عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2011, 10:07 PM   #75
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

( 5 )


وحيد .. في المدن الصاخبة





لم تكن قرية بالمعنى الذي بنيته في رأسي ..


لكم أن تتصوروا مساحتها وهي تحتوي على ماينيف على عشرين منارة .. اثنتان منهما لجامعين كبيرين ..

ومدرسة كبيرة جدا فيها ثلاث مراحل تعليمية ..

خلف ورشة حدادة .. هناك حوش صغير .. فيه غرفتان من الطوب الاسمنتي ..

الهواء يدخل من غير مااستئذان عبر الشقوق .. والشمس كذلك في بعض الأحيان .. غير أنها أفضل بكثير من السكن في خيمة في العراء .. أليس كذلك ؟

من داخل الغرف تهجم على أنفك روائح الثوم والفلفل والبهارات الهندية الحارة .. وزيت النارجيل أيضا

مابين الغرفة والطرف الآخر من الحوش يمتد حبل غسيل عليه ملابس معلقة مابين فانيلة مقلمة الأكمام وإزار ذي خطوط مزركشة ومناشف بألون مختلفة ..

شيئا فشيئا استطعت التأقلم مع العمال هنا .. ثلاثة هنود وخمسة بنجلاديشيين ..

تقررأن يكون سريري في غرفة الهنود الثلاثة .. كانوا يخرجون لأعمالهم في الورشة والبقالة القريبة .. عرفت أول قدومي إليهم أن اثنان من مومباي .. والثالث من أحمدأباد ..

لم أكن مرتاحا لهم على أية حال .. لديهم سر يخفونه عني .. يتهامسون كثيرا .. رأيت قرب السكن مرة شاب يفاوض أحدهم في شيء ما وكأني لمحته وهو يمنحه ورقة نقدية رفيعة ! .. تحت أسرتهم صناديق أشبه ماتكون بالألغاز .. ولذا فقد كنت حريصا على أن لاأعود إلى السكن إلا وقت النوم فقط ..

في استراحة الكفيل والتي تبعد عن السكن خمسة أكيال كنت أذهب من بعد العصر ولا أعود إلا في المساء ..

ولكي لاأبقى فارغا في الصباح تعاقد الكفيل مع مدير المدرسة الابتدائية في القرية لأكون لديه عاملا إضافيا للبنجلاديشي الموكل بأعمالها ..

الطريق إلى الاستراحة طويل على الأقدام .. كنت أحث الخطى إليها وأنا أضع يدي خلف ظهري .. سالكا الطريق الاسفلتي المتعرج ..

في آخر الشهر .. اشترى لي الكفيل دراجة هوائية مستعملة .. سلمها إلي في الاستراحة وهويقول : أبوالكلام .. هذا سيكل علشان طريق في طويل .. بس شوف .. مافي كلام نفر ثاني ان كفيل في يشتري .. مفهوم ؟

- هززت رأسي موافقا وفمي مفتوح حتى الآخر بابتسامة لم أستطع السيطرة عليها









فرحت بالدراجة ..

نعم ..

ولكن فرحتي بتعامل الكفيل وشعوره اللطيف تجاهي كان أكثر من ذلك .. الدراجات الهوائية في كل مكان .. ولكن هذا النوع من البشر نادر جدا ..

الآن .. أصبحت قريبا من الناس ..

ولكن قطيع الأغنام أحب إلي من بعض الناس ..

في المدرسة ..

كنت أجدف بالمكنسة ذات الشعر الطويل على البلاط بكل انسجام ..

حينما لكزني مع كتفي أحد المعلمين -على مايبدو - بصورة استهتارية ..

- كيف الهال صديق ؟

- هالهمد لله ..

وأخذ بيدي إلى طاولته في غرفة المدرسين وهو يقول .. تعال .. تعال ..

طويل .. ونحيل الجسم جدا .. وله رائحة عطر صارخة .. ثوبه ضيق .. وشماغه المرفوع فوق عقاله كبير بحيث يمكنه الاستغناء عن نصفه تقريبا ..

أخذ يفاوضني في غسيل سيارته .. كنت لاأفهم كثيرا من كلامه .. وأرفع رأسي وعيني في كل مرة مستفهما .. وحينما رآني بهذه الصورة أخذ يزاول علي مشهدا كوميديا أمام بعض زملائه في الغرفة .. يسألني بعض الأسئلة ثم ينفجر زملا ؤه بالضحك .. يهز رأسه محاكيا حركة رأسي ثم يخرج صوتا تقليديا قبيحا من أنفه : مافي مفهوم ؟

عيونه وعيون زملائه تلسعني ..

المشهد كان قاسيا بالنسبة لي ..

وما انتهى المشهد إلا بعدما أحس بأنه نزل من برجه العاجي كثيرا من الوقت وهو يدفعني من كتفي ويقول : روه .. روه تنظيف .. رووه ..

ثم كيف سترون تعامل تلاميذه معي بعد ذلك ؟

أحد الأيام .. وعندما خرجت من المدرسه .. كان في الطريق زمرة طلاب أعمارهم قريبة من البلوغ ..

كنت أسير على الدراجة بكل هدوء ..

استوقفوني ..

كل واحد منهم يريد أن يكون بطل المشهد ..

أحدهم يسأل : بكم فلوس هذا صديق ؟

آخر : أنا يبغى دورة صديق .. أنت في ينزل ..

كنت كلما حاولت السير .. سحبوا الدراجة من الخلف واستوقفوها ..

وحينما تجرأ أحدهم وأخذ بتلابيبي .. دفعته بشدة وأنا أصرخ في وجهه ..

وانفلتّ منهم بعد لأي .. وحاولت الإسراع ..

ولكنهم بدأوا يقذفونني بأحجار كبيرة .. وقنينات زجاجية تتكسر حولي وأنا أسرع الهرب منهم ..

فهل تلومونني بعد ذلك حينما أقول : إن القطيع أقرب إلي من بعض البشر ؟

في ليلة صيفية .. غادر الكفيل وأصحابه الإستراحة في هزيع متأخر من الليل ..

قمت بالتنظيف سريعا .. ثم ركبت الدراجة قافلا ..

الطريق المتعرج الضيق يضطرني للخروج عن الاسفلت كثيرا حينما تمر فيه أحد السيارات ..

كثيرون حينما يحاذونني يصدرون أصواتا مزعجة من أبواق سياراتهم ..

بعضهم يتعمد إزعاجي وإبعادي إلى التراب !

في تلك الليلة ..

أسمع خلفي صوت سيارة قادمة من بعيد .. مسرعة جدا ..

ظهري مشدود دائما وبلا شعور للسيارت القادمة من الخلف ..

ضوء سيارته متجه نحوي !!

يبدو أنه لم يشاهدني جيدا ..

ربما كان صاحبها نائما .. أو فاقدا للتركيز ..

عجلات سيارته تصرخ منذرة بخطر قريب ..

كل الصور تداعت سريعة أمام عيني ..

الأضواء .. الطريق .. الدراجة ..

الدنيا كلها دارت في لمحة خاطفة ..

لقد كان ارتطاما قويا ومفاجئا ..

سقطت على الأرض .. وغير بعيد مني دراجتي المتهشمة ..

رأسي مغبر من التراب وأحس بدوار شديد ..

وقف صاحب السيارة قليلا ..

ثم سمعت صوت المحرك وهو يضغط عليه ..

أحس بألم شديد في فخذي .. وضعت يدي عليه فعدت بدم حار ..

في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. وفي هذا المكان المنقطع من البيوت ..

كنت أنظر إلى أنوار سيارته الحمراء وهو يبتعد عني هاربا ..

أحسست بمرارة في فمي .. ونشجت نشيجا كاد ينشق منه حلقي ..

واستسلمت للإعياء ..

عشت لحظات مثل حلم مزعج ..

رأيت وجوها كثيرة .. رأيت سقف سيارة .. أحسست بأنني على سرير قماشي ..

أركبوني سيارة إسعاف فارهة ..

أحس بغرز أبر في فخذي ورائحة مطهرات مستشفى ..

في اليوم التالي ..

أدركت أنني في المستشفى العام

كانت فخذي مكسورة وفيها جرح غائر قام الأطباء بخياطته ..

مكثت يوما أو يومين بعد إجراء العملية ولم يزرني أحد ..

في اليوم الثالث زارني الكفيل واطمأن على صحتي ثم خرج ..

وبقيت وحيدا ..

وحيد ..

وحيد حتى في المدن الصاخبة !

إلى جانبي في الغرفة شيخ مسن ..

يزوره بعض أقاربه فيلتفت بعضهم إلي ويسلم بحفاوة واطمئنان ..

وربما سكبوا لي قليلا من القهوة بأمر من الشيخ نفسه ..

وبعضهم كانوا لايأبهون بهذا العامل الهندي ذو السحنة السمراء ..

وعندما خرج من المستشفى انقطع عني الزوار !

بعد فترة ليست بالقصيرة استطعت الخروج إلى السكن ..

مكثت قعيدا على السرير .. وحدي في الغرفة ..

ويومها ..

رأيت أحد الصناديق التي كانت تحت الأسرة مكشوفا ..

واستطعت رؤية مابداخله ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس