كانت الرحلة من الرياض لروضة سدير على ( اللوري) وهو يحن.. ويتمايل ذات اليمين.. وذات الشمال.. ونحن نتمايل معه !!
حيث أن الطرق غير معبدة...
وكنا نتمسك في الحنايا وقد نقف ونحن نهز متمسكين لنرى الجبال والصحراء والرمال والطريق الطويل الطويل في نظرنا وكأنها ـ وقتها ـ رحلة الى آخر الدنيا مع أن الطريق كله لا يزيد على 170كيلومترا وكنا نقطعه في سبع ساعات!
كنا نقف ونحن نسير في ذلك الطريق الطويل في شعيب مُشَجَّر جميل اسمه ( شعيب ملهم )
وكنت أذكر الوالد رحمه الله ( وكان وقتها الشعيب يمشي بالسيل ) يأخذ من ماء الشعيب ويحكر لنا ذاك الشاهي على الحطب أروع منه ما قد ذقت .
كنت أتذكر حينما نصل الى الروضة وندخل الديرة من مدخلها الرسمي وأسمه باب بعيلة ومن باب بعيلة ندخل الحزم وعلى ذكر الحزم
ورد بخاطري بيت الشعر الذي يقول
( وردوهن على متعب الجلاب ....وردوهن على الحزم بالروضة )
وكان بعض أهل الديرة ـ في إستقبال القادمين والترحيب بهم
ويعم الفرح أرجاء الديرة بالقادمين.
وكانت الدكاكين في الروضة دار ما دار الحزم و تعد على اصابع اليدين..وأشهرها بالنسبة لي كان دكان عبود الماجد حفظه الله ودكان بن مويس ودكان أبابطين ودكان أبوعلي ودكان عثمان بن عياف ودكان سعود الموينع ودكان محمد بن جوير رحمهم الله.
وكان هناك المجبب ( السكة الضيقة ) يختلط فيها المشاة بالأغنام
( الهاضله ) القادمة من الرعي ورائحتها المميزة التي لا يمكن نسيانها
وكانت هناك الوضايم ( جمع وضيمة )هي وسيلة تصريف السيول يتم حفرها بطريقة بدائية كيفما اتفق بين السكك والبيوت! وفي بعض الساحات..
وكانت الروضة على أطراف الوادي وعند مدخل الديرة وبالتحديد باب بعيلة يوجد كثبان الرمال..
وكانت كثبان الرمل هذه مجالس للسمر..
أما الشياب فيجلسون في المشراق تحت القصر
وقد وقفت طويلا وأنا في العاشرة من عمري أنظر للبشر الذين يأتون للحزم في الروضة بقصد مقايضة ما لديهم من أبل وشياه وسمن وإقط وسلاح وغير ذلك...
كان الرجال يتنقلون من جزء لآخر في الحزم لرؤية ما يتم عرضه من عروض التجارة
أما النساء فلا يخرجن بتاتا إلا في وقت الصلاة للأنتقال من منزل لآخر حيث الرجال في المساجد وقتها.
ومما أخبروني به أهلي ان الفتاة كانت لا تملك العباءه حتى تتزوج لأنها قبل الزواج لا تخرج أبدا من البيت.
.. وكانت النساء في بعض بلدان سدير (تروِّي) اي يُحضرن الماء من آبار بعيدة يحملنه على رؤوسهن في قدور كبيرة نسبيا مخصصة لهذا حيث كان أمرا طبيعيا،
ولكن في روضة سدير الوضع يختلف كليا فلا يسمح للنساء بالخروج للتروية ويقوم بذلك العمل الرجال حيث كانت جميع الأعمال المهنية يؤديها أبناء البلد ولم يكن هناك عمالة أجنبية اطلاقا.. ( اللهم إلا في مجال الطب والتدريس ) كانوا كلهم من أهل الروضة توارثوا المهنة ويعملون فيها بجد وجلد .. وفي الليل ينامون نوما عميقا هنيئا في سطوح مكشوفة على السماء مثلها مثل معظم قرى المملكة.. كان هناك السرج والأتاريك ( جمع تريك) والنجوم