عرض مشاركة واحدة
قديم 23-11-2013, 03:51 AM   #344
مشرف منتدى تعليم سدير
 
الصورة الرمزية عبدالعزيز المجمعة
 
تم شكره :  شكر 807 فى 416 موضوع
عبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this pointعبدالعزيز المجمعة is an unknown quantity at this point

 

رد: مـقـالات سـاخـنـة


مما يشكّل جزءاً من ثقافتنا العربية رمْي بعضنا البعض بالانغلاق والتّمحور حول الذات، ولكني لم أر في حوارنا الشعبي ولا العلمي تحديداً منطقياً أو علمياً لمعنى الانغلاق، ومتى يستحق مجتمع (أو فرد) الوصف بالانغلاق، وهذه الضبابية جعلت الرمي بهذا الوصف شائعاً من الجميع وللجميع.
ولو حاولنا إيجاد مفهوم للانغلاق لدى من يستعمله لوجدناه يدور حول الكم المعرفي، أو -وهو أكثر سطحية- تبني آراء معينة فيها نوع من الشدة على النفس أو على الغير.
وهذا الفكرة الخاطئة عن الانغلاق لا تساعد المصاب بصور من الانغلاق على اكتشاف علته، فيبقى في مرضه. وكذلك قد يُرمى فرد أو مجتمع بالانغلاق وهو بعيد عنه.
ويمكن أن يُقال: إن الانغلاق عبارة عن عدم تقبّل الفرد (أو المجتمع) لفكرة (أو أمر) لدى طرف آخر، ويكون عدم التقبّل راجعاً إلى جهل وليس إلى معرفة.
أي أنه يجهل حقيقة الفكرة ومنطلقاتها لدى الطرف الآخر، بل لديه فكرة مغلوطة أو عمومية أشبه بالضبابية.
وبهذا يظهر أن عدم الانغلاق -(الانفتاح)- يعني معرفة الفكرة كما هي في ذهن قائلها، ثم بناء حكم على هذه المعرفة إما قبولاً أو رفضاً.
ولا يعني هذا صواب الحكم المتخذ بعد التفهم للفكرة الجديدة؛ لأنها قد تتقاطع مع مصالح وقيم يعدّها الطرف الرافض أكبر من القيمة الجديدة كما في قول كفار قريش: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، لما طالبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكلمة: لا إله إلاّ الله، فلما عرفوا مدلولها رفضوها. وكذلك في موقف أبي جهل ورفضه اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- بسبب التنافس العشائري.
وبهذا يظهر خطأ من يظن أن الانفتاح هو: تقبل كل فكرة وافدة فيها انفلات من قيد.
ومن الأمثلة التي تضرب هنا قول شيخ الإسلام في الرد على البكري (2/494): "ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهّال. وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له، وكان هذا خطابنا فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله".
ومنها كذلك قوله -رحمه الله تعالى- [في مجموع الفتاوى،(10 /337 -343)]: "الفناء الذي يوجد في كلام الصوفية يُفسّر بثلاثة أمور:
أحدها: فناء القلب عن إرادة ما سوى الرب والتوكل عليه وعبادته، وما يتبع ذلك. فهذا حق صحيح وهو محض التوحيد والإخلاص... وهذا الفناء لا ينافيه البقاء بل يجتمع هو والبقاء...
الأمر الثاني: فناء القلب عن شهود ما سوى الرب. فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشهادة، ذاك فناء عن عبادة الغير والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير والنظر إليه...، وكثير منهم يرى أنه لا يمكن سوى ذلك لما رأى أنه إذا ذكر الخلق أو الأمر اشتغل عن الخالق الآمر، وإذا عورض بالنبي وخلفائه ادعى الاختصاص أو أعرض عن الجواب أو تحيّر في الأمر.
وسبب ذلك أنه قاس جميع الخلق على ما وجده من نفسه، ولهذا يقول بعض هؤلاء: إنه لا يمكن حين تجلي الحق سماع كلامه.... وفى مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان....، وهي شطحات بعض المشائخ كقول بعضهم: انصب خيمتي على جهنم. ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع، وقد يكون صاحبها غير مأثوم وإن لم يكن... ويُحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمراً محرماً...، وكما أنه لا جناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم، ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف...
الثالث: فناء عن وجود السوي؛ بمعنى أنه يرى أن الله هو الوجود، وأنه لا وجود لسواه لا به ولا بغيره، وهذا القول والحال: للاتحادية الزنادقة من المتأخرين؛ كالبلياني والتلمساني والقونوني ونحوهم الذين يجعلون الحقيقة أنه عين الموجودات وحقيقة الكائنات، وأنه لا وجود لغيره لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به... فهذا كفر وضلال، ربما تمسك أصحابه بألفاظ متشابهة توجد في كلام بعض المشايخ، كما تمسك النصارى بألفاظ متشابهة تُروى عن المسيح". ا.هـ.
فأنت تلحظ كيف قرر شيخ الإسلام الرأي الذي يراه حقاً، ثم لما تكلم على الأقوال المخالفة لِما يراه تكلم بإنصاف وإعذار لمن كان له مأخذ مقبول، وإن لم يكن صحيح فَعَذَرَهُ ولم يقبل قوله، بعكس من كانت منطلقاته غير مقبولة فلم يعذره؛ لأن منطلقاته لم تكن مقبولة، وكل هذا راجع إلى الانفتاح على ما لدى الغير بعقلية من يريد معرفة ما لديه لا ردّ ما عنده فقط.
ومن المفاهيم التي تساعد في فهم الانغلاق وطبيعته:
معرفة أن الانغلاق ليس نوعاً واحداً بل عدة أنواع، وهي على ما يلي:
- انغلاق كلي: أي عن كل ما حوله، وهذا يتصور إذا اجتمعت في حقه أسباب الانغلاق كلها -وستأتي إن شاء الله-.
- انغلاق جزئي: وهذا في كثير من شعوب الأرض إن لم نقل جميعها.
- انغلاق اختياري: أي أنه يميز الوافد الجديد يقبل بعضه ويرفض الآخر. وأسباب الرفض قد تكون راجعة إلى المناطقية أو الثقافية؛ فنجد من يقبل من الغريب ولا يقبل من القريب لتنافس الأقران، وهناك من يقبل من ثقافة أو ملة معينة ويرفض الجديد لأنه من ملة معينة، إما لصراع تاريخي أو لغيره. فتجده يعامل وينفتح على من يكفرهم بالإجماع، ولا يتقبل ممن هم لديه على الإسلام أو قل مختلف في إسلامهم.
- انغلاق طبعي: وهو أن يكون لدى الفرد أو المجتمع نفرة عامة من كل جديد أو وافد، وهذا عندما يتربى الفرد على التميز والخصوصية والاصطفاء، ولعل اليهود يمثلون هذا المثال بشكل قوي، والعديد من الفرق والأحزاب الدينية والفكرية والسياسية، والتي ترفض أي مراجعة لمنهجها ووسائلها التي تتبعها.
ويمكن تقسيم الانغلاق بطريقة أخرى، فيُقال:
- انغلاق كلي اختياري.
- انغلاق كلي طبعي.
- انغلاق جزئي اختياري.
- انغلاق جزئي طبعي.
ومن المفاهيم في الانغلاق مفهوم أسباب الانغلاق لدى الفرد والمجتمع ولعل من أهمها.
- الجانب السياسي: وهو ذو شقين:
- الأول: أن العديد من الأنظمة السياسية ضربت على مجتمعاتها عزلة عن العالم فترات طويلة وحتى مع الانفتاح الإعلامي نجدها لا تزال تحاول إغلاق ما يمكنها إغلاقه، بل لا تزال بعض تلك الشعوب لا تجرؤ على التقدم نحو ما انفتح لها من مجالات إعلامية لتغلغل ثقافة الخوف من السلطة السياسية وتصورها بأن لها القدرة على مراقبة حتى الأنفاس. فهذا الجانب وإن كانت الشعوب مرغمة عليه لكنه أدى إلى انغلاق المجتمع عن غيره من المجتمعات.
- الشق الثاني: وهو تضليل الشعب تجاه بعض الأفكار، وتصويرها بالعدو لما يقدسه الشعب ويجمع عليه، ولقوة وسائل الإعلام في عصرنا كان لهذا الجانب أثر كبير في تضليل الشعوب ورفضها للعديد من الأطروحات الجديدة وعدم التعرف عليها.
- الجانب البيئي: وهذا الجانب أرى أنه مؤثر من جانبين أيضاً:
- الأول: إن البيئات التي يصعب الحياة فيها؛ كالصحراء، والغابات، والمناطق شديدة الحرارة أو البرودة لا تكون مستقطبة للشعوب والأفراد للعيش فيها، بل هي طاردة عنها، وخاصة إن اجتمع مع هذا قلة الموارد الاقتصادية فيها. ولهذا غالباً ما يكون النسيج الثقافي والاجتماعي فيها متفقاً قليل الاختلاف. وهذا لا يساعد على الانفتاح. وهذا قد يكون قبل التطور في المواصلات والقدرة على إيجاد بيئات مصغرة مختلف عن المحيط الخارجي؛ فقد تجد بستاناً في وسط الصحراء ينعم البيت فيه بالهواء البارد في فترات الصيف الحارقة. ولهذا نجد الإقبال على العمل في منطقة؛ كمنطقة الخليج العربي والجزيرة العربية.
- الثاني: إن تنوّع البيئات لدى الشعب من ساحل وغاب وصحراء وسهول وجبال ينعكس على تنوّع الأفكار لدى الذي يعيش فيها. وهذا لشقين:
- الشق الأول: إنها بذاتها متنوعة، فلا يكون لدى الفرد توحّد في الرؤية بل تنوّع في الحياة، وهذا بعكس من يعيش في بيئة واحدة فإنه يرى الحياة بصورة واحدة.
- الشق الثاني: إن البيئة التي فيها تنوّع في تضاريسها تحوي تنوّعاً في طبيعة أهلها؛ فأهل الساحل منها يختلفون عن أهل الجبل والغاب والصحراء، مما يؤدي إلى التنوّع الثقافي والذي هو أحد روافد الانفتاح.
- الجانب الفكري (الثقافي): سبق في الجانبين السياسي والبيئي الإشارة إلى أنهما يتداخلان، ويؤثران في الجانب الفكري وتكوينه من جهة تنوّع الثقافة فيه. وهنا سأركز الكلام على الجانب الفكري كمصدر ثقافي ومكون معرفي لدى الشعوب والأفراد، وكيف يكون مؤثراً وسبباً في الانغلاق، بدلاً من أن يمارس دوره الطبيعي في الانفتاح.
ولعل من أبرز عوامل الانغلاق التي قد يؤديها الجانب الفكري هو الشعور بامتلاك الحقيقة المطلقة، والصواب كله، وتعزيز هذا الجانب لدى الأتباع.
ونحن هنا لا نريد أن ننساق وراء ما يردّد البعض من كلية هذه القاعدة وعمومها، بل لأننا مسلمون نعتقد بامتلاكنا للصواب والحق الكلي في الكثير من القضايا، ومنها القضايا العبادية والعقدية، بل والعديد من الكليات والفرعيات في مجالات الحياة وشؤونها، ومع هذا فقد تركت لنا الشريعة المجال الأرحب في شؤون الحياة لنبنيها وفق ظروف وقتنا وزماننا، وهذا الجانب قد تسبقنا في معرفته المجتمعات الكافرة؛ لأنه مبني على التأمّل والنظر والفكر أما تلك فمبنية على الوحي.
وأما ما هو سبب في الانغلاق فهو:
القطع والجزم بامتلاك الحقيقة في المسائل الفرعية والأصولية، والتي لم تكن دلالات النصوص الشرعية قطعية في الدلالة على حكمها، ولذا اختلف اجتهاد علماء الإسلام فيها، ولكنهم لم يجعلوها مما يُتنقّص به المخالف، بل عذروه ومن هذا كانت قاعدة فقيه الأمة الإمام الشافعي -رحمه الله-: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأشد من هذا من أدّعى امتلاك الحقيقة المطلقة في شؤون الحياة التي ترك الله لنا بناءها وإعمال الفكر فيها لتطويرها.
وبهذا يظهر لك أن الانغلاق وصف يمكن أن ينطبق على العديد من شعوب العالم -حتى لو كانت متقدمة مادياً فعلاً-، ومن هذا ما ذكره العالم الفرنسي (جوستاف لوبون) عن الشعب البريطاني، والذي كان معجباً به، ويعده في أعلى درجات سلم الرقي الإنساني فيقول: "والواقع أن احتقار الأجنبي وعاداته فاق في الإنجليز ما كان عند الرومان... فهم لا يرعون ناموس الأدب في جانب الأجنبي. ولا تجد بين ساسة الإنجليز واحداً لا يرى جواز استعمال أمور في جانب أمة أجنبية لو أتاها في بلاده لأنزلت به السخط من كل ناحية....، ولقد أصاب القائلون في رفض الإنجليز بناء نفق تحت المانش يسهل المواصلات على القارة الأوروبية، بأن الإنجليز يهتمون اهتمام الصينيين بمنع كل تأثير أجنبي من الدخول إلى بلادهم". [سر تطور الأمم - ص 117].
فهو يقرر وجود هذا الانغلاق لديهم، بل ويعتبره أحد أسباب رقيهم، ولاحظ أن الانغلاق كان عن الأوروبيين!!
وأيضاً يتبين أن رفض الفكر الوافد ليس مساوياً للانغلاق، بل قد يكون نتيجة للانفتاح كما أنه قد يكون نتيجة للانغلاق.
ولهذا فهذه دعوة لجميع مجتمعاتنا العربية والإسلامية للانفتاح على الدعوات الإصلاحية في العالم الإسلامي والتعرّف عليها، ومن ثم الوقوف منها بحسب ما يتبين؛ فإما القبول إن كانت حقاً، أو رفضها مع التفهم لمنطلقاتها ودوافعها لإنصافها وعدم ظلمها، بل والحزم معها إن كانت ضرراً على المجتمع.
ولعل -والله أعلم- أن هذا المعنى داخل في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا). [الحجرات: 13].
قال الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: "وقد بين الله -جل وعلا- في محكم كتابه أن الحكمة في جعله بني آدم شعوباً وقبائل هي التعارف فيما بينهم، وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره وكل قبيلة على غيرها". (أضواء البيان: 3/45).
فالتعرف على الغير ومعرفة ما لديه من فضائل ومحاسن تخفف من غلواء الكبر والفخر، وتخفف من احتقار المقابل وتنقّصه.
والله -تعالى- أعلم وأحكم.

عبدالعزيز المجمعة غير متصل   رد مع اقتباس