من ذكرياتي بالكلية ..
لا زلت أذكر تلك الليلة الليلاء التي كنت أعالج فيها أصول الفقه تارة بالفهم و تارات بالحفظ ..
فغداً الإمتحان النهائي .. و المنهج طويل مستغلق إلا على من رحم الله ..
و كل من أتصل به من الأحبة يتذمر من تداخل الموضوعات و تشابهها و كثرة الإيرادات فيها .. و قد كنا قبل نسمع أن أصعب الأبواب في دراسة أصول الفقه هو باب القياس ..
( اللهم ارزقنا الإخلاص في القول و العمل ، و ارزقنا العلم النافع و العمل الصالح )
و ما عرفنا مقدار ما قيل حتى جربنا ..
و لا يعرف الصبابة إلا من يعانيها ..
اقتربت الساعة من منتصف الليل ..و إذا بي أسمع جوالي يرن معلنا ً رسالةً قادمةً ..
عمدت إليه ..
نظرت في الرسالة فضحكت و سُري عني بعض ما أجد من الهم ..
كانت أبياتاً لطيفة تترحم على الإمام ابن حزم و أهل الظاهر
الذين لا يعترفون بالقياس مطلقاً فأراحوا أنفسهم من عناء مكابدة مسائله ..
[poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
رحم الله ابن حزم = وصحاب الظاهرية
حكموا النص فباتوا = في منامات هنية
أرسل الطرف تراهم = في هناءات جلية
ضاعف الهم قياس = أورث القلب بلية
طرد النوم فبتنا = نرصد الفجر سوية
نرقب الموت غدوا = في سؤالات عصية
أنزل العون إلهي = فرج الهم عشية [/poem]
فما كان من أحد الإخوة الحنابلة الأقحاح إلا أن أهمل المذاكرة و أعمل فكره ..
هل فعلاً منهج ابن حزم رحمه الله هو الحق أم منهج الأئمة الذين يرون القياس و العمل به و لم يتأخر الرد :
[poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
رحم الله ابن حنبل= وامام الشافعية
اظهروا العلم وقالوا = كل حق للبرية
ليت شعري اي علم = تركوا للظاهرية
طالب العلم صبور = تتحاشاه البلية
لا يبالي بالصعاب = طالما الاجر جزيه
لا يبالي باختبار = وهموم دنيوية[/poem]
بعد هذا السجال الماتع نسيت نفسي تماماً .. و قمت بالحكم بين الأخوين و شكرت الأخ الذي أضفى عليَّ شيئاً من الأنس و المسرة بأبياته تلك :
[poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
ذاك قول ياعزيزي = جعل النفس بهية
طلب العليا رجال = أكرموا بين البرية
خذ أصول الفقه سردا = إن في الإغراق عيه
و اطلب العلم بصبر = و جهاد معه نية
فاز من قام الليالي = في نقاش الظاهرية
مجمل القول مجاهد = اجعل الحق مطية[/poem]
نمت على بركة الله و استيقظت لصلاة الفجر ..
و بدأت
الرحلة من جديد .. و
هكذا العلم لا تأخذ منه إلا أحسست بالحاجة لما بعده و احسست بجهلك العميم في خضم بحر العلم العظيم .
و بحمد الله أنهيت المنهج بجميع مسائله ..
صففنا في قاعة الإختبار بانتظار الأسئلة العصيَّة ..
فجاءت تتهادى من أيدي المراقبين لأيدي الطلبة ..
و إذا بالوجوه التي مرت بها تشرق .. و البسمات تعلوا فأيقنا أن الفرج حل و أن الأسئلة ميسرة فكان ما ظننت ..
خرجت من ضمن الأوائل من القاعة .. ما كلمت أحداً بل انطلقت للسيارة لآخذ الجوال لأدبج بيتي شكر لأستاذينا الفاضلين و لن أوفيهما حقهما ببيتين :
[poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
رحم الله شيوخا = يسروا سبر الرعية
العريني و عائض = سألانا بروية
فلهم منا دعانا = و لهم ألف تحية[/poem]
تناقل الأحبة الأبيات و قصتها حتى وصلت لشاشة جوال الشيخ عائض أحد أساتذتنا الموقرين
فأتم العقد برد باهي الجمال فلا حرمه الله الأجر على نبل خلقه و عظيم تواضعه :
[poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
أثلج القلب قياس = وافق الفطر السوية
فيه قد أعملوا فكرا = تابعوا فيه نبيه
أصلهم أكرم أصل = فرعهم حكم سنيه
علة الناس دواهم = فجفوا فرشآ هنية
يحمد القوم السرايا = في مقامات علية
سامح الله ابن حزم = وصحاب الظاهرية
أغفلوا فهم نصوص = إنها حقآ بلية
ليس من قد رام حقا = سيصبه بالشهية
له أجر لن يفته = باجتهاد في القضية
فابذلوا جهدآ و بعد = أملوا مني العطية
ولكم مني دعائي = في صباحي والعشية
فقد صح عن نبيي = أنكم منه وصية[/poem]
آهٍ
لتلك الذكريات ما أجملها ..
و آهٍ
من بعد الأحبة ما أصعبه ..
أعلنها
هنا و بكل مكان ..
أيامي معكم أحبتي بكليتي الموقرة ..
من أجمل أيام حياتي ..
فلكم شكر الله
أيها المشائخ الأجلاء ..
أيها الكرام النبلاء .. و لكم التحية العطرة
أيها الأصحاب الأوفياء ..
و رزقنا الله و إياكم العلم النافع و العمل الصالح .