**الحلقة العاشرة**
مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة
---------- ---- خرجنا من المعرِض ، فقال لي صاحبي ورفيق سفري سنتناول العشاء في برج المملكة ، هناك هناك في ذِروة سنامه ، حيث عُشّ العنقاء ! فقلتُ لا والله لا يكون هذا أبداً ، فأنا أخشى المرتفعات خشيتي لديكٍ كان في حارتنا أيام الصِّبا ، كان يستضعفني فكنتُ كلما مررت به ترك أشغاله وما في يده وأقبل عليّ يصفعني بجناحيه ، قطع الله ذيْنِك الجناحين ، فكنتُ أكره الذهاب إلى منزل خالتي زوجة أبي ، لقد تسبب هذا الديك الخبيث في قطع رحمٍ وانقطاع صِلة ، إلى أن أزاحه الله عني بأن سلّط الله عليه رجال البلدية الأشاوس ، وهكذا يعاقب الله الظالمين والطغاة !!
--------- ----- قلت اذهب يا رفيقي وتعشّ لوحدك ، وأما أنا فارمِ إليّ بالصامولي وبقية عشائي من فوق ناطحة السحاب ، عفواً يا سادة هل يبيعون الصامولي فوق ناطحة السحاب ؟! وكم يكون سعره هناك ؟! قلت له : سأفرش سفرتي على باب البُرج ، ثم إذا ما انتهيتَ من عشائك فتزلّج هابطاً إليّ على جدرانه ، فإني في خصامٍ شديدٍ وخصومةٍ طويلةٍ مع المرتفعات ، مثلي مثل ذاك الرجل الطاعن في السِّنِّ لمّا أرْكبوه الطائرة همّتْه نفسُه فأخذ يقول : "دعوني أقبضها ، فوالله لن أطير عنها ما حييت" يريد أن يقبض على الأرض بيديه وقدميه! إنها النفس وحلاوة الروح ! فمن ذا الذي يُفرِّط فيها !
------------ -- بحثنا عن مطعم بالقُرب من نُزلنا فوجدنا مطعم (الهرفي) وهو يبيع البرجر وسواه ، فقعدْنا وطلبنا ، أقصد فطلبْنا وقعدْنا ، ثم فتحتُ جوالي n95 واتصلت بالشبكة العنكبوتية ، وفتحتُ على موقعٍ مجاورٍ ، وكان أستاذنا وكبيرنا ومعلمنا آيدن قد وضع موضوعاً دعائياً لصاحب الأنف الحلمنتيشيّ ، فرأيت أحد الإخوة اعترض عليه بأنْ كيف تعمل دعايةً لكتابٍ وموقعٍ يعودان لرجلٍ جاميّ ؟! فقرأتُ جواباً ماتعاً لأستاذنا أفاد وأجاد كعادته ، وصال وجال على طريقته ، فأمتع أيّما إمتاع ، فقلتُ لرفيق سفري : بالله عليك اسمع ما يقول آيدن ، فقرأتُ عليه ما قال فأعجبه أيما إعجاب ، فقلتُ له إني سأُخبره بأن رده أعجب جامياً محترقاً! فقال بل متفحِّماً ! قلت بعد ذلك وأنا في حالٍ كبيرةٍ من حسد الغبطة : لله ما أهنأك بتفحُّمك ! وأسأل الله أن يبلغني كما بلّغك من هذه المنزلة السامقة! فإني لا زلتُ محترقاً فمتى أكون متفحِّماً ؟! لقد بحثتُ يا سادة عن التفحّم مظانَّه ، وأعملتُ فيه الخُفّ والحافر ، وهيّجتُ السارح والبارح ، وضربتُ آباط السيارة مشرِّقاً ومغرِّباً ، وفعلتُ وقلتُ ولمّا أصل إلى هذه المنزلة الرفيعة والمكانة السامقة بعْدُ ، فمتى أتفحّم ، متى متى !
-------- ------ ثم أفضتُ في الحديث عن آيدن وظاهرة آيدن ، وأنه أعاد للمنتديات هيبتها ، وللحروف ديباجتها ، وأن في الأمّة كباراً ، عقلاً وقلماً وأدباً ، حتى حضر العشاء ووُضِع على المائدة ، فقطعتُ الاتصال بالشبكة معتذراً من آيدن بطريق الإيحاء عن إكمال الحديث عنه في حضرة طعام ، في حين أقول بيني وبين نفسي : وهل سينفعني آيدن إن أُصبتُ بتلبُّكٍ معوي ! فنوّمتُ في المستشفى ! أو شرِقْتُ بالطعام وأنا أمدحه لألفظ ما في فمي على السفرة فتذهب دراهمي حسرة! نفسي نفسي ! هاتي البرجر يا يدي وضعيها على عجلٍ في فمي..
------------ -- مما رأيتُ في الرياض من المشاهدات ؛ ما رأيته من عجائب في الشوارع ؛ فزحام السيارات في بعض شوارعها مع اتساعها مثيرٌ جداً ، فقد كنتُ في الطريق المسمّى (الدائري الشرقي) ، فكان الزحام في العصر عجيباً ، أرتالٌ من السيارات تتحرك كأنها كُرةٌ ثلجية عظيمة تدفعها خمسون نمْلةٍ ، فهي تتحرك بِبُطءٍ شديد ! أما الشارع الذي فيه دار إقامتنا ، فقد كان شارعاً فرْعياً وعريضاً ، عددتُ محلات الحلاقة فوصل التعداد الحلاّقيُّ معي إلى ستٍّ أو أكثر ، ثم رأيت شارعاً آخر وهو من العجب ! فعلى رصيفه الفاصل بين المسارين وُضِعتْ أعمدة أسلاك الضغط العالي ، وفيه ما فيه من الخطر على أرواح الناس . حفظتُ من أسماء الشوارع : الدائري الشرقي ، ولا أدري إن كان يوجد صِنْوه الغربي! والمخارج ـ أكرمكم الله ـ من واحدٍ إلى اثني عشر إن لم أنْس فالكلام الآن من الذاكرة والذاكرة في طريق اليَبَس ! وشارع عثمان بن عفان ، وطريق الملك عبدالله ، وطريق الملك فهد ..
--------- ----- أما نساء الرياض ـ ولست هنا مُعمِّماً مدحاً ولا قدحاً ـ فقد كنتُ في مكتبة قرطاسيةٍ ، فجاءت إحداهنّ ـ ويبدو لي أنها معلّمة ـ تريد تصوير أوراقٍ فأعجبني ألاّ تغنّج ولا إظهار رِقّةٍ في كلامها ، فكانت تخاطب المسؤول عن التصوير بصوتٍ رسْميٍّ وجادٍّ وفيه نوعٌ من القوّة ، إلا أن صوتها كان مرتفعاً في حضور الرجال ، ومن الأفضل للمرأة أن لا يسمع الرجال صوتها متى أمكنها ذلك .
-------- ------ رجعنا بعد العَشاء إلى دار إقامتنا ، فقد كان غداً الجمعة وبعده السبت ! ولا بد أن نسافر باكراً راجِعَين إلى المدينة ، ولا بد من النوم العميق ، فأمامنا أربعون وثمانمائة كيلاً ستُعطى لنا عدّاً ونقداً ..