عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2011, 12:20 AM   #61
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة السادسة**

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة

..



قبل أن أكمل انطلاقنا من النبهانية إلى القصيم ، أريد أن أعود القهقرى إلى الحديث عن جبال نجد وتلالها ، في الحقيقة يا سادة فإني رأيت تلالاً قد شُقّتْ من أجل الطريق ، فرأيتها كأنها طبقاتٌ من التُّرْبة اليابسة ، نظرتُ إليها نظر الغَنيَّ الأشر فذكرتني بمعكرونة اللزانيا في طبقاتها ، ثم نظرتُ إليها كرّةً أخرى نظَر الفقير الكسير فذكرتني بعشر حبّاتٍ من التميز قد رُصّ بعضها فوق بعض!


في رجوعنا نهاراً رأيتُ جبلاً عجيباً واقفاً بمفرده ، كأنه كتف الكبتن نامق! قلت لصاحبي ما أعجب هذا الجبل ! قال هذا جبلٌ يقال له (طِمِيّة)



قال : ويقال إنه اقتُلِع من حفرةٍ قرب الطائف يقال لها (مَقْلع طِمِيّة) ، وهي حفرةٌ كبيرةٌ بحيث لو وُضع فيها جبل طمية لملأها ، فهو في حجمها تماماً ، وهذه صورتها :


قلتُ لصاحبي أوقف السيارة لأصوِّر هذا الجبل بعدستي ، حتى إذا كتبت موضوعاً في المنتدى أضع على الصورة اسمي فأكتب (بعدسة أحمد الحربي) ، قال لا تُتعب نفسك ففي الشبكة العنكبوتية مئات الصور له! لكنني لا أتوقّع أن يكون امتناعه من الوقوف بسبب هذا ، بل لعله لسببٍ آخر ! وهو أنني أردتُّ أن ألتقط صورةً لمَعْلمٍ من المعالم ، فخانتني مهارتي في التصوير فصوّرتُ طبلون السيارة !


انطلقنا من النبهانية بعد أن صلينا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، فمررنا بقُرىً متعددة ، وكنا كلما مررنا بقريةٍ رأيتُ فيها من أعمدة الإنارة ما يجعلني أصيح بصاحبي : هذه هي القصيم ، فيقول لي : لا هذه قرية من قُراها ، قلت والعجبُ يعصف برِيقي : وهذه الأنوار التي بلغتْ تَعداد يأجوج ومأجوج ؟! قال هذه قرى القصيم تبدو هكذا ! قلت سبحان الله ! وأنا أعضُّ على شفَتي من الحنَق والغيظ ، ما من حسدٍ علم الله ، ولكني تذكرتُ قُرانا في الحِجاز وهي تلتحف عباءة الظلام! تبدو أعمدة الإنارة فيها كشمعةٍ واحدةٍ يخطف الظلام ضوءها حتى لا تكاد تُرى ، لماذا لا تكون قُرانا مثل قُرى القصيم ؟ مطلبٌ عادل لا يضرُّ أحداً ولا يوقف النِّعم عن المثول أمام باب أحد، فلا يغضبنّ غاضبٌ من كلامي هذا فما اعتديت ولا سعيت بالوقيعة ، فإن أبى إلا أن يغضب فرأسُه والجِدار! لهفي عليكِ يا قُرى الحجاز ! فثلاثة أعمدةٍ من الإنارة لقرية واحدةٍ في مقابل سبعين منها لقرية في القصيم تصغر عن قريتنا ، وتكبُرها قريتنا ربما بثلاث مرات!!


ما زالت القرى تتقاذفنا حتى وصلْنا القصيم ، قلت لصاحبي لا نريد أن ندخل بريدة ، بل نريد العشاء في عنيزة تعصّباً لزميلي السبيعي ، فقد سمعتُ كما يسمع السامعون ولا أدري عن صحّة هذا السماع ! بأن هناك تنافساً بين المدينتين ، ويَحكي الرّواة ونَقَلةُ الأخبار من هذا التنافس عجباً ، من ذلك ما يحدِّثون به من أن بلدية عُنيزة عملتْ مَيداناً في مفترقٍ من الشوارع ، ووضعتْ فيه تمثالاً على شكل مِقلاعٍ كبيرٍ ، فاحتجّ أهل بريدة وطالبوا بإزالته ، يا تُرى ما السبب ؟! قالوا إن المِقلاع موجّهٌ صوب بريدة وهذا إهانةٌ لنا ولا نقبل الضيم أبداً !!


دخلنا عنيزة وتناولنا العشاء في مطعمٍ للمشويات هناك قريبٍ من الماكدونالدز ، وحقّاً وصدقاً كانت عنيزة أهدأُ من سُرادق العزاء! وذلك أنني مُعتادٌ على صخب المدينة المنورة وضجيجها ، فظننتُ أن عنيزة كذلك ، وإذْ بها مدينة هادئة وصغيرةٌ ليست كمدينتي التي لها نصيبٌ من قول الأعشى :
وبلدةٍ مثلِ ظهر الترس (مزعجةً) *** للجِنِّ بالليل في حافاتها زَجَلُ


حقيقة لقد تمنيت أن أعيش فيها ، فأنا هاديءٌ وأُحِب الهدوء ، إلا أنني خفتُ على لغتي ، فأدعو البطّيخ جِحَّاً بدلاً من أن أدعوه حبحباً ، وأقول (بُوه) أي بهِ بدلاً من قولي (فيهِ) ..


تذكرتُ الشيخ محمد بن صالح بن عثمين رحمه الله ، الذي كان نوراً انبثق من هذه المدينة الرائعة ، فرحم الله ذاك الشيخ المهيب المتواضع ، المتفنِّن في عددٍ من الفنون ، تذكرتُ يوماً مشيتُ بجانبه وقد كان خارجاً من الحرم المكي في غير أيام رمضان من عام ثلاثة عشر بعد الأربعمائة والألف ، وليس معه إلا أنا ورجلٌ آخر يسأله وأسأله ، وكانت في يده عصاةٌ ينكتُ بها في الأرض وهو يمشي ، فمرّة أقول إنني بجانبِ أحدٍ كبار السِنِّ إن نظرتُ إلى شيبته ، ومرة أقول إنني بجانب شابٍّ في مقتبل العُمر حين أنظر إلى سرعة مِشْيته ، فرحمه الله وبرّد مضجعه وجعله في روضات الجنّات..


خرجنا من عنيزة متوجِّهين إلى الرياض ، فوصلنا إلى الغاط في طلعته الشهيرة التي هي بداية هضبة نجد





تلك الهضبة العظيمة الواسعة ، قال لي صديقي : حين نصعدها الآن فلا نزول بعدها وإنما نمشي في هضبة كبيرةٍ ، وبالرجوع إلى الإحصاءات الجغرافية فإن هضبة نجد تشغل حيّزاً كبيراً من وسط الجزيرة العربية ، تُقدّر مساحتها بـ 482 ألف كم2..


سادتي .. انظروا إلى الصورة الثانية في الجبل وتذكروا معكرونة اللزانيا !
الجدير بالذكر أن هذه الصورة قد تكون قديمةٍ إلى حدٍّ ما ، لإني شاهدت مجسّماتٍ للأهلّة في أعلى الهضبة على ميمنة الطريق وعلى مسيرته..


صعدنا على متون الهضبة ماضِيَيْنِ في طريقنا إلى الرياض حتى وصلنا إلى محطّة لا كالمحطّات واستراحةٍ لا كالاستراحات إنها استراحة العَتْش ! فاتفقنا على أن نبيت فيها إلى قبيل الفجر..


انتظروني في الحلقة القادمة .. إن شاء الله
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس