الموضوع: ((منكم واليكم))
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-2014, 01:05 AM   #36
مشرفة الأسرة والمجتمع
 
الصورة الرمزية مطلبي الجنان
 
تم شكره :  شكر 13,920 فى 3,119 موضوع
مطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضو

 

رد: ((منكم واليكم))

كف نواجه مشاكلنا


لنتأمّل في هذه الأسئلة أوّلاً :
ـ هل طريق الحياة مُعبّد ، بلا أشواك ولا عثرات ولا مطبّات ولا حفر ؟
ـ هل هناك انسان في الدّنيا يعيش حياته بلا مشاكل ؟
ـ هل المشكلة هي نهاية المطاف ، فإمّا أن تحلّ وإمّا أن تنتهي الحياة ؟ وهل هناك أصلاً مشكلة لا حلّ لها ؟!
ـ ماذا يمكن أن نأخذ من المشاكل كزاد في طريق حياتنا التي ستخلو في يوم من الأيّام من المشاكل ؟
ـ ما هي الأسباب التي تجعلنا نقع في شباك المشكلة ؟ هل هو جهلنا ؟ هل هم الآخرون ؟ هل هي أسباب ذاتيّة أم أ نّها أسباب موضوعية أيضاً ؟
هذه وغيرها من الأسئلة المتعلِّقة بطبيعة المشكلة وأسبابها
ومظاهرها ونتائجها والحلول المقترحة بشأنها ممّا يمكن أن نطرحه على أنفسنا ونحن نشقّ طريق الحياة بثقة وأمل وتوكّل على الله سبحانه وتعالى .
فممّا لا شكّ فيه أ نّنا لسنا أوّل مَن ابتُلي بالمشاكل صعبةً كانت أم بسيطة ، فطالما أنّ الانسان يريد أن يعيش حياته كلّها ، فقد تعترضه المعوّقات والمشاكل لتقوّي عوده وتنضج عقله وتثري تجربته وتجعله أكثر قدرة على مواجهة التحدِّيات المستقبليّة .
فمنذ أبينا آدم نشبت المشكلة الأولى في الاقتراب من الشجرة المحرّمة التي نهي وأمّنا حواء عن الأكل منها فوسوس لهما الشيطان أنّ النهي ما كان إلاّ لحرمانهما من بعض المزايا .. يومها وقعت المشكلة الأولى .. ومنذ فجر الخليقة أيضاً وقعت مشكلة الغيرة والحسد بين الإخوة ليتقاتل «قابيل» و «هابيل» لأنّ قربان أحدهما تُقبّل ولم يُتقبّل قربان الثاني .. وامتدّت الحياةُ على الأرض لتمتدّ المشاكل معها .
ولولا المشاكل لكانت الحياة غير الحياة ، ولكانت الأمور تسير على وتيرة واحدة ربّما كانت تبعث على السأم والرتابة والملل ، فهي ـ أي المشاكل ـ كما يصفها بعض الذين عاشوا تجارب الحياة وعركوا مرّها وحلوها تشبه التوابل في الطعام . أليست التوابل هي التي تعطي الطعام نكهته ومذاقه الذي نتلذّذ به ؟ أليس الطعام بدون ملح يبدو رديئاً لا نستسيغه إلاّ مكرهين .
إنّ المشاكل هي ملحُ الحياة ، وهي بهذا المنظور شيء لا يدعو إلى الجزع والفزع والنفور والعزلة والاكتئاب ، ذلك أنّ الناس ازاء المشاكل أحد اثنين :
فواحد يهرب من مشكلته فهو كالنعّامة التي تدفن رأسها بالرمال ظنّاً منها أ نّها تخفي كيانها كلّه عن أعين الصيّاد ، فلا هي أخفت نفسها ولا هي هربت من قبضة الصيّاد ، وإنّما أوهمت نفسها أ نّها في منجاة من المطاردة .
وواحد يواجه مشكلته بأساليب المواجهة المختلفة ، إمّا بإعمال العقل والتفكير ، وإمّا بالتعاون مع الآخرين على حلّها ، ولا يهدأ له بال حتّى يتمكّن من تسوية المشكلة ليواجه الحياة بعدها بروح واثقة قادرة على مواجهة الصعاب والعراقيل، كذاك الشاعر المؤمن بالله الذي يهزأ بالعقبات التي تنتصب في طريقه ، حيث يقول :
العراقيلُ في الطريق ونمضي***للشروق الجميل سعياً دؤوبا
نحن يا نسمة الحياة نشيدٌ***يملأ النفس عزّة والدروبا
وسنبقى مع الحياة ابتساماً***وهدى زاهياً وصوتاً طروبا
والعراقيل في الطريق ذروها***شأنها أن تزول أو أن تذوبا
فالعراقيل والمشاكل والصـعاب مثلها مثل الحجارة التي تعترض طريق الماء الجـاري في النهـر ، فلو أنّ الماء وقف عند كلّ حجارة لا يتجاوزها وانتظر حتّى تفسح له الطريق فلربّما ركد الماء وتأسّن ، ولكنّه يحلّ مشكلته بإزاحتها وجرفها تارة بحيث تندفع أمامه متقهقرة ذليلة ، أو يركنها إلى ضفة النهر خاسئة حسيرة ، أو أن يبحث له عن طريق آخر يواصل سيره من خلاله خاصّة عندما يتعذّر عليه اقتلاع صخرة كبيرة ، لكنّه وهو يتجاوزها مواصلاً سيره يفتتها مع الزمن وينحت فيها حتّى لاتقف حجرة عثرة في طريقه أو طريق المياه القادمة بعده .
وعلى ذلك ، يمكن الإجابة عن الأسئلة التي طرحناها :
فطريق الحياة لم ولن يكون في يوم من الأيّام معبّداً أو مفروشاً بالورود والرّياحين ، فالحياة كما وصفها أحد الشُّعراء :
طُبعت على كدر وأنت تريدها***صفواً من الأقذارِ والأكدار
ولن نجد في يوم من الأيّام شخصاً يدّعي أ نّه يحيا حياة خالية من المشاكل، فحتّى أولئك المنعّمون المترفون الأثرياء تجد أنّ لديهم مشاكل لا تخطر لك على بال وربّما بعضها بسبب الترف والبذخ والرفاهية .
ولا شكّ أنّ أيّة مشكلة مهما بلغت من الصعوبة والتعقيد لا بدّ وأن نعثر لها على حلّ إن كنّا جادين في حلّها، وباطمئنان نقول أنّ لا مشكلة بدون حل، فليس هناك ضحيّة للمشكلة (22) حسب التعبير الأميركي عن حالة الشخص الذي لا حلّ لمشكلته ، فالمشكلة (23) التي ترمز إلى أعقد مشكلة مستعصية هي مشكلة تحتاج ربّما إلى مزيد من إعمال الفكر أو إلى حل استثنائي خاص ، فنحن كمؤمنين بالله تبارك وتعالى لانرى أنّ ثمة مشكلة تبقى عالقة إلى الأبد، بل نرى ما يراه ذلك الشاعر الذي يقول :
وربّ نازلة يضيقُ بها الفتى***وعند الله منها المخرجُ
أوَلم يقل الله سبحانه وتعالى في سورة الإنشراح :
(فَإِنَّ مَعَ ا لْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ا لْعُسْرِ يُسْراً ) ؟! ( الإنشراح / 7 ـ 8)
كان لدى الشاب (س) صديق مخلص وناصح ومثقّف وقد سمعه صديقه يقول لصديق آخر كان يعاني من مشكلة تؤرّقه : «لاتفكِّر .. لها مدبِّر» ! فقال الصديق الحكيم : لا يا أخي .. قل له : فكِّر لها مدبِّر !!
وبذلك يكون هذا الصديق قد أعطى لصديقه درساً مهمّاً في مواجهة وتذليل المشاكل . ولو رجعنا إلى مادّة (فكّر) في المعجم لرأينا أنّ من معانيها هذا المعنى الجميل : فكّر في المشكلة أعمل عقله فيها ليتوصّل إلى حلّها .
وأمّا الزاد الذي تتركه لنا المشاكل فهو غنيّ بالطاقة يمدّنا بروحية الماء المتدفق السائر نحو هدفه الذي لا تعيقه الصخور ، فلا نندب حظّنا ولا نكثر التبرّم والشكوى والتظلّم والاستيئاس ، فكلّ مشكلة تعمل فينا عمل اللِّقاح الذي يجنّبنا الإصابة بالمرض ذاته مرّة أخرى ، أو قد يمنحنا المناعة ضد أمراض أخرى ، فتوظيف تجربة المشكلة توظيفاً سليماً يستدر من الخسارة ربحاً ، أمّا إذا تكرّرت التجربة ووقعنا في المشكلة ذاتها فقد يصدق علينا القول « أجهل الجهلاء من عثر بحجر مرّتين » ذلك أنّ « المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين » فإذا ما لدغ مرّة أخذ العبرة فلا يعود يضع يده في الموضع الذي لدغ منه .
إنّها مدرسة الحياة نتعلّم من أخطائنا ومشاكلنا ومعاناتنا فيها أكثر ممّا نتعلّم من أيّامها الخالية من ذلك.
التوقيع
مطلبي الجنان غير متصل   رد مع اقتباس