا .

لأنه حين يحب تتكشف له أشياء غير متاحة لأي بشر .

انه يرى الجنة الحقيقية .

يرى الجمال الحقيقي .

يتاح له من أسرار الكون مالم يتح لأحد .

يتذوق الدنيا بطريقة جديدة .

ينفتح أمامه عالم مسحور باه ورائع .

يدخل عالم الخلود ..
يعرف المعنى .. يتحدد الهدف . كل شيء يكتسب لونا .

وكل شيء يصطبغ بجمال أخاذ .

والنهر والجبل والقمر والنجوم والسماء والهواء والفجر والموسيقى

والشعر والعلم والعمل والاخوة والصداقة والوطن .

عالم جديد ..ودنيا جديدة ..كون جديد.. سماء جديدة ..أرض جديدة ..

كل هذا عرفه ووصل اليه واكتشفه وتذوقه من خلال الحبيب .

من خلال الحب .

ولهذا ففقــــــد الحـــــــــب هو الموت بعيــــــــنه ...

يقلق ليس فقط خوفا من فقد الحب ولكن خوفا من أن يخفت ويضعف .

وكيف يضعف وهو مصدر القوة العليا ..؟

كيف يضعف وهو مصدر الحياة ..؟

ولهذا فهو يقترب ويلتصق ليضمه ويلمسه ويشمه .

يلجاء لحسه المادي ليجلب له الطمأنينة والمعنوية ..

ثم يبتعد ليتيح لعقله التأمل والرؤيه الشامله ..

طمأنينيه في القرب وطمأنينيه في البعد .

ولذلك يظل هنا دائما حالة من التطلع الدائب ..

حاله من الترقب ..

حاله من الانتظار ..

حاله من التوقع ..

حاله من السعي ..

حركة واجتهاد وعمل وابتكار وخيال ووهم من أجل الابقاء على النار

مشتعلة ..

الابقاء على تدفق النهر ..

الابقاء على هطول الامطار ..

الابقاء على سريان الرياح ..

الابقاء على كل ذلك بلقوة نفسها التي بدأت بها ..

قوة الحياة ..

قوة الاثارة ..

قوة الاثارة ..

قوة الخصوبة .. الثراء .

ولهذا لاتشبع الروح وانما يشبع الجسد .

ولا تموت الروح وانما يموت الجسد ..

ولل تفنى الروح وانمايفنى الجسد ويتحلل ..

ولهذا الحب أقوى من الموت ..

الحب هو المستقبل وما بعد المستقبل ..

الحب هو الديمومة والانهاية والخلود المطلق ..

ولأن الانسان محدود ونهائي وغير خالد والموت ينتظره في نهاية الطريق ,

فانه يقلق ويجزع ..



يخاف ويأتي الحب ليطمئنه ويأخذ بروحه الى عالم الحلود

فيهنأ ويسعد ولايبقى عنده من خوف الا خوف من زوال هذه النعمه

التي أنعم الله بها عليه واختاره واصطفاه وكافأه بها ..

نعمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الحب .


ولهذا فان الانسان العاشق يبحث دائما عن الجديد ..


ينمو .. يتطور .. ينضج ..

يصعد أكثر الى سماوات جديدة ..

افاق جديدة ..

أحلام جديدة ..

كلما كبر عمر الحب زادت الحيوية . زاد النشاط . عظم الامل .

زادت الرغبة لمزيد من الابداع . بل زادت القدرة على الابداع

والتجديد والاضافة للحياة .

ان حياة الحب هي حياة النشاط والتجديد .

ولهذا متعة الحب تزداد مع السنين .

ومع هذا يزيد التوقع . التوقع لمزيد من اللذة .

مزيد من السعادة .. حالة من الجوع المستمر لايهدئها شبع .

ولهذا فالمحبون هم الاحياء الحقيقيون . هم المبدعون الحقيقيون .

هم القوة الدافعة للحياة .

هم الاضافة والاستمرارية .

ولا جديد يأتي الا من قلب وفكر العاشق .

ولا يتحقق اطلاقا اشباع كامل للرغبة .

الــــــــــروح لاتشبـــع الانها اذا شبعت توقفت .. سكنــــت .



وفي ذلك الموت . ولذلك فالشوق دائم .ولا يفقد الحبيب اطلاقا شوقه

لحبيبه حتى وان كان على بعد أمتار من مرمى العين . والهجر قد يكون

مصطنعا من أجل اشعال مزيد من النار وبعث مزيد من الحركة

العنيفة خوفا من ركود مفاجيء .

ولهذا قد يثير المحبون خلافات سطحية يبتعدون بسببها وهم يعرفون

أنهم سيعودون . وما أسهل صلح المحبون .

ان سعادة اللقاء بعد الهجر لاتعادلها كل لذات الدنيا معنوية

ومادية مجتمعة. انها أسعد لحظات العمر لايصفها قلم أو لسان .

ولهذا لابد من مسافة فاصلة . مسافة تتيح الاقتراب .

ولكن مهما بعدت المسافات فان الأرواح قريبة ولكنها مسافة يسعد

بها الجزء البشري في الانسان .

اما الجزء الروحي فانه في حالة عناق مستمر .

الارواح دائما متعانقة رغم انفصال الاجساد .

ولهذا فحيل الابتعاد والهجر هي حيل طفولية مصطنعة ونوع من اللعب

والتسلية واللهو .

انها حالات الطفولة التي يعيِِشـــــــــــــها المحبــــــــــــون .ولهذا لا فناء كامل في شخص المحبوب . و إنما هو الإحساس

الواعي المتجدد بفرديته وتفرده وتميزه واختلافه .

وفي الحب العميق يصبح كل طرف في نظر الآخر شخصية

لا متناهية مطلقة فوق حدود النقد والمقارنة .

ونجم عال في سماه استطاع هو أن يحتل مكانا بجواره في هذه

السماء العالية وأن ينهل من نوره ليضيء به جنبات نفسه

إذا استحال هو أيضا بفضل الحب إلى نجم ساطع قادر

على الإشعاع والنفاذ والبقاء في سماء الحب العالية الصافية .

ولكن ابدا لا يتوحد النجمان ولا يذوب أحدهما في الاخر .

والنجوم تضيء وتنطفيء . نعيش دورة الزمان . دورة الليل والنهار

وهذا هو هو رمز الحياة . رمز الاستمرارية . شيء نابض .

متحرك . يعلو ويهبط . يقوى ويضعف . ينشط ويخفت .

ظهور واختفاء . هذا هو نبض الحياة . وهذا هو هو نبض الحب .

وما النبض الا الحركة والحياة . ايقاع الحياة وهو دليل الحياة .


ولذا فمن اخص خصائص الحب والمحبين أنه لا رتابه ولا تكرار .

بل كل لحظة شيء جديد . حتى وان كان كررا الكلمات نفسها

وجلسا في الاماكن نفسها فانهما يعيشان هذه الخبرات المتكرره

بطرية جيدية .

ولذا لا يمل المحبون من الاغاني نفسها التي اعتادوا سماعها

ولا من الاماكن نفسها التي اعتادوا الذهاب اليها .

بل يشتاقون اليها شوقا جديدا .



ولكن المحبون يسعدون أيضا بلخبرات الجديدة والتي لا تكتسب معنى الا من

خلال المشاركة .

ان يكونا معا هو الذي يهب الأشياء القديمة معان جديدة ,

وهو الذي يكسب الأشياء الجديدة معناها الحقيقي .

اذن فعل المشاركة أن يكونا معا هو وراء كل ابداع وتجديد .

هو مبعث الروح .

ولذا فالحب ينمو ولا يتغير .

ينضج ولا يتحول .

يكبر ولا يشيخ .

بل يكتســــــــــــــب قوة وحيويـــــــــــــــــــــــة.

انه الابدي الخالد الجديد المتجدد الامتغير القديم الحديث العالي

على الزمان والمكان قاهر الملل والسأم والموت باعث الامل

والبهجة والفرحة والنشوى والانتصار.




ولانه نبض وحياة فهناك صراع .. اصطدام .. احتكاك ..

وهو امر حتمي تفرضه قوانين الحركة .

حركة الاشياء .

حركة الاجسام والكتل ..

وأيضا حركة الذوات والأرواح ..

صراع تفرضه قدرات الانسان المحدودة ..

صراع تفرضه محدودية الانسان في الادراك الكلي الشامل وعدم قدرته

على الاحاطه الكامله وعدم يقين يديه في الامساك الكامل على

الاشياء .

ولهذا فهو قلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق .


والقلق معناه سهولة الاستثارة والعصبية والارق والاندفاع ..

القلق معناه الصوت العالي أحيانا ..

معناه الغضب والتحدي وسوء الفهم وسوء التقدير .

ثورات وفورات . ولكن سرعان ما تتوجع الروح .

واذا بلصلح يتم بلا شروط ولا وسيط .

والندم على ما فات من لحظات التي ابتعد فيها ,

فالعمر لايقاس الا بلحظات القرب والوصال .

ولا بد أن يواجه الحب تحديات الزمن ..

لابد من أن يصطدم بأرض الواقع..

صعوبات ومشاكل .

حساد وعزال وحاقدون .


وقد تحدث مواجهات قاسية بين المحبين أو بينهم وبين اخرين .

بينهم وبين الواقع . ولكن أبدا لا ينال هذا من الحب شياء .

لا يسقط من الجدار العظيم ذرة رمل واحدة . لايهتز لحظة .

بل يكون هناك اصرار على الاستمرار معا .

كل شيء يهون الا ان نبتعد أن نفترق معناه الموت ..

معناه الاشيء ..

معناه العدم ..

مهناه التفاهة والسطحيه والضحالة والا معنى والفتور والسأم

والضجر ثم الحزن الذي لا ينتهي .

حياة بدونك الموت افضل منهــــــــــــــــــــــــــــــــا





ولهذا , فمهما كانت حدة الصراع ومهما كانت المشاكل فان

الحب ينتصر في النهاية .

يعودان معا بين دهشة المحيطين ممن كانوا يتوقعون من بعد الوقيعة ...


ولكن أبدا لاينفصلان ........


في النهاية يعودان معـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.





روح المحب تتسم بلسماحة والصفاء .

وحتى في اوقات الصراع والغليان والخصام لايحاول أي من هما أن

يتصيد للاخر الأخطاء .

وحين يجتر كل منهما تاريخ حياته مع الاخر ويحاول ان يعثر

على الاساءات فانه يفشل .

لا يطاوعة عقله ولا يطاوعه قلبه .

بل على العكس فانه لايتذكر الا أجمل الذكريات .

في الأحوال العادية وفي العلاقات مع الآخرين فانه في حالة الخصومة

يقوي الإنسان دوافع العدوان لديه بأن يحاول أن يتذكر أو يجمع

الإساءات التي صدرت من الطرف الآخر وأن يتناسى الجوانب

الإيجابية في العلاقة .

أما العكس فيحدث في حالة الحب . الإساءة تنسى والتي لم تكن

فعلا إساءة . وتجسم الذكريات الجميلة والتي تدفع المحب دفعا نحو

الصلح مع حبيه . وما اسهل صلح المحبين دون الحاجة إلى طرف


ثالث .

الغيرة أحد أشكال العذاب في الحب . الغيرة قلق وضيق وألم .

وفي الحب الحقيقي يغار الإنسان على الحب . يخشى الإنسان

فقد حبه . وفقد الحب فقد الحياة . أي يفقد ذاته وكيانه ..

والفقد هنا عظيم .. والحزن عظيم .. وليس هذا شبيه الغضب

الذي يشعره الإنسان عندما يفقد شيئا يمتلكه .

في الحب الزائف - أي حب التملك – يجزع الإنسان من أن

يفقد الطرف الآخر الذي يعتبره ملكية خاصة له خاضعة لسيطرته.

هذا هو الفرق بين الغيرة في الحب الحقيقي والغيرة في الحب الزائف.

ولذا فمشاعر الغيرة في الحب الحقيقي هو مزيج من الحزن والقلق

والخوف ، أما في الحب الزائف فهي مزيج من الغضب والعداوة.

الغيرة في الحب الحقيقي هي مثل مشاعر الإنسان الذي سيفصلون

له ذراعه أو سينتزعون منه عينه . انه فقد لكل معنى . ولذا

يعتصره

الألم عصرا . تفسد كل الطرق أمامه .

وفي حالة الحب الحقيقي لا يتعرض المحبان لعذاب الشك . فهناك

طمأنينة كاملة لاخلاص ووفاء الحبيب .لامجال لعبث المرأة أو

لدونجوانية الرجل في الحب الحقيقي .

إما حـــــــب أولا حـــــــب .

وإذا كان حبا ، فان الإخلاص أمر ليس اختياري . ولهذا ينعم

المحبان بالطمأنينة الكاملة والثقة العمياء . والمحب يدرك إخلاصه

مثلما يدرك إخلاص الطرف الآخر .

ولذا فهناك تلقائية وبراءة .. واستحالة الكذب أو التزييف أو

النفاق .. بل كل يكون على طبيعته . يكون نفسه . ذاته الحقيقية.

وذلك هو الجمال الحقيقي في علاقة الحب .

إن الصراعات في الحب تكون موجودة على القشرة الخارجية ولذا

من السهل إزالتها. بابتسامة .. بنظرة حانية .. بدمعة صادقة ..

بلمسة يد حانية .. بعناق رقيق .. في لحظة واحدة يذوب كل الألم

والعذاب وتحل محلها الفرحة .ولهذا فان أي خلاف لا يخلف وراءه

أسى أو أثرا يدوم أو ذكرى سيئة .

المحبون يتواصلون بالنظرات ، بتعبيرات الوجه ، بنبرات الصوت .

إذن لا حاجة للكلمات . إن كل شيء ينطق بالحب .

ولهذا فالحبيبان المتخاصمان قد يتصالحان في لحظة بنظرة عين .

انه اتصال روحي عميق .. هما روحان في جسد واحد أو روح

واحدة موزعة في جسدين .. هما اثنان في واحد .. هما وحدة واحدة .

وهذا هو سخاء الحب وثراؤه وعظمته وكرمه . إن أعظم ما ينعم به

المحب هو تلك القدرة الخارقة على الاتصال الداخلي العميق بذات

محبوبة حيث تتألف الروحان وينسجمان .

إنها حياة المشاركة الروحية . روحان تتآلفان تنسجمان تتراحمان .



من الصعب بل من المستحيل تكرار تجربة الحب مرة ثانية في حياة

الانسان . واذا كانت التجربة الثانية صادقة حقا فان التجربة

الأولى لم تكن صادقة .

واذا كانت التجربة الأولى صادقة فمن المستحيل أن يعقبها تجربة

ثانية .

ولذا ، فانه حتى بعد موت احد طرفي العلاقة فان الحب يظل باقيا

كما هو بحرارته وقوته في قلب وعقل الطرف الاخر الباقي على قيد

الحياة .

ولذا فان الحب الحقيقي بقدر ما ينطوي على سعادة فانه أيضا

ينطوي في بعض جوانبه على عذاب وألم . اذا يبدو أن الانسان

حتى وأن كان مؤهلا للحب ، فان امكانياته النفسيه غير قادرة

على مثل هذا الترابط العميق بين روحين .

انه لامر جليل وعظيم فوق مقدرة المادة البشرية .

انه انكشاف للذات . والوجود يسبب في البداية فرحة واندهاشا

وفزعا ثم بعد ذلك سعادة وألما .

ولأن المادة البشرية لها ضعفها وهفواتها وزلاتها وأخطاؤها ،

فان المحبين يجدون صعوبة في التسليم بهذا الضعف البشري .

ان طموحاتهم دائما نحو المثالية والحبيب هو المثل الاعلى ، وذلك

أحد جوانب الصراع والعذاب والألم في الحب .

الصراع يسبب عدم القدرة على التوفيق بين الصورة الوقعية

والصورة المثالية .

انها لحظات اهتزاز بسيطة ثم يعود المحب بعدها الى ثيابه واستقراره

وثقته وطمأنينته . يعود فيدرك أن ما يبدو من محبوبه من ضعف

ونقص وانما هو سطحي لا يمس من جوهر روحه ولا ينال من أصالته

ولا يزعزع قيمته الثابتة .

ان ما يصدر عنه من توافه ونقائص لاينال الا قشرته الخارجيه فقط .

أما باطنه فرائع وعظيم ولا أحد يدانيه في الدنيا .



لا يوجد بأي حال مايسمى بالصديق المشترك للعاشقين .

لا يوجد مايسمى بلوسيط أو القاضي أو المستشار .

لا أحد يستطيع أن يقترب من أحاسيس العاشق تجاه معشوقه .

ولا أحد يستطيع مهما كانت درجة قربه أن يتفهم طبيعة هذه

المشاعر .


علاقة الحب هي دائرة مغلقة على طرفيها لا مكان للثالث مهما

كانت درجة صداقته او قرابته ومهما كان صادق انية

صافي النفس . ولا شيء يثير الحسد في الدنيا قدر الحب .

انه جنة الله على الأرض .

ولهذا فالمحبون الحقيقيون قليلون والحاسدون كثيرون .

والطرف الثالث دائما مايسيء الى علاقة الحب حتى وأن كان

حسن النية وخاصة اذا لجأ اليه المحبان للتحكيم أو الوساطة

أو للأستشارة .



المحبان لايحتاجان الى هذا الوسيط . ان أي خلاف بينهما من الممكن

أن يزول في لحظة . وأيا منهما يستطيع بسهولة أن يتخلى عن

وجهة نظرة من أ جل الطرف الاخر . وخلافاتهما سطحية وعابرة

وبسيطة . ومهما تباعدت وجهة نظرة من أجل الطرف الاخر .

وخلافاتهما سطحية وعابرة وبسيطة . ومهما تباعدت وجهات النظر

ومهما عمق الخلاف فانهما سرعان مايلتقيان ويتفقان وسرعان

ما يتناسيان ما كان بينهما من اختلاف وخلاف .

هذه الحقيقة قد لايفهمها الطرف الثالث . أي قد لا يفهم

طبيعة المحبين ، ولهذا فهو حين يتدخل في نزاع أو خلاف فانه

يتعامل معه بمنطقه هو أو بمنطق الناس العاديين .

وهو اذ يحاول أن يكون عادلا ومنصفا فقد يناصر طرفا ويدين

الطرف الاخر . ويميل لوجهة نظر ويختلف مع وجهة النظر الأخرى

فانه بذلك يفسد لايصلح ويزيد الهوة ويعمق الخلاف ..

لأنه لا منطق في علاقة الحب ولا حاجة الى العدل ولا ضرورة للانصاف .


اذ أننا نرى أن الحبين اذا تصالحا يتنازل كل منهما عن حقه

ويتراجع عن موقفه ويتخلى عن وجهة نظره .

فالحب ماهوا الا عطاء بلا أنتظار لمقابل وايثار وتضحيه وحماية

ورعاية ومسؤولية .

اذن لاحاجة للعدل والانصاف والمنطق .

والطرف الثالث قد تحركه دوافعه الا شعورية التي يغمرها

الحسد فيسيء من حيث لايرغب شعوريا في الاساءة أوقد تحركه

دوافعه الشخصية أو مشاكله هو فيسقطها على أحد الطرفين

وفي هذا ايضا اساءة وتجسيم لأي مشكلة .

وقد يكون الطرف الثالث حاقدا وهو ما يسمى بلعذول وهو

من يتعمد الاساءة شعوريا أي عن قصد ولكن بخبث ومكر

ويزيد النار اشتعالا .

وتلك أحد الأخطاء القاتلة التي يقع فيها المحبون حين

يشركون أطرافا أخرى في حياتهم فيدفعون الثمن ألما وعذابا .
مهما أوتي أي انسان القدرة على الفهم الواعي والاحساس

العنيق والمشاركة الوجدانية .

مهما اوتي من صدق وصفاء فانه لن يستطيع أن يدرك عمق

العلاقة الروحية التي تربط المحبين .

انها نفحة الهية . صلة عميقة باطنية . سر غامض .

أما الخيانة فلا مكان لها في الحب الحقيقي .

الخيانة تقضي على أي مشاعر .

وأذا قلنا أن الخيانة تقتل الحب

فهوا أصلا لم يكن حبا طالما أنه سمح للخيانة بأن تقع

فلا حب مع الخيانة ولا خيانة مع الحب .



لكم مني ارق واجمل تحيه .


والله يرعاكم ويحفظكم ،،،،،،

أخوكم:-