عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2011, 11:17 PM   #63
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة الثامنة**

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة




دقّات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائقٌ وثوانِ



-----------------------أسْتهِلُّ هذه الحلقة يا شبيبةُ بهذا البيت العظيم من أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي ، فقد مضتْ ثلاثُ ساعاتٍ كأنها ثوانٍ معدودةٌ ، كُنّا نستطيلها في انتظار الساعة العاشرة للدخول إلى مبنى المعرِض ، فلمّا حضرتْ رأيناها لا تتجاوز بضعَ ثوانٍ ! هذه هي الحياة يا سادة ويا سيدات ويا آنسات ! تتقلّب في أنظارنا طولاً وقِصَرا ، فنستبطيءُ ساعةً ونستعجل أُخرى ! ونرى طول سنةٍ ونرى سرعة تقضِّي سنة أُخرى ، بينما هما هما ؛ الساعة والسَّنَة ، لم يزيدا ولم ينقصا ، إنما هي أحوالنا حين نطمع ونجزع ، وحين نفرح ونحزن ، ففي الطمع والفرح نرى سرعة المسير ، وفي الجزع والحزن نشاهد بطء المسير ، لله ما أضعفنا وما أضعف الدنيا ! إي والله ما أضعف الدنيا ، بالأمس قرأ إمامنا قول الحق تعالى (والأرض جميعاً قبضتُه يوم القيامة) فسرحتُ بخاطري في هذه الآية ، فقلت في نفسي : أنا وذُرِّيَّتي وحارتي ومدينتي ، والجبال العظيمة والوديان الواسعة والبحار المتلاطمة ، والناس كلهم جميعاً بذراريهم ، في قبضة الله ! فخالطني شعورٌ من الهيبة والخوف والفزع فُتحتْ له عين الذهول .. نشكوا إليك يا ربنا غفلةً تجتاح قلوبنا فنتجشّم معاصيك عالِمين عارِفين مُدرِكين ..

-----------------------انطلقت وصاحبي إلى المعرِض مُبكِّرين ، أوقفْنا السيارة في المواقف المخصصة ثم دخلنا ، فوجدْنا المعرِض واسعاً ، توجّهنا مباشرةً إلى الشركة الوطنية للتوزيع ، كان العامل السوداني في الجناح مشغولاً بكثرة المشترين ، فوقفتُ جانب الجدار واتّصلتُ بالمسؤولين في الشركة الوطنية فأخبروني أنّ عليّ أن آتي إليهم في مقرِّهم ، وأن الرجل السوداني سيصف لنا الطريق ، فطفق يصف لنا الطريق بوصفٍ حلمنتيشيٍّ جعَلَنا نخرج خارج الرياض ، فاستلمتْنا الجسور حتى كِدْنا أن نصل إلى محطة العتْش! وصف لنا السوداني بأنه بجوار نادي الشباب الرياضي ، فقال تذهبون حتى مخرج سبعة إن لم أنسَ ، بل أظنني نسيت أهو مخرج سبعة أم لا ، ثم قال وستجدون مبنى الشركة..

----------------------- مضينا نعد المخارج حتى إذا ما وصلنا إلى المخرج خمسة أو ستة انخرمت الأرقام فلا نجد رقم سبعة ، لا تؤاخذوني في الأرقام فأظنها اشتبهتْ عليّ كما تشابه البقر على بني إسرائيل ! فما أكثر مخارج الرياض ، فنضِلُّ الطريق حتى نصل إلى جامعة الإمام ، سألنا رجلاً بنغالياً يعمل في استراحة ، فكان كعَمْياء تنقُشُ الحِنّاء لعمياء ! فتركناه وأصبحنا نسأل حتى قيل لنا إنه قريبٌ من هنا ، إلى أن وجدْنا صيدلية فدخلت فوجدتُ رجلاً نجْدياً فسألتُه عن الشركة الوطنية للتوزيع فقلّب عينيه وضم شفتيه باسطاً لها بطريقةٍ أشعرتْني بأن في رصيده البنكيِّ مليونَ ريالٍ لا داعي لها ! فأخذ يفكِّر ، وكان بجانبنا رجلٌ أكبر مِنّا سِنّاً وأعلم وأحكم ، سمعني أسأل ، فخاطبني بهدوء الكِبار في صوتٍ واثقٍ وثابت ، فوصف لي الطريق ، فكان يربط اتجاهات المسير يميناً وشمالاً بقوله (ثِمِّنْ) ، شكرتُ الاثنين وانطلقتُ ، وقد كُنا قاب قوسين من الشركة أو أدنى ، فوصلناها فكان كما قال السوداني بأنها بجوار مبنى نادي الشباب ، فتوهمتُ أن أرى صخرة دفاعه إبراهيم تحسين يفتِل شاربه ..

-----------------------دخلنا الشركة واتفقنا معهم ووقّعنا العقد ، ثم تركت الحلمنتيشيَّ ذا الأنف في مستودعهم ، فنظر إليّ مُسْترجِعاً ومحوقِلاً إذ لم يعجبه المكان ! فقلتُ له اصبر على هذا المكان حتى تنال أكرم منزلٍ في المعرِض ، فكُن كما قال عنترة بن شدّاد :

ولقد أبيتُ على الطَّوى وأظَلُّه *** حتى أنال به كريم المأكلِ

قال عمر رضي الله عنه مُعقِّباً على هذا البيت : ذاك رسول الله . يعني عمرُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الوصف من عنترة ، وشعر عنترة يبعث في النفس الثقة ويأخذها إلى العزة والأنفة ، فهو يقول :

لا تسقني ماء الحياة بذِلّةٍ *** بل فاسقني بالعزِّ كأس الحنظلِ

وكأنه في هذا البيت يخاطب أصنافاً من الموظفين يمتهنون نفوسهم عند مديريهم ، من أجل أن يرضوا عنهم ، فيُكرموهم بانتدابٍ أو بكثرة استئذانٍ ، وأُخص بعض المعلمين باللوم ، فإنك تجد بعضهم مثل فراريج الدجاج أمام المدير وأمام المشرف التربوي ، لا أقول اعتدِ عليهما ولكن لا تجعلهم يسقونك ماء الحياة بذِلّة..

وفيها يقول مخاطباً زوجَه ، فتحسّس بمعاني أبياته في سويداء قلبك :

بكرتْ تُخوِّفني الحتوف كأنني *** أصبحتُ عن غرض الحتوف بمعزِل
فأجبْتُها إن المنيّة منهلٌ *** لا بُدّ أن أُسْقَى بذاك المنهلِ
فاقنَيْ حياءك لا أبالكِ واعلمي *** أني امرؤٌ سأموتُ إن لم أُقْتَلِ
إن المنيّة لو تُمَثَّلُ مُثِّلتْ *** مِثلي إذا نزلوا بضنْك المنزِلِ

فانظر إليه ! اعتدادٌ بالنفس في حدود المعقول ، وتسليمٌ للقدر ، وصرف النفس عن الخوف بأن الموت قادمٌ لا محالة ، وأنه لا يُستطاع التحكُّم فيه ، ثم التفتَ إلى المهم وهو إقدامه وشجاعته ..

-----------------------خرجنا من الشركة وكان الوقت ظهراً وما لبثنا أن أُذِّن لصلاته ، فصلينا ثم هِمْنا في شوارع الرياض نبحث عن مطعمٍ ، فلم نشعرُ إلا ونحن بجانب مطعم النافورة ، فقلت لصاحبي إن هذا المطعم مما يُشار إليه بالبنان في الرياض ، فدخلنا وما جلسنا إلا لنقوم ، لم يعجبْنا ما فيه وكنا نريد جلسةً عربيّةً يميس فيها أبو همْزة (الرز) بخَصْره ، فخرجنا وكان بالقرب منه مطعمٌ للمثلوثة والمندي ، فتناولنا غداءنا عنده ، ثم مضينا نيُمِّمُ شُقّتنا ، وفي الطريق حدث لنا عجبٌ ، فقد كانت عجلات سيارتي تشكو ذهاب تقاسيم وجهها من طول الأمَدِ وكثرة الاستخدام ،
وقد سألني أحد الإخوة : متى تُغير عجلات سيارتك ؟ فقلتُ له : إلى أن تُخرج أثقالَها أقصد أسلاكها ! ما حدث يا سادة أنني ما انتبهتُ إلى مَطبٍّ كبيرٍ كأنه بطن ناقةٍ عُشَراء ، فضغطتُ على المكابح كالمعتاد فإذا بالسيارة ترقص رقصة السامبا ، حتى كِدْنا أن نرتطم بسور حديقةٍ ، فقلت لصاحبي انظر إلى طُرِق الرياض كم هي ناعمة! فقال على البديهة : كأنها مخلوطةٌ بِزُبْدة!! قلتُ لله أبوك ، لقد أصبتَ وما أخطأت ..

-----------------------وصلنا شقّتنا فنمنا إلى العصر ثم توجّهنا إلى المعرِض ، فقضينا فيه وقتاً لا بأس به ، مررنا على الشركة الوطنية للتوزيع فإذا الناس متوافرون لشراء كتاب الشيخ سلمان العودة (شكراً أيها الأعداء) ، فأخذني العجَبُ كل مأخذ ، فهناك مُفارقةٌ عجيبةٌ يا سادة ، فسيجتمع في هذا الموقع ضِدّان ، كتابٌ لصحويٍّ وآخرُ لجاميٍّ ! وتعال حدِّث ولا حرج ، عن عصافير العجب !

-----------------------تجوّلنا في المعرِض ، وكانت مكبرات الصوت تصدح بتوجيه الأنظار إلى المنصة رقم كذا بأن فيها الدكتور محمد العوين يوقّع كتابه عن المرأة ، فلمّا رأيتُه هالني الشبه الكبير بينه وبين الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في الوجْه ، كان يوقِّع للناس وعنده عددٌ لا بأس به ، بينما كان بجانبه شابٌّ نسيتُ اسمه يريد أن يوقّع لكتابه فما يأتيه أحدٌ ! في أثناء ذلك يصدح المكبِّر بأن الأستاذة مها النهدي توقع لروايتها في قسم الأطفال ! قلتُ في نفسي هذا اتفاقٌ عجيب ، فالمرأة كالطِّفل ! مررنا بها توقّع لبنات جنسها ، وقد شاهدنا رجال الهيئة واقفين بحذائها ، لا أدري ما السبب ، ربما ضربةٌ استباقيةٌ لشيءٍ ما ، ولكن هل تغني الضربة الاستباقية عن الواقع في المعرض شيئاً ، فها هُنِّ النساء فيه بكامل زينتهن ، ومعهن أطفالهن وكأننا في دور الحضانة!


انتظروني في الحلقة القادمة .. إن شاء الله
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس