عرض مشاركة واحدة
قديم 07-03-2011, 05:42 PM   #55
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!



**الحلقة الثانية**

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة
خلتي وصحبي..



بعد أن أخذت لساني بالتدريب على لهجة أهل نجد حتى استقام كأني مُعرِقٌ فيهم نسباً وصِهرا ، ولادةً ونشأةً ، أخذتُ أتقمّص هيئاتهم ، ولا تسألوني يا رعاكم الله وصف الهيئة من وقوفٍ ومِشْيةٍ ، وطريقة حديثٍ وطريقة صمتٍ ، فإن ذلك مما ليس في إمكاني ، حسْبي وحسبك أن نعرف أنهم بشرٌ يمشون في الأسواق ويأكلون ويشربون ، لكل منهم قدمان وساقان وفخِذان !


ثم اتصلتُ بصديقٍ يرافقني في سفري ، فأجاب على الفور دون تراخٍ ، وهكذا هم الأصدقاء إبّان المهمّات ؛ سرعةٌ في الرد وقبولٌ بلا رفض ، وحسبك من مرافقة طلبة العلم إمتاعاً مع طول السفر وبُعْدِ الشُّقّة ، فهناك تحلو الأحاديث في شتى القضايا ؛ أُمَميّةً وإقليميةً وشخصيةً ، تتباين في أهميتها حتى تخاطب الأُمّة من تحت سقف سيارة ! وحسبُك من جامِيَّيْنِ يتحدثان في شؤون الأُمّة ! الله أكبر! ، وتوغِل القضيّة في أهميتها حتى تصل إلى قوائم أسرّة غرف النوم ! الطريق طويلٌ فلا تلومونا ، فإن ما بين المدينة والرياض مما تتقطّع دونه أكباد السيارات ، لن أتعجّل الآن بالحديث عن القضايا الآن ، وسأحدِّثكم عنها بعد قليل إن شاء الله ..


تَخِذْنا الساعة الثالثة والنصف ظُهرَ الأربعاء موعداً للانطلاق ، فأوعزْتُ إلى حليلتي بإعداد حقيبتي ، وانطلقتُ أنا إلى المجلس حيث يقبع الحلمنتيشيُّ مُتّكِئاً على أنفه ، فتحتُ الباب بِهدوءٍ ونظرتُ إليه متلصِّصاً ، وإذْ هو يقيس أنْفه بين النسخ ! وما يخشى الزيادة فيه إنما غاية همّه أن لا تكون المطبعة قد نقصتْ منه ، فهو حريصٌ على بقاء طولِه لعظيم فائدته ..

تنحنحْتُ مرةً ومرتين وثلاثاً فما تحرّك ولا شعر بوجودي ، ثم تبعتها بثلاث عطساتٍ فكأنْ ليس بالدار أحدٌ ، قلتُ أنا عين الخبير بك يا ذا الأنف ! فطفقت أُغنّي بصوتٍ منخفض :


أهواكَ يا أنْفي
في السلْم والخوفِ


أهواكَ إن رتعتْ
غنمٌ وما بشِمتْ


أهواكَ إن سقطوا
في السوء واختلطوا


قومٌ أكابرُهمْ
تُفتي وليس لهمْ


في العلم خرْدلةٌ
في الفقه مسألةٌ


فاستقسموا قِدَحا
واستبشروا فرحا


قالوا وقد ضربوا
بالقِدْح والتهبوا


الحق ما خرجا
الحق ما خرجا


أهواك يا أنفي
في السلم والخوفِ


أنتَ الذي ارتفعا
في الحُسْن وانقطعا


ما كنتَ في زمني
تَغْنَى عن الوطنِ


أنت ابنُ حِلّتِنا
أنتَ ابنُ جِلْدتِنا


تُحمى إذا ولغوا
في القول ما ولغوا


قومٌ قد انبرشوا
للفقه وافترشوا


قالوا الغناء على
أحواله احتُمِلا


فكُلُّه حلالُ
وكُلُّه بَلالُ


فانظر إليه سرى
في الليل وانتحرا


وهكذا الجهْلُ
معاده القتلُ


أهواك يا أنفي
في السلم والخوفِ


ما انتهيت يا سادة من غنائي ونشيدي حتى رأيت الحلمنتيشيَّ يبكي بكاءً مُرّاً ، وإذا هو قد كان مُصغياً لنشيدي أيما إصغاء ، فراعني أنه بدأ يقفِ معتمداً على أنفِه كما يعتمد أحدُنا على ركبته ! فقلتُ في نفسي يا تُرى ماذا سيفعل هذا الباقعة ! ما أتمَّ وقوفَه حتى طفق يرقص ويهزُّ وسطه وقد قبض على أنفه يُحرِّكُه ، رفْعاً وخفْضاً ، ويميناً وشمالاً ، فهيّج استنساخاتِه فوقفوا معه ! فانقلب المجلس رقصاً وهزّاً وغناءً وأضواءً ، فكان يقول بما يُشبه الغناء ونسخه تردد معه :


نحن الذين جنوا
نحن الذين بنوا


في ذروةٍ وسنا
قد أكملوا الوطنَا


فاسألِ القلما
أيُّ الحروف سما


فنحن في الكُتُبِ
نعلوا على الرُّتَبِ


سلوا غداة سَلا
في روضنا وجلا


جيشٌ من الهمِّ
من بائسٍ يُدمي


واستنطقِوا جُملا
يجتازها العُمُلا


تلقون أوطانا
في الحب تحنانا


فكان كُلما انتهى من بيتٍ صدعتْ نسخُه تردد من خلفه :


حلَشْ حلَشْ حلمنتيشي
حلَشْ حلَشْ حلمنتيشي


ساءني هذا الضجيج والصخب الذي ملأ مجلس داري ، فأشرْتُ إليه بالصمت واضعاً يدي على فمي ليقيني أنني لو صرختُ بمكبرات الصوت فلن يسمعني ، لكنه أبى إلاّ المُضي في صخبه وضجيجه ، فقلتُ في نفسي لا يُسكتُه إلا الذي حرّكه ؛ إنه الأنف ، فقفزْت كما يقفز حمود سلطان حارس البحرين الشهير على جانبه الأيمن ، فقبضتُ على أنفه وأضجعتُه فصمت وصمتت نسخه معه ، أيُّ أنفٍ هذا الذي فيه كل هذه المواهب !


صمَتَ وصمتت معه نسخه فحملته إلى السيارة وهو يقول : ليتنا حين تعنِّينا ينالنا منك شكراً ، بل ما رأينا منك في حياتنا كلها إلا كُفْراً ، فقلت له صمْتاً يا كَفَر صمتاً يا كفَرْ..


ودعتُ أهلي واستودعوني ذا الأنف وانطلقت إلى صديقي


للحلقة القادمة ..
إن شاء الله



أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس