شكرا ... معالي الرئيس
كتبت مرة , أن هيئات الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , تدعو الناس إلى الفضيلة , والأخلاق , - وبالتالي - فإن التصحيح , والمراجعة المستمرة , مطلبان ملّحان ؛ لتطوير الأداء . كما أن مبدأ محاسبة المخطئ , ومراعاة قصده , والضرر المتعدي المترتب عليه , مع ضرورة العناية بالإجراءات النظامية الخاصة بحالات النصح , أمور لا تقل أهمية عما سبق . وعندما نطالب بمحاسبة رجل الهيئة الميداني - أيّا كان موقعه - , فإن ذلك لا يخوّل لنا , أن نصدر حكما بالفشل على الجميع , ما دام أن المخفق , هو فرد واحد من أفراد هذه المنظومة . وعكس ذلك , فإن العقاب يكون غير مبرر , بل وتكون بيئة العمل طاردة , وغير جاذبة ؛ لأن المقصود - أصلا - هو الاستصلاح , وليس المعاقبة .
قضية تصوير أعضاء الهيئة خلال عملهم الرسمي , والتي حدثت - قبل أيام - في أحد أسواق مدينة الرياض , ونشْر المقطع على موقع اليوتيوب , ومواقع التواصل الاجتماعي ، شهد تفاعلا كبيرا بين زواره , بعد أن ظهرت فيه نقاشات بين أعضاء الهيئة , والفتاة التي صورت الفيديو , هي محاولة للوصاية على النظام ؛ لإضاعة هيبة الهيئة , وخلق مناخ من الفوضى , لا يصب في مصلحة الجهاز . وكأننا لم نتعلم من أخطائنا , ولا من تجاربنا السابقة , إذ أن اعتبار موقع رجل الهيئة , الذي قام بتصحيح الخطأ , من حيث امتلاك السلطة بقرار من ولي الأمر , هو الأصل . وتبقى مكانة رجل الهيئة , وحال المجتمع , لهما دور أساس في نجاح عملية الإنكار , أو التبليغ , وإقامة الحجة .
العقاب مطلوب , والنظام به من المواد , ما يمكّنه من الحد من كل أشكال الخروج عليه ؛ حتى لا يفلت المخطئ من العقاب . فالنظام , والعرف , لا يتعارضان - أبدا - , بل يتفقان على معاقبة المخطئ , ومحاسبته , ومنع التجاوزات . وما يهمنا - اليوم - , هو التأكيد على تصريح معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر - الشيخ - عبد اللطيف آل الشيخ , بأن : " ما ظهر في الفيديو لا يرضينا .. وكما أننا لا نرضى تجاوزاً , أو خطأ من أعضاء الهيئة ، لا نرضى الخطأ , والتجاوز عليهم - مطلقاً - " . فما نحتاجه , هو التوظيف الأمثل لتلك المعاني , بعيدا عن التجني . إذ أن الإنكار , والمحاسبة , لا يكون إلا بميزان الشرع . ومن ذلك على سبيل المثال : أن المخطئ عن عمد , وتقصير , يوعظ , وينكر عليه , فما بالك إذا كان مجاهرا بخطئه ؟ .
سعُد قلبي بتصريح معالي الشيخ , بأن : " الرئاسة تتواصل مع الجهات المعنية ؛ للتحقق من قضية مقطع الفيديو , الذي نشر على اليوتيوب " , فتحول الألم إلى أمل , والحزن إلى سعادة , وهذا الأسلوب هو الأمثل في الظرف , والحدث الحاصل , فكلما كان الخطأ أعظم , كان الاعتناء بتصحيحه أشد ؛ حتى لا تبرد الواقعة , وتضيع المناسبة , ويضعف التأثير .
إن الحكمة في توقيت هكذا تصريح , يقتضي أن يناسب فحواه , ومقتضاه . فما كانت الحاجة فيه إلى الليونة , كان التصريح لينا , وما كان غير ذلك , لزمه العكس . فالخطاب يتبدل بتبدل الحال , وتصحيح القصور الذي حصل الخطأ نتيجة لاختلاله , أمر مطلوب .
بقي أن أقول : كما أننا نطالب بإصلاح أعضاء رجال الحسبة , فإننا نطالب أيضا بإصلاح الآخرين , ومعالجة الأخطاء , فتصحيحها من النصيحة في الدين , الواجبة على جميع المسلمين , مع ضرورة ملاحظة الحالات المتشابهة , والأحوال المتقاربة ؛ حتى ننتقي من هذه الأساليب ما يلائم الواقع , ويواكب تطلعات العصر , وأدواته .
د . سعد بن عبد القادر القويعي