عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2012, 01:55 PM   #75
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: عفوا مساحة لامي

من ديوان ((هي أمي )) للشاعر عبدالرحمن العشماوي

..×.. وسادة من طين ..×.. ((1))


يادفق القلم الباكي، سطّر بمداد دموعي حسرة قلبي الشاكي، أغرق صفحاتي بدموعك، لا تخشَ جفافاً فدموعي أنهار تجري، أنهار ساخنة تجري، أنهار تتدفق من قلبي، تعبر صدري، تكشف أمري.
يا دفق القلم المسكون بلوعة قلبي، سطِّر بمداد دموعي قصة حبي، اكتبني حرفاً مشبوباً بالألم القاسي، اكتبني وَجْداً، حزناً، لوعة إحساس، اكتبني قافيةً عطَّرها الألمُ وأشعلها، وأعاد صياغة وجداني فيها، وإلى الدنيا، كلِّ الدنيا أرسلها.
يا دفق القلم الباكي، هل تعرف معنى الحزن إذا بلغ نهايته القصوى؟ هل تعرف معنى الحسرة حين تهز الأعماق تزلزلها؟ عفواً يا دفق القلم الباكي؛ فجميع سطورك منذ جرت بك فوق الأوراق يدي، وجميع الصور الباكيةٍ رَسَمْتَ ملامحها أنتَ عباراتٍ تبكي، تكشف عن آهاتي تحكي، وجميع كتاباتك في الأوراق المطويّة والمنشورة، تتضاءل يا قلمي حين تحاول أن تنقل من حزني لفراق حبيبة قلبي صورة.
رحلت يا قلمي أمي، يرحمها الله تعالى، ما عادت تمسح بأنامل كف أمومتها همِّي، ما عادت تغسل بالنظرات الحانية جراحي، تُذهب غمِّي، ما عادت تمنحني فرصة تقبيل جبين العطفِ صباح مساء، ما عادت تمنحني فرصة تقبيل يديها تقبيل الشرفاء، رحلت يا قلمي أمي، هل تعرف معنى (رحلت أمي)؟! هل تعلم أني أنزلت حبيبة قلبي في الحفرة بيدي؟ هل تعلم أني بيدي قد كوَّرْتُ وسادة طينٍ مبلولة، ورفعت الرأس قليلاً ووضعت وسادة طينٍ لحبيبة قلبي؟! هل تعرف أني قد أحكمت عليها إغلاق القبر؟ هل تعرف معنى هذا الأمر؟!
يا دفق القلم الباكي، سطِّر بمداد دموعي أغرب قصة حب، أعجب قصة شوق. انقلها للناس، جميع الناس، فأنا وارَيتُ هنالك تحت الأرض حبيبة قلبي، وأنا وسَّدتُ الطين أنيسة قلبي، وأنا يا قلمي أشعر أن الحزن يلذِّعني، وأحسُّ بأنَّ براكين الآلام تصدّعني.
وسادة من طين؟!
هكذا أكرمتُ أمي الحبيبة حينما واريتُها الثَّرى، لقد كنت أحرص على اختيار ألين الوسائد وأنعمها لفراش الحبيبة، ولكنني حين رضيتُ أنْ أتركها هناك في (مقبرة النسيم) وحدَها، اخترت لها وسادة من طين - رحمها الله وغفر لها -.
أرأيتم أيها الأحبة كيف تكون نهاية هذه الدنيا الفانية؟
أرأيتم كم هي رحلة قصيرة، في دنيا حقيرة؟
تلك الحفر التي نترك فيها أحبابنا حينما يفارقون هذه الحياة، هي الجديرة - والله - بالعمل الدَّؤوب، والجدِّ والمثابرة في طاعة ربِّ العالمين.
لقد رأيت في (وسادة الطين) التي وضعتها تحت رأس أمي الغالية صورة حقيقية لهذه الدنيا الفانية التي نتعادى من أجلها، ونتفانى في حبها.
وسادة الطين هي وسادة كلِّ إنسان يودِّع الحياة، كبيراً كان أم صغيراً، غنياً كان أم فقيراً، جليلاً كان أم حقيراً.


إشارة
وسادة من طين؟... آهٍ منك يا غفلة الغافلين.
التوقيع
(لا تحزن على الأمس فهو لن يعود ولا تأسف على اليوم فهو راحل واحلم بشمس مضيئه في غداً جميل)

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس