الموضوع: ((منكم واليكم))
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2014, 10:59 PM   #28
مشرفة الأسرة والمجتمع
 
الصورة الرمزية مطلبي الجنان
 
تم شكره :  شكر 13,920 فى 3,119 موضوع
مطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضومطلبي الجنان نسبة التقييم للعضو

 

رد: ((منكم واليكم))


كيف أنجو من حياتي التعيسة؟

السائـل: احمد



فتاة عمرها (26) سنة، تقول أنها تعاني من الحياة التعيسة، وأن حياتها تضيع في الذنوب من: الكلام على الناس فيما يكرهون، وأحياناً مشاهدة المسلسلات المدبلجة التركية وغيرها، وتمضية اليوم بلا عمل، فهي تكتفي بالصلاة المفروضة، وأحياناً بقراءة القرآن، وتترك السنن وباقي الأعمال الصالحة، وهي تقول أنها تريد أن تعمل شيئاً ما للحصول على الرزق الطيب، وهي الآن من المهجرات من بيوتهن، فماذا تفعل لبناء حياة نافعة لها؟ وماذا تفعل للتخلص من الذنوب والمعاصي؟ أسأل الله أن يبارك فيكم ولكم في حياتكم وعملكم الخالص لوجه الله، وجزاكم الله خيراً.




المستشار: د.أحمد الحسن




أخي الفاضل: أحمد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكرك على تواصلك معنا، وأسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة لسؤالك، فكنت أتمنى أن تطرح السؤال صاحبة المشكلة لكي تكون أكثر وضوحاً، ولكن مع ذلك أجيبك قائلاً:
هاهنا أمران هامان من خلالهما يندفع العبد إن شاء الله إلى الطاعات ويبتعد عن المحرمات:
الأمر الأول: تذكر نعم الله عليه، والكلام فيها يطول، ولكن سأقتصر على ما هو هام ونافع إن شاء الله تعالى، وأبتدئ سؤالك: لو أعطاك أحد معارفك مبلغاً من المال، وكنت في ضائقة مالية، ألست تشعر بالامتنان لهذا الشخص مدةً طويلة من الزمن، وتود من كل قلبك لو تكافئه؟ فهل تستطيع أن تحصي نعم الله عليك؟! وكيف حالك في تعاملك معه -أعني أوامره ونواهيه-؟!
أولاً: أخي الفاضل: إن معرفة النعمة من أعظم ما يجب أن نهتم؛ وذلك لأن معرفة النعمة هي السبيل إلى معرفة الله، وليست النعم مقصورة على الطعام والشراب فحسب كما يظن كثير من الناس، بل هي كثيرة لا تحصى، فكل حركة من الحركات، وكل نَفَس من الأنفاس لله تعالى فيه نعم لا يعلمها إلا هو سبحانه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قلّ علمه وحضر عذابه).
ذكرنا أن نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى، ولكن يمكن أن نذكر رؤوس تلك النعم:
1- نعمة الإسلام والإيمان: وهي -والله- أعظم نعمة أنعم الله بها علينا، حيث جعلنا من أهل الإسلام والتوحيد، ولم يجعلنا من اليهود الذين سبّوا الله عز وجل ووصفوه بأقبح الصفات وأخسّها، أو النصارى الذين عبدوا غير الله، ونسبوا إليه الولد، تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً. قال مجاهد في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً****** [لقمان: 20]. قال: "هي لا إله إلا الله".
وقال ابن عيينة: "ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرّفهم لا إله إلا الله"، وقال ابن أبي الحواري: "قلت لأبي معاوية: ما أعظم النعمة علينا في التوحيد!" نسأل الله ألا يسلبنا إياه.
2- نعمة الستر والإمهال: وهي أيضاً من أعظم النعم؛ لأن الله عز وجل لو عاجلنا بالعقوبة لهلكنا، قال مقاتل في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً****** قال: "أما الظاهرة فالإسلام، وأما الباطنة فستره عليكم المعاصي".
وقال رجل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل؟ ذنوب سترها الله، فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد؟ ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي".
3- نعمة التذكير: قال ابن القيم: "ومن دقيق نعم الله عل العبد التي لا يكاد يفطن لها أنه يغلق عليه بابه، فيرسل الله إليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئاً من القوت ليعرّفه نعمته عليه".
قال سلام بن أبي مطيع: "دخلت على مريضٍ أعوده، فإذا هو يئن، فقلت له: اذكر المطروحين على الطريق، اذكر الذين لا مأوى لهم، ولا لهم من يخدمهم. قال: ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه: اذكري المطروحين في الطريق، اذكري من لا مأوى له، ولا له من يخدمه".
4- نعمة فتح باب التوبة: فمن نعم الله عز وجل على عباده أنه لم يغلق باب التوبة دونهم مهما كانت ذنوبهم ومعاصيهم، وفي الأثر الإلهي يقول الله عز وجل: (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب) وفي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى فتح للتوبة باباً من قبل المغرب عرضه أربعون سنة لا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها) [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
5- نعمة الاصطفاء: وهذه النعمة يشعر بها أهل الاستقامة والورع والإقبال على الله عز وجل دون غيرهم، فالله عز وجل ثبت هؤلاء على دينه في زمن الفتن، وصرفهم إلى طاعته في حين أنه صرف أكثر الناس عنها، وحبّبهم في الإيمان وزيّنه في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وهذه من أعظم النعم التي يستحق عليها سبحانه تمام الشكر وغاية الحمد. مرّ وهب بن منبه ومعه رجل على رجل مبتلى أعمى مجذوم مقعد به برص، وهو يقول: الحمد لله على نعمه، فقال له الرجل الذي كان مع وهب: أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟ وكان هذا الرجل في قرية تعمل بالمعاصي، فقال للرجل: ارم ببصرك إلى أهل المدينة، فانظر إلى كثرة أهلها وما يعملون، أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيري؟!!
6- نعمة الصحة والعافية وسلامة الجوارح: كان أبو الدرداء يقول: "الصحة: الملك" وحكى سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رجلاً بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه حتى لم يكن له إلا حصير بالية، فجعل يحمد الله تعالى ويثني عليه. فقال له رجل آخر قد بسط له من الدنيا: أرأيتك أنت علام تحمد الله؟ فقال الرجل: أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطي الخلق لم أعطهم إياه. قال: وما ذاك؟ قال: أرأيتك بصرك؟ أرأيتك لسانك؟ أرأيتك يدك؟ أرأيتك رجليك؟.
وجاء رجلٌ إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس: "أيسرّك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فذكّره نعم الله عليه ثم قال له: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة!).
ثانياً: النظر إلى أهل الفاقة والبلاء؛ فإن ذلك يوجب احترام النعمة وعدم احتقارها: قال النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فَضُل عليه) [متفق عليه] وفي رواية: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).
قال النووي: قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى من فُضّل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله عليه وشكرها، وتواضع وفعل فيه الخير.
ثالثاً: معرفة أن الإنسان بمنزلة العبد المملوك لسيده، وأنه لا يملك شيئاً على الإطلاق، وأن كلّ ما لديه إنما هو محض عطاء من سيده. قال الحسن: "قال موسى: يا رب! كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه؟ خلقته بيديك، ونفخت فيه من روحك، وأسكنته جنتك، وأمرت الملائكة فسجدوا له. فقال: يا موسى! علم أن ذلك مني فحمدني عليه، فكان ذلك شكر ما صنعت إليه!".
ولذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلا أكون عبداً شكوراً) أي أن كل ما فعله الله تعالى بي من الاصطفاء والهداية والمغفرة هو محض عطاء منه سبحانه يستحق عليه الحمد والشكر، فما أنا إلا عبد له سبحانه.

الأمر الثاني: أن يستحي العبد من ذنوبه وخطاياه مع هذه النعم التي لا تحصى، قال ابن رجب رحمه الله: "واعلم أنَّ الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خَلْقاً وجِبِلَّةً غيرَ مكتسب، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (الحياء لا يأتي إلاَّ بخير) فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح، ودناءةِ الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر -رضي الله عنه- أنَّه قال: من استحيى اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي.
وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله الحكمي -وكان فارس أهل الشام-: تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع. وعن بعضهم قال: رأيتُ المعاصي نذالةً، فتركتها مُروءةً، فاستحالت دِيانة.
والثاني: ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ الإيمان، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان" انتهى من "جامع العلوم والحكم " [1/501].
ويستطيع العبد -بإذن الله- تحقيق خلق الحياء في حياته إذا استطاع تحقيق ما يأتي:
1. تقوية الإيمان بالله تعالى، فكلما قوي إيمانك ازداد حياؤك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ) رواه البخاري [24] "وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان، فسمِّي إيماناً كما يُسمَّى الشيء باسم ما قام مقامه" [فتح الباري 1/74] .
2. استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة عليه -كما سبق- فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيماً أن يكون منك مثل تلك الأفعال المناقضة للحياء، فهل يُشكر الله بما وهبه لك من نعمة الجمال أن تعرضيه على الأجانب؟! وهل من شكر نعمة الصحة والعافية في البدن أن يُكشف على رجل أجنبي؟! والمسلم مقصِّر أصلاً في شكر نعَم الله تعالى عليه، وهو يعجز عن إحصائها فكيف له أن يشكرها؟! فهل يصلح أن يكون مع هذا التقصير في الشكر شيء من المعاصي التي نهاه ربُّه تعالى عنها؟ قال الجنيد -رحمه الله-: الحياء: رؤية الآلاء، ورؤية التّقصير، فيتولّد بينهما حالة تسمّى الحياء. انظر: [مدارج السالكين 2/259، 260] .
وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: وقد يتولد الحياء مِن الله مِن مطالعة النِّعَم، فيستحيي العبدُ مِن الله أن يستعين بنعمته على معاصيه، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان. [[فتح الباري لابن رجب 1 / 51]].
3. استشعار مراقبة أحدٍ من النَّاس ممن ترين فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه، عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: (أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) صححه الألباني في [الصحيحة 741]) وانظري شرح هذا الحديث الجليل في جواب السؤال رقم [106249].
4. اتخاذ القدوة الصالحة فيمن حقق خلق الحياء، ومصاحبة الخيِّرات الحييات من النساء، ويكفيك قدوتان: أحدهما من الرجال، والآخر من النساء، فالأولى هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: "كَانَ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسلَّم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ - أي: البكر- في خِدْرِهَا" رواه البخاري [5751]
والقدوة الثانية: ابنة الرجل الصالح في " مَدْين" قال تعالى –واصفاً مشيتها لما جاءت لموسى عليه السلام-: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا****** [القصص/ 25].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع
مطلبي الجنان غير متصل   رد مع اقتباس