العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° الرأي العـام °¨

¨° الرأي العـام °¨ للموضوعات العامة واختيارات الأعضاء من موضوعات مميزة ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-05-2011, 02:31 PM   #61
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الستون

حينما رجعت لعنيزة ..
استفسر شيخنا رحمه الله مني عن طبيعة الألم الذي أشعر به..
فشرحت له وفصلت فقال لي : مرني اليوم بعد صلاة العصر في المنزل..
وكان والدي قد قدم لعنيزة مرة أخرى للاطمئنان علي..
وكانت ضيافته طوال بقائه هناك في عنيزة في منزل شيخنا عليه رحمة الله..
ونشأت بينه وبين شيخنا محمد علاقة حميمة مليئة بالاحترام والتبجيل..
والدي رحمه الله رجل حيي وخجول ولكنه إن نطق فلسانه عذب ولبق رحمه الله..
ولقد أعجب شيخنا به وبأخلاقه وبساطته في هيئته ولباسه وذكر ذلك لي عنه
وكأنه وشيخنا في هذا الخصوص صنعا من طينة واحدة!!
كما تقول العامة عندنا..
مررت أنا والوالد على شيخنا بعد العصر فناولني كيسا في يده وكان يتلفت حوله وكأنه يستعجلنا بالذهاب وهذا ماكان..
فتشت الكيس فوجدت فيه بقايا طعام !!
من عظم وبقايا بطيخ مأكول ونحو ذلك!!
لحقنا الشيخ للسيارة وقال لي : أخلط بقايا الطعام في ماء واغتسل به واغسل به رأسك على الخصوص!!
وهذا ما فعلته ولم أسأله لمن ذلك الطعام ولا أدري هو لمن حتى هذه الساعة..
كلفني شيخنا رحمه الله في تلك الأيام بعد اعتدال صحتي والحمد لله ..
بترتيب مخزن المكتبة الوطنية ..
وقال لي: إن وجدت كتابا مكررا فخذ نسخة منها لك..
فتحت المخزن فوجدت الأرضة قد أكلت جزءا لا يستهان به..
استعنت بعمال المسجد ونظفنا الكتب ووضعناها على الرفوف ..
وألقينا بالتالف جدا والأوساخ خارج المخزن..
حصلت على عدد لا بأس به من الكتب المكررة وكذلك أخذت بعض الكتب بإذن شيخنا..
وأنا أقلب في تلك الكتب كان يلفت نظري تعليقات ورسائل قليلة أجدها موضوعة بين دفتي الكتب..
قرأتها وكان غالبها بخط الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله..
ومؤرخة ..وتاريخها قديم يتجاوز الخمسين سنة وأكثر..
والظاهر أن مكتبة الشيخ ابن سعدي أوقفت أو أنه أهدى شيئا من كتبه للمكتبة العامة والمسماة ( مكتبة عنيزة الوطنية)
وجدت كتيبا اسمه ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)تأليف أبو عبدالرحمن ناصر الدين نوح نجاتي الألباني الساعاتي!!
عرفت أنه كتاب صفة الصلاة المشهور والذي كتبه علامة الحديث الشيخ الألباني رحمه الله .. وهذه هي الطبعة الأولى وكتب عليها الشيخ الألباني وبخط يده (هدية المؤلف إلى حضرة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي 7/12/72هـ ناصر الدين نوح نجاتي الألباني) ..
الشيخ الألباني علم الحديث وشيخ العصر في ذلك ..
وليس مثلي من يثني عليه أو يسأل عنه .. رحمه الله
قرأت مرة كتابا منذ مدة ألفه الأستاذ الأديب عبد الله بن خميس يروي فيه إحدى رحلاته للشام قبل حوالي الخمسين سنة وكان برفقته علامة الأنساب والأدب وصديقه الحميم الشيخ حمد الجاسر رحمه الله ..
وأظن أن ثالثهما هو الأديب عبد الكريم الجهيمان ..
ذكر في كتابه أنه زار المكتبة الظاهرية في دمشق ..
و ذكر أنه شاهد هناك رجلا منهمكا في البحث والمطالعة وذكر اسمه وقال كلاما بمعناه :ذلك هو علامة الشام المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .
وكذلك قرأت للشيخ حمد الجاسر قريبا من هذا الكلام في مذكراته وقال عنه:
هو من أحلاس المكتبة الظاهرية..
كان مرة بيني وبين الشيخ علي الحلبي تلميذ الألباني المشهور اتصال ونقاش حول بعض التخريجات الحديثية..
وكنت أشعر في نفسي أن هناك جفوة غير مفهومة بين شيخنا والشيخ الألباني والظاهر أن سببها هو ما يثيره بعض المفسدين في الأرض بين الشيخين ..
مما سبب شيئا من تلك الجفوة وانقطاع التواصل..
ولا يأتيني قائل ويزعم أنني أختلق الموضوع من طرفي ..
فمن عاصر قضية حرب الخليج وما حصل فيها من اختلاف وشقاق وجفاء بين رجالات الصحوة والعلم ،فهم ما أعنيه جيدا!!
قلت للشيخ علي: ما رأيك أن نرتب مكالمة هاتفية بين شيخنا محمد والشيخ الألباني ..؟؟
ففرح بذلك وأثنى على الفكرة وأيدها وقال سوف أرتب مع الشيخ الألباني وأنت رتب مع الشيخ محمد وسنرى ما يكون..
عرضت الأمر على الشيخ فقال فورا : لا بأس بذلك وأثنى على الفكرة ورغب في ذلك.. وذكر لي أنه لم يراه من مدة بعيدة حيث كان آخر لقاء بينهما في جده أو قال في مكة.. ( نسيت التاريخ ) و ذكر أنه تناقش معه حول موضوع الحجاب ..
ومن طرف الحلبي فقد كان التجاوب مماثلا والحمد لله..
حددنا الاتصال أن يكون في يوم من الأيام الساعة العاشرة صباحا ضحى ..
ولا أذكر التاريخ بالتحديد.. وأظنه كان يوم جمعة !!
حيث من عادة شيخنا في ذلك اليوم الاتصال على أقربائه والتواصل معهم..
قلت لشيخنا : هل تسمح لي بتسجيل مكالمتكما ؟؟
قال: لا بأس بذلك..
حضرت لبيته وثبت له جهاز التسجيل وأخبرته كيف يديره ..
في اليوم الثاني بعد صلاة الظهر ناولني شريطا وقال : هذا هو تسجيل المكالمة ..
توجهت للغرفة مسرعا واستمعت للشريط..
كان التسجيل رديئا وصوت الشيخ الألباني خافتا نوعا ما ..
ولكنني استوعبت كل ما فيه ..
أستفتح شيخنا كلامه وهو المتصل بعد السلام عليه قائلا له :
معكم أخوكم محمد بن صالح العثيمين ..
فرد عليه الألباني: قديما قال الفقهاء : المعرف لا يعرف ..
وفيه من التحية والسلام والدعاء والنصح بين العلماء كما عهدنا فيهم ذلك وهو ظننا في مشائخنا جزاهم الله عنا خير الجزاء..
تحدث كل منهما عن نشاطه وقال الألباني: لدينا الحمد لله صحوة سلفية وإقبال على طلب علم الحديث .. الخ كلامه
وتكلم شيخنا عن دروسه وقال : أدرس كتاب البلوغ ويحضره بحمد الله عدد كبير .. الخ كلامه ..
ذكر الشيخ الألباني في آخر مكالمته أنه اتصل عليه اليوم شخص وزعم أن لديه
رسالة من الشيخ ابن عثيمين موجهة إليه !!
فقال الشيخ محمد : أبدا والله أنا لم أبعث أحدا برسالة لكم؟؟
فتعجب الشيخ الألباني من ذلك وقال : الله أكبر عليه!!
سوف أراه اليوم بعد صلاة الظهر أو قال الجمعة في جامع صلاح الدين وأرى ما عنده!!
قال شيخنا : ما أكثر ما ينقل الناس عني الكذب ويلبسونه على الناس ، وأرجو منك تتصل علي وتخبرني ما يقوله الرجل عني..
واتفقا على ذلك .. ولا أدري مالذي حصل بعد ذلك وهل جاء ذلك الرجل برسالته المزعومة للشيخ الألباني أم لا !!
وانظر أخي القارئ أختي القارئة لحفظ الله تعالى لهذين الرجلين الصالحين
فلربما كان في تلك الرسالة شرا وفتنة حيكت بينهما فقدر الله تعالى كشف ذلك
بتوفيق من عنده .. والله أعلم وأحكم سبحانه ..
ليس هذا هو الموقف الوحيد الذي أحتفظ به بين هذين العلمين الجليلين ..
كنت مرة في جبال البوسنة والهرسك وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله ..
التقيت برجل أسمر البشرة يكني نفسه بابي عبد الله الليبي هذا الرجل أسد في
شجاعته وإقدامه وكان أميرا من أمراء المجاهدين قتل على يد قناص صربي شل الله يده ..
روى لي الأخ أبو عبد الله رحمه الله قال: هل تعرف الشيخ الألباني ؟؟
قلت له : ومن لا يعرف الألباني هو علم ومشهور..
قال : أريدك أن تحمل له هذه الرسالة !!
قلت له : وأي رسالة ؟؟
قال : رؤيا رآها أحد الصالحين وطلب مني أن أنقلها للشيخ وأنا كما ترى عاجز وقد أقتل في أي لحظة!!
قلت له :حدثني..
قال : كان هناك شاب مصري اسمه وحي الدين حافظا لكتاب الله تعالى وكان أميرا على جميع المقاتلين العرب في البوسنة وكان غاية في الشجاعة رغم صغر سنه فقد قتل غدرا وعمره حوالي 23 سنة رحمه الله ..
كان وحي الدين هذا محنكا وداهية وكان يوجه المجموعات الكبيرة ويخرجها من بين المصاعب المهلكة بتوفيق الله تعالى..
ذات مرة قادنا وحي الدين وكان أميرا علينا وعلى الجيش البوسنوي معا في تلك
العملية التي انتزعت فيها مناطق شاسعة في وسط البوسنة من يد الكروات الخونة..
يقول أبو عبد الله : في تلك العملية قصفتنا مدفعية ولا ندري ما هي الجهة التي تقصفنا فاحتار الجنود من ذلك وكثر فينا الإثخان والقتل فاكتشفنا أن الذي يقصفنا هو الجيش البوسنوي خطأ!!
وسبب ذلك عدم توفر أجهزة للتوجيه وتحديد مواقع الأعداء ..
واستمر القصف علينا ولم نستطع التقدم لمطاردة الأعداء الهاربين ..
عندها أمر وحي الدين الجنود بإحراق كومات كبيرة من الحشائش ..
فانتشرت كومة كبيرة من الدخان واتصل على الجيش وقال لهم: نحن خلف
تلك الكومة المحترقة وبهذا نجونا من موت محقق !!
يقول أبو عبد الله : روى له ذلك الشاب وحي الدين أنه في ليلة من الليالي وقبل قتله من قبل الكروات بفترة وجيزة رأى في ما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته الشرعية المعروفة ..
وتحدث معه في أمور وسأله عن أشياء وفي نهاية رؤياه قال له : يارسول الله
دلني على رجل أتعلم منه حديثك وسننك أو بهذا المعنى ..
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : أذهب إلى محمد ناصر الدين الألباني
أو قال له : عليك بكتب محمد ناصر الدين الألباني .. وأثنى عليه وعلى علمه ودينه..
عندما رجعت للمملكة ..
حكيت لشيخنا ما رآه ذلك الشاب رحمه الله وكنا حينها في الطائف..
فقال لي الشيخ : هذي بشرى وينبغي عليك أن تبلغها الأخ الألباني ..
فقلت له : لدي رقمه !!
فناولني التلفون وقال : اتصل عليه الآن ..
اتصلت فردت عليه امرأة فرجوتها أن تعطيني الشيخ لأتحدث معه..
فاعتذرت من ذلك وقالت : الشيخ مريض ولا يستطيع أن يجيب على أحد..
بعد سنة أو أكثر رويت تلك الرؤيا لأحد طلبة العلم من الأردن يقول : ولقد
بلغ بها الشيخ الألباني في جمع من الناس فتأثر جدا وشهق وبكى ودع
لشيخنا وتأثر من موقفه وحرصه على أن ابلغه ..
ففرحت أنني أوصلت تلك الأمانة ولو بعد سنوات ..
وبلغته البشرى والله يغفر له ويرحمه هو وشيخنا وجميع علمائنا ..






يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-05-2011, 02:52 PM   #62
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الله يعين قاربت المذكرات على الأنتهاء وقرب الحزن معها



************************
يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-05-2011, 03:51 PM   #63
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الواحدة والستون

على ذكر المكتبة اتصل علي شيخنا رحمه الله يوما وقال:
سيأتيك أحد الأكاديميين ويريد تصوير بعض المخطوطات ..
حيث تحتوي المكتبة على خزانة بها عدد بسيط من المخطوطات القديمة وبعضها
كتبت منذ ثمانية قرون..
وقد سبق وقمت بفرزها وترتيبها وفهرستها بأمر شيخنا رحمه الله..
عجيب أمر المخطوطات!!
ما زلت أتذكر أنني كنت أجلس في جوف الليالي الهادئة والناس نيام
والشوارع ساكنة ..
كنت أشعل ضوء المكتبة الخافت وأجلس أتصفح تلك المخطوطات فأشعر بسكينة عجيبة حيث أنني أنتقل لخمسة قرون خلت أو أكثر وأجلس مع ذلك الشيخ أو ذلك الطالب الذي حنى ظهره وكلت يده في شدة الحر والجوع والمخمصة وهو يدون تلك التحفة العظيمة ..
لا أدري لو أن الله تعالى قدر على طلبة علم هذا الزمان المترفين !!
أن يرجعوا لتلك الأزمان الغابرة مدة شهر واحد فقط ماهم فاعلون؟؟؟
جاءني ذلك الأكاديمي المذكور ..
وجهه أبيض مشرب بحمرة يلبس مرآة
نظر الوجه عذب اللسان بسيط أنيس ..
انشرح له قلبي منذ أن رأيته ..
عرفني بنفسي قال : أنا أخوك عمر السبيل !!
والذي صار لا حقا إمام الحرم الشريف ..
وفجعنا بموته رحمه الله بعد سنوات جعل الفردوس الأعلى مثواه..
كان يريد مخطوطة عن الألغاز ..
فتشت له عنها واستخرجتها له ..
أقفل المخطوطة ونسينا أمرها وبقينا في المكتبة نتحدث ولم نشعر حتى انتصف الليل..
أمثال الشيخ عمر جلست معهم ساعات معدودة ولكن كلماتهم الصادقة ولطفهم وسماحة نفوسهم تبقى خالدة في النفس حتى الممات ..
ووالله لو كنت أنظم النثر لرثيته فنعم الرجل عمر ..
رحمة الله عليه وخلف الله على والديه خيرا فيه..
استدعاني الشيخ في تلك الأيام وأدخلني لملحق بيته وقال لي وكان صارما:
أريدك أن تكون صادقا معي فيما أسألك عنه!!
نظرت في عينيه وقلت له : والله سأكون معك صادقا إن شاء الله ..
وانتابتني قشعريرة وخشيت أن يكون أحدهم ( وما أكثرهم) قد لبسني تهمة جديدة!!
قال : هل تجيبني عما أسألك عنه مهما كان ..؟؟
قلت : أفعل إن شاء الله ..
قال : بلغني من أحدهم أن عليك دينا لبعض الأشخاص في الطائف قبل قدومك لعنيزة هل هذا صحيح؟؟
خجلت والله واستحييت أن أكلم الشيخ في مثل هذه الأمور .. وكنت أعلم أن الشخص الذي نقل له الخبر هو الأخ محمد زين العابدين ..
وقد أخبرت محمد منذ مدة عن ذلك حينما كانت الفتنة بيني وبين صاحبنا حامية .. ولا أذكر مناسبة ذكر هذا الموضوع ولكنه الشخص الوحيد الذي أخبرته..
رفعت رأسي وتشجعت وقلت له : نعم علي دين ..
أرخى رأسه وأحنى جفنه وأخفض صوته معاتبا..
قال : لم لم تخبرني ؟؟
ألم اقل لوالدك أنك تحت رعايتي ؟؟
لم أستطع الجواب واحترت !!
استجمعت قواي وقلت له: يا شيخنا تلك أمور حدثت في الماضي قبل قدومي عليك ولم أكن تشرفت بمعرفتك ..
قال مقاطعا: ولكن المال ما زال في ذمتك .. والناس لن تتركك فكيف تريد أن تطلب العلم وأنت مشغول بهم؟؟؟
آمرك بكتابة تلك الديون وسوف أسددها عنك ..
قلت له : أبدا والله !!
قاطعني وقال: يجب أن أسددها حتى تريح بالي وبالك ..
ثم قال:وثق تماما أنني سأوفي دينك من مالي الخاص وليس من أموال الزكاة
أو الصدقة حتى لا أكون مجاملا معك من أموال المسلمين!!
ثم ناولني ورقة وطلب مني تدوين تلك الأسماء ومالهم علي ..
فكتبت ودخل لبيته ولم يطل الغياب
ثم ناولني المبلغ كاملا وزاد عليه وقال لي :هذا هو المبلغ ومعه نفقتك تسافر اليوم وتسدد للناس مالهم..
ثم اتبع ذلك قائلا لي وأشار بيده : أنت في حرج مني إن احتجت ريالا أو مئة
ألف إلا طلبت مني فأنا في مقام والدك فلا تتحرج مني!!
قبلته بين عينيه وقبلت يده ..
وخرجت من عنده وأنا محتار من كرم هذا الرجل ..
كنت أتساءل من قبل ولعلكم أنتم تساءلتم مثلي:
نرى كثيرا من المشائخ وأهل العلم ولكن قليل منهم من لهم قبول في القلوب لماذا؟؟
حينما اختلطت بشيخنا وعاشرته كنت أراه رغم علمه وجلالة قدره بشرا ..
يأكل وينام ويمشي في الطرقات ويتعب ويمرض ويغضب ..الخ
ولكن حينما رأيت أفعاله وتصرفاته معي ومع غيري عرفت أن الله تعالى المطلع على أفعال العباد في السر والشهادة هو الذي يبعث القبول للصالحين في قلوب البشر..وغير البشر!!
لا تتعجبوا من ذلك إخوتي أخواتي ..
ذكر لي الشيخ بنفسه قال لي :
جاءه رجل من قراء عنيزة المعروفين وذكر له أنه قرأ على احد الممسوسين بالجن وأنه تحدث معي الجني ومن حديثه انه قال له ( أي الجني): إن جدي مطوع يحضر درس ابن عثيمين في الجامع!!
مرت الأيام والليالي وانتهى موسم الدراسة وجاءت الإجازة الصيفية..
حيث يتكثف برنامج الدروس ..
وتأتي لعنيزة كوكبة و دماء جديدة ووجوه أخرى من مناطق المملكة وخارجها ..
غالبها تأتي للدراسة في إجازة الصيف ثم ترجع لموطنها..
ومنهم من يحالفه الحظ فيبقى وإنه لذو حظ عظيم !!
وقد كان شيخنا يهتم بهؤلاء الطلبة كون غالبهم لا يستطيع المكوث طويل
فيخصهم بمادة نحو الفرائض أو متن في الأصول أو النحو أو نحو ذلك
بحيث يرجع الواحد منهم وقد درس متنا كاملا بالإضافة للدروس الأخرى
أذكر أنه جاءنا في سنة من السنوات طلاب من دولة روسيا يدرسون في الجامعة الإسلامية ....
وفي سنة من السنوات جاءنا حوالي العشرون شابا اهتدوا للسنة بعد أن كانوا على المذهب الإسماعيلي الضال..
وقد اهتم بهم شيخنا جدا حتى أنه خصهم بدرس في بيته كل صباح في العقيدة..
استمعت مرة لشريط لشيخنا حيث أنه زاره في مسجده في عنيزة عدد من الجنود الأمريكان الذين أسلموا في حرب الخليج يقول لي الشيخ عن تلك الجلسة..
كانوا ضخام الأجسام طوالا وأجلستهم في مكان الدرس المعتاد ..
وحيث أنهم يبدوا لم يعتادوا الجلوس على الأرض فقد تمدد بعضهم واتكئ على يده أمام الشيخ ..!!
يقول الشيخ :ولم أرد أن أعلق على أن ذلك من سؤ الأدب رأفة بهم لحداثة إسلامهم..
يستمر ذلك البرنامج الصيفي حوالي الشهر تقريبا بعده يسافر شيخنا لمدينة الطائف لحضور اجتماع هيئة كبار العلماء كما هو معروف..
وكنت رفيق شيخنا في تلك السفرة للطائف..
توجهنا لجده ومنها توجهنا لمكة لأداء العمرة..
وكان في رفقتنا في تلك العمرة الأستاذ عبد الرحمن العثيمين أخا الشيخ وكذلك ابنه الصغير عبد الرحيم..
بالإضافة للأخ علي السهلي..
انتهينا من أداء المناسك سريعا ثم توجهنا بعد العصر للطائف..
وكان مسيرنا عن طريق المسيال وليس عن طريق جبل الهدى ..
كان الجو ممطرا وكنت فرحا مسرورا للغاية وذلك أن شيخنا سوف يزورن في منزلنا في الطائف..
قلت له: والله بتنور بيتنا ياشيخ بقدومكم ..
فرد علي ابن الشيخ عبد الرحيم : بتنور كل الطائف مو بيتكم فقط!!
فضحكنا من جوابه ونباهته رغم حداثة سنه..
وصلنا فكان الوالد رحمه الله في استقبالنا عند باب البيت..
ولا تسل عن فرحه وابتهاجه بنزول الشيخ محمد عندنا..
كان الوقت عصر تقريبا ..
حينما وضع شيخنا قدمه في البيت ..
قلت في نفسي : ياسبحان الكريم الخالق ..
ابن عثيمين إمام المسلمين وعالمهم وفقهيهم بنفسه يدخل بيتنا ..
كأنني أقول لأبي حينها : قد أغضبتك أنت ووالدتي بهروبي وهاأنذا اثبت لك يا أبي أن الله تعالى تولاني ورحمني ومن علي ..
فهذا الشيخ ابن عثيمين يأتيك زائرا بنفسه إكراما لك ولابنك وأهل بيتك فهل تريد برهانا انصع من هذا البرهان؟؟
ولكأن أبي قال في نفسه : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين !!
استغفر الله من زلل القلم فعفوا إخوتي ..
إن لطعم ذلك اليوم مذاق خاص ..
تستمر حلاوته كلما استذكرته فاللهم اغفر لأبي وشيخي يا ارحم الراحمين
حينما دخل شيخنا لمجلس المنزل وكان في صدره صورة كبيرة معلقة لأخي الكبير محمد رحمه الله وكنت جهدت من قبل مع أبي أن ينزع تلك الصورة كون تعليقها محرما ويمنع دخول الملائكة كما هو المشهور من كلام أهل العلم.
ولكنه رحمه الله كان يتحجج بحجج كثيرة ويرفض رفعها..
حينما دخل الشيخ لفت نظرة تلك الصورة ..
فقال لأبي : يابو محمد أطمس هذه الصورة ..
فقام أبي من فوره وأخفاها عن نظر الشيخ ولم يرجعها ابدا !!

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-05-2011, 03:29 AM   #64
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الثانية والستون

أذكر مرة أن التاجر المعروف في مكة علوي تونسي دعا شيخنا ابن عثيمين للعشاء في بيته العامر..
وكان الأستاذ علوي قد دعا عددا كبيرا من وجهاء مكة وعلماءها وتجارها احتفاء بشيخنا..
سبقت شيخنا للدخول للمجلس حيث الناس تصافحه وتسلم عليه عند الباب
حينما دخلت رأيت صورة بشرية وتكاد تملأ الجدار من ضخامتها..
توقعت أن ينكر شيخنا ولا يسكت فهو كما عهدته لا تأخذه في الحق لومة لائم..
بقيت أنتظره وتساءلت في نفسي : مالذي سيحصل؟؟
وضعت في خاطري عددا من الاحتمالات ..
قطع صوت سلام الشيخ حبل التفكير وركزت النظر على عينيه ما هو انطباعه وتصرفه..
حينما توسط المجلس الفسيح لا حظ تلك الصورة فتأملها ثم أطرق وهو يمشي واحمر وجهه فهو بين خيارين اثنين : إما أن ينكر ويرضي ربه ومعنى هذا إما أن تنزع الصورة أو أن يخرج من المجلس!!
فالأول متعذر وفيه مشقة هائلة وحرج والثاني أشق وأنكى !!
أو أن يسكت وهذا ما يأباه عليه دينه وخوفه من ربة ثم اقتداء الناس به..
هذا ما تخيلته أنا ..
قال الشيخ : يا أخ علوي تعليق هذه الصورة لا يجوز ويمنع دخول الملائكة فأي بركة في مجلس لا تحضره الملائكة؟؟
رأيت وجه علوي تونسي تلون بألوان لا أميزها من الحرج والحياء..
أسعفه شيخنا وقال له : أحضروا لنا غطاء أو شرشفا وغطوا الصور ..
فتفرجت أساريره وكأن الشيخ أزاح جبلا هائلا عن صدره ..
فأمر أحد خدامه فغطى الصورة واسترحنا وانتهى الحال على ذلك ..
أذكر مرة أن شيخنا دخل بيت أحد أقرباءه وكان رجلا موسرا وفيه تعال وإسراف على نفسه ..فأراد شيخنا تأليف قلبه ودعوته ..
زرناه في منزله في جده وكان مجلسه مليئا بالتماثيل والمجسمات الحيوانية وغيرها ..
لم يتكلم شيخنا معه حول هذا الموضوع فيما بدا لي ..بل أنه ركز معه على الأمر الأهم والذي له الأولوية وهو هداية هذا الرجل وإنقاذه من براثن الضياع والضلال..
ولقد رأيت شيخنا يتألفه في الكلام ويتبسط معه ولكأنه يتكلم مع أعلى الناس منزلة وسلطة ..
فكسب بذلك قلبه وأحب الرجل ذاك شيخنا من ذلك المجلس مع أنه استقبلنا في أول الأمر بفتور وتعال..
وما خرجنا من بيته بعد ساعات إلا وقد امتلأت أسارير وجهه بشرا وحبا وإجلالا للشيخ ..
ولقد زرناه في المرة التالية بعد شهور فلم أر تلك التماثيل والمجسمات أبدا ..
وهكذا هي الدعوة ياعباد الله !!
أكسبوا الناس وتألفوا قلوبهم دون أن تتنازلوا مثقال ذرة عن دينكم !!
فالحمد لله الأمر فيه سعة لمن هداه الله ووفقه ..
جعلني الله وإياكم منهم..
كنا مرة في دعوة من الدعوات في جده وحضرها عدد كبير من المثقفين ومنهم وزير الإعلام الحالي إياد مدني وكان حينها مديرا لتحرير جريدة عكاظ..
و كذلك حضر عدد من التغريبيين من كتاب الصحف المشهورين والمحسوبين على تيار العلمنة ..
دار بينهم وبين شيخنا نقاش طويل وعميق ..
كان شيخنا يلقمهم بكل حجة من حججهم عشرا ..
كان مستند شيخنا قال الله قال رسوله وهم يستندون للواقع وقال فلان وفلان..
قال إياد مدني لشيخنا بكل فظاظة : لماذا تحتكر العلم في شخصكم هل الدين ما تراه أنت أو ابن باز فقط؟؟
فرد عليه شيخنا وأفحمه بكلام كثير وطويل ستملون من ذكره ..
وكنت أستغرب كيف مثله ومن هو في منصبه وحاله يقول مثل هذا الكلام الساقط عن مشائخنا ؟؟
إن أصغر مثقف يستطيع الرد على مثل هذا الكلام البائس والذي خرج من واهم أو صاحب هوى .. كما قال ربنا ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )
أشفقت على شيخنا بسبب كثرتهم وكثرة لجاجهم وهم كما قال الأول:
حجج تساقط كالزجاج تخالها ذهبا وكل كاسر مكسور
ولم يكن من الأدب أن يشارك احد بحضور الشيخ فقد كنا جميعا تلاميذ له وليسوغ لنا المشاركة معه فبقينا صامتين ..
ولكن حينما انتهى النقاش وقدم العشاء وفض المجلس لحقت بإياد مدني عند المغاسل ..
فأسمعته كلاما شديدا فوقف ينظر إلي وقد اتسعت حدقة عينه حتى كادت تسقط من وجهه ..!!
فلم يكن يتوقع أن يتلقى هذه الصفعة مني فقد كنت موتورا ولا أدرك حينها التصرف الأمثل في مثل هذه المواطن ..
نرجع لتسلسل رحلتنا !!
عرض الوالد على شيخنا أن نستضيفه في بيتنا طوال بقاءه في الطائف..
فقال الشيخ : والله إنني أعتبر نفسي في بيتي ولكن يمنعني من ذلك بعد المسافة فمنزلكم يا أبا محمد في الضواحي وهذا فيه مشقة علي فأنا أبحث عن مكان قريب من مكان دروسي ودوامي اليومي في الهيئة ..
ألحيت على الشيخ وألح الوالد ولكنه أصر على ذلك..
وكانت غايتنا أن نتشرف بوجوده في بيتنا فأي شرف مثل هذا الشرف!!
ملاحظة: هذا آخر حلقة أنزلها وأنا مضطر للتوقف عن الكتابة لأمر طارئ وأعدكم بحول الله أن أعود لإكمال الحلقات لا حقا إن كتب الله في العمر بقية ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تكملة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطاهرين وبعد..
تشاجرت في هذا الصباح مع قلمي ودار بيني وبينه الحوار التالي:
قال لي وهو غضبان أسفا ..
قلي يا مالك في رحلتك إلى النور متى ستلج النور ياهذا ؟؟
أما زلت تسير ولم تصل إليه بعد ؟؟
ثم ما هو النور الذي تبحث عنه ؟؟
أهو شيء محسوس أم هو هوس بالمغامرات واقتحام لدروب ومجاهل في الحياة عجيبة ؟؟
متى ستنتهي حكاياتك ؟؟
متى ستتوقف روايتك..
قلت لقلمي: أليست الحياة مواقف ..؟؟
قال: بلى ولكن كل شيء له نهاية..
قلت : ما دام في العمر بقية فستبقى الحياة دروسا وعبر..
قال : أليس للناس شغل إلا بك وبحياتك ؟؟
قلت : بالتأكيد أن لدى الآخرين مثل ما لدي وقد لا تجتمع لهم بعض ما عندي ولكن يبقى لكل قصته..
ولكن أعاهدك يا قلمي أن لا اكتب سوى ما أراه مفيدا لي وللآخرين ..
أحس قلمي بالملل فهو يدرك أنه لن يخرج بفائدة من المراء معي..
و قال هات ما لديك فإني أوشك أن أنعس ..
قلت له : أكتب يا صديقي ..
اتكأت على الأريكة ..ووضعت يدي على موضع جرح العملية الجديدة ..
فأحسست بوخزة الألم ..
وأغمضت عيني فعادت بي الذكرى ..
فسبحت في عالم بعيد ..
عاد بي لعشر سنوات تقريبا
ثم بدأت أملي عليه
يقول لي خالد وهو جندي بوسني يبلغ من العمر خمسة وخمسون سنة
بالله عليك يا مالك اقرأ لي تلك الورقة ..
قلت له أنا لا أفهم حروف قومك ..
زم شفتيه التي لا أسنان تحتها حيث لم يعد في حلقه ريق من العطش؟؟
عطش في سراييفو؟؟
حيث الأنهار تجري من حولنا ؟؟
لا تعجبوا يا أخوتي ..
فخالد روى لي في تلك الليلة عجبا..
قال لي خالد : تصدق يا مالك ..
أنني حوصرت ومعي مائة وخمسون من أبناء قريتنا من كتيبة صربية لمدة ثمانية أيام وما معنا سلاح سوى بنادق الصيد وشيئا من الفؤوس والسلاح الأبيض..
وكنا نسمع خلفنا في القرية بكاء الصبية وصراخ النساء من الجوع والخوف..
والقائد المسلم الذي يقودنا يقول :لو غادرنا القرية فسوف يستبيح الصرب ما تبقى لنا من كرامة ..
ستغتصب النساء وسيذبح الأطفال وسيذبح الشيوخ ..
صبرنا يا مالك والصرب من حولنا يصرخون ويزمرون ..
أين إخوانكم المسلمين ؟؟
سنبيدكم ونبيد الإسلام من سراييفو إلى مكة ..
ثمانية ليال لم نذق النوم ولم نطعم فيه لقمة ولم نشرب فيه شربة بلى شربنا ..
شربنا البول يامالك..
..
ثم هز رأسه كأنه لا يريد إكمال الحكاية .
قال لي خالد..
أرجوك إقرا الورقة..
قلت هات ..
أخرج الورقة من جيبه وكانت ملفوفة بعناية ففتحتها وأضأت نورا خافتا من ساعتي
خوفا أن يرقبني القناصة الصرب الذين لا يبعدون عنا سوى عشرات الأمتار..
حينها دوى في الوادي صوت المدفع الصربي..
حيث يقصفنا الأصراب كل نصف ساعة ..
ليتأكدوا أننا ما زلنا مستيقظين؟؟
لم نعبا بالصوت فقد اعتدنا عليه ..
فالقذائف تمر من حولنا وترتطم في البيوت الهالكة خلفنا فتتشظى ولا تكاد تصيب أحدا..
الورقة مكتوبة بالعربية ..!!
يا خالد؟؟
خرجت من وجهه الكئيب ابتسامة أضاءت ما تبقى من شحوبة وجهه الكهل..
قال : أعلم ذلك..اقرأها لي أرجوك..
فقرأت..
الحاج عثمان هوتشش 1123 هـ الفاتحة آمين!!
لم افهم منها شيء..
سحب خالد مني الورقة ونظر في وجهي نظرة افتخار وهز الورقة ثم طواها وأدخلها في جيبه..
وقال لي حينما لم يجد الصرب شيئا في قريتنا قصفوا القبور فوجدت على قبر جدي جصا حفرت عليه تلك العبارات فنسخت ما كتب عليه حتى أعيده بعد ننتقم من هؤلاء الأوغاد..
قلت له يا خالد ..ألا تحكي لي قصة حصار تلك الليالي المرعبة ..
نظر في وجهي نظرة غريبة وأرخى رأسه وتدحرجت من عينه الغائرة دمعة أكاد اشعر أن الأرض اهتزت لها حينما ارتطمت بها..
قال : يا مالك يابني ..
بما ذا أحدثك والله ما عاد لي عقل يذكر شيئا ..
ثم مسح رأسه بكفه التي ترجف ورفع حاجبه للقمر المحاط بكومة من السحب كأنه يستلهمه شيئا ..
وقال غدا سأرويها لك إن شاء الله..
قال لي خالد وكأنه يريد تغيير الحديث ..
بالأمس يا مالك حدث موقف غريب ..
قلت : وهو؟
كنت جالسا في مكاني هذا أراقب الجبهة أمامي وأتبادل السباب مع الصربي الذي يسمعني واسمعه ..
وفجأة سمعت جلبة خفيفة خلفي ..
فرأيت رجلا عجوزا يسير راكعا في الخنادق المحفورة ..
ويحيط به رجلان جلدان تكاد تظنهما أسدان من استواء اجسامهما !!
متأهبان بالسلاح
تساءلت في نفسي من هذا الرجل؟؟
رأيته يتقدم ببطيء في الخنادق يمر على العسكر ويتكلم معهم ويهمس في آذانهم ويربت على ظهورهم..
قال لي خالد ..
من تظن الرجل..؟؟
قلت وما يدريني؟؟
قال خالد:
اقترب مني ذلك الكهل ..
فقال : السلام عليكم..
فرددت عليه السلام..
حاولت أن أميز وجهه ولكنه أدرك خطورة الموقف فجلس بجواري وأشار لي حرسه بالجلوس والصمت ..
وخلع قبعته العسكرية ...
وتجلت لي صورته ..
إنه علي عزة بيخوفيتش ؟؟
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك؟؟
حدثنا يا مالك ..
ارجع بنا للخلف لماذا قفزت بنا بعيدا ..
ارو لنا عن شيخك فأنت لم تنهي القصة بعد..
يقول لي القلم ذلك بعد أن أخذته الحماسة هيا أكمل ياهذا ..
حدثنا عن فوزي عسيري ؟؟
ذلك الشاب الصالح المؤمن الذي يقيم في مستشفى القوات المسلحة في الهدى في الطائف من عشرات السنين ؟؟
والذي كنت في زياراتك له تستمع إليه يقول:
أمنيتي في الحياة أن أرى الشيخ ابن عثيمين..
أرو لهم كيف كانت مشاعر فوزي عسيري حينما يرى نفسه في غرفته الصغيرة في المستشفى أنا وهو والشيخ ابن عثيمين ..
وبعد أيها القراء الأفاضل ..
يتجدد بكم اللقاء ويعود بنا القلم لأكمل الحكاية سائلا المولى سبحانه أن يلهمني الحق والصواب وان يجنبني الزلل ويصلح النية ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ..
كم تزدحم الذكريات في رأسي..
والله من يومين لم أذق للنوم طعما حيرة ترددا. بما ذا أبدأ ؟؟
مع ما في القلب من شواغل وما في الجسد من آلام بسبب الأدوية الكثيرة فالعذر يتقدم لكل قاريء عزيز أن يدرك الحال ويتفهم الوضع وعلى الله التكلان سبحانه وأخيرا عزمت على الكتابة كيفما يكون وكيفما يرد ..
أيها الأخوة الكرام
قبل عدة أيام وهو الخامس عشر من شوال وافق ذلك التاريخ يوم رحيل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وذلك في الساعة الخامسة وربع عصر يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421 للهجرة في مدينة جده ..
وستأتي تلك القصة مفصلة في حينها إن شاء الله تعالى ..
فاللهم اغفر لشيخنا وارض عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة واجمعنا به ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في فردوسك الأعلى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
أخوكم
مالك الرحبي




يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-05-2011, 04:23 PM   #65
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الثالثة والستون

كان منزلنا في ذلك العام قريبا من منطقة البلد ..
في وسط الطائف وأظن أن المنزل كان مستأجرا من عائلة نسيب الشيخ
الشيخ خالد المصلح ..
مكث الأخ علي معنا طوال الأيام تلك وغادرنا ابنه وأخوه الأستاذ عبد الرحمن....
كنت في الغالب أنا من يتولى قيادة الشيخ في مشاويره..
فأنا ابن الطائف..
تعجب الناس والأصحاب من هذه الإنتقالة الهائلة في وضعي من الشيخ..
ومن قرأ منهم ما سطرته هنا سيفهم تماما ما الذي حدث !!
فالحمد لله الذي كفاني مئونة تفسير ذلك؟؟
على كل تقبل الناس سريعا هذه الوضعية الجديدة..
أذكر أنه في إحدى زيارات الشيخ لبيتنا حضر حوالي الخمسين شخصا..
تلون وجه أبي وتلبدت على وجهه غيمة حياء فمن سيضيف هؤلاء ..
وأين سيجمعهم..
أصعدناهم للمجلس ولا تسل عن عناءنا وحرجنا ..
ويعلم المولى سبحانه أننا ما ضقنا بعددهم ولا بوجودهم فهذه ضريبة صحبة العلماء ولكن لم نكن مقدرين لتلك الزيارة المفاجئة..
ولذلك فهمت ما لذي كان يعنيه شيخنا من إصراره على عدم السكنى في منزلنا أو غيره وفضل المكوث قريبا من أحد الجوامع الكبيرة ..
ليتمكن مريدوه من إيجاده والاستفادة من علمه ..
وأفضل مكان لا شك هو الجامع..
كنا نصلي في الجامع الواقع شمال مواقف التكاسي المسماة مواقف مكة..
ويلقي شيخنا هناك دروسه بعد العصر..
وكان إمام الجامع من إخواننا اليمنيين ويظهر أن شيخنا يعرفه حيث اعتاد إلقاء الدروس في مسجده في السنوات الماضية..
لم يكن بالجامع الفسيح واقترحت على شيخنا أن يجعل درسه في جامع آخر..
قال الشيخ : بعد العصر سأستمر بالتدريس في هذا الجامع للعامة ..
أما الدروس اليومية بين العشاوين ( أي المغرب والعشاء)
فقال لي وللأخ علي أنتما اختارا الجامع المناسب وعجلا علي..
ذكر لي الأخ علي جامع ابن سند ..
قلت له إن طلبة العلم في الطائف اعتادوا على الدروس لكبار المشائخ في جامعين معروفين بكثرة مرتاديه الأول جامع ابن عباس الكبير والثاني جامع الأمير احمد..
والأخير فيه دروس شيخنا احمد السهلي ويحضر فيه عدد كبير من طلبة العلم ..
أستقر رأينا أخيرا ذلك العام أن تكون دروس شيخنا في جامع الأمير احمد وحينما رأى الشيخ كثرة الحضور وامتلاؤه بالحضور فرح بذلك وأثنى على رأيي فالحمد لله ..
تساءل الناس عن ذلك الشاب الصغير والذي هو مالك!!
يجلس بين يدي شيخنا
ويقرأ عليه أسئلة المستفتين !!
يا للعجب!!
لا تسل عن حيائي وعن ضعفي أمام نظرات الناس التي لم اعتد عليها إلا بعد حين..
قائل يقول : هذا من أبناء الشيخ!!
وقائل يقول : هو نسيبه!!
وقائل يقول : هو من اليمن !!
ولم يصل للحقيقة سوى من قرأ كلامي هذا كله !!
كلمات سمعتها من هنا وهناك ولكن مع الزمن لم اعد أعيرها أي انتباه..
في تلك السنة انتشرت حمى الدشوش أو ما يسمى الأجهزة اللاقطة..
والتي تكلم عنها الشيخ ناصر العمر بارك الله فيها قبل سنوات في شريطة المشهور البث المباشر والذي طبع لاحقا في كتاب وانتشر..
حذر شيخنا منها كما حذر غيره وناصح الناس والمسئولين وراسلهم ولقد رايته مهموما بهذا الشأن وكأنه رحمه الله ثكل من كثرة ما يتكلم وينصح من هذا الشر المستطير..
استأذنته مرة ونحن في السيارة لأسمعه مقطعا من شريط للشيخ عبد الوهاب الطريري حول موضوع الدشوش..
فقال اسمعني: كان اجتماعا بين الطريري وعدد من المثقفين أو الأكاديميين
قال أحد المتفيقهين !!
يا إخوان أنتم كبرتم المسالة وأعطيتموها اكبر من حجمها !!
إن مجتمعنا متماسك وعقيدتنا صلبه ولا يمكن أن تهتز بمثل هذه اللواقط وثوابتنا راسخة الخ كلامه ..
فرد عليه الطريري بكلام معناه : إذا ليكن الانفتاح شاملا !!
قال كيف ؟؟
قال ليشمل الانفتاح في الأمور التي تهدم الدين وتهدم سياسات الدول فأنت تعرف أن المتربصين بالدولة والحكومة وخاصة حكومتنا كثير فهل ستسمح لك انفتاحك بفتح المجال في كل شيء؟؟
فأسقط في يد الرجل وصمت ..
وأعجب شيخنا بجواب الطريري وفي اليوم التالي حث الناس على سماع شريطه ذاك وأثنى عليه!!
لا شك أن الأمور تغيرت الآن وبعد دخول الانترنت وامتلاء فضائنا بمئات القنوات الفضائية قد لا يتصور بعضكم وقع المصيبة حينما بدأت بما يقارنه الآن من حال..
في تلك الليالي حصل لنا موقف طريف..
حيث نسينا مفتاح شقتنا في داخل المنزل ..
ولم يكن سوى شيخنا للأسف يحمل مفتاحا للباب رغم حرصه الشديد وتيقظه في مثل هذه الأمور..
فهو يحمل در زانة من المفاتيح ويضعها في جيبه ومرتبة بنسق عجيب
قلت لعلي لا بد أن نحضر شخصا ليفتح الباب..
رافقنا الشيخ بالطبع !!
توجهنا بسيارتنا الكراسيدا وتوقفنا أمام محلات المفاتيح ..
توسمت في وجوه الناس..
فرأيت شابا قصيرا عليه مرآه يظهر عليه أنه هادئ الطباع ..
فوقفت بين يديه ولم يكن عنده أحد وقلت له الحاصل ..
فقال لي : وما يدريني أن هذا منزلكم؟؟
نظرت للأخ علي وقلت له: يا أخي نحن ثلاثة أشخاص نقيم في منزل مضيفنا ..
قال : دع مضيفكم يأتي !!
لاطفناه بالعبارة وقلنا سنصور لك هوياتنا إن شئت ..
وبعد تردد حمل حقيبته وركب في سيارتنا ..
حينما رأى ذلك الشاب شيخنا كأنه ارتاح واطمأنت نفسه ..!!
ولكنه لم يعرف من يرافق على كل حال..
أخذ شيخنا يسأله عن نفسه ..
ويسأله عن أحواله ..
أذكر انه قال أنه من قبيلة بني مالك وأظن اسمه نايف أو شيئا من هذا القبيل..
وصلنا للشقة ثم نظر إلي كأنه يريد مني شيئا فوضعت بطاقة أحوالي في يده فنظر فيها ..
ثم أرجعها لي ..
كان اختياره موفقا فما عن وضع يده على الباب حتى فتحه باحترافية عجيبة ..
أرجعته لدكانه فسألني من هذا الرجل الذي وجهه يشع نورا ؟؟
قلت له هذا الشيخ ابن عثيمين!!
قال لي : حرام عليك يارجل هلا أخبرتني من قبل والله لن آخذ منك ريالا مقابل ذلك!!
كانت للشيخ محاضرات ودروس في الأقاليم المحيطة بالطائف ..
في الحوية والهدى والشفا وجمعيات التحفيظ والمراكز الصيفية والمعاهد ويجتمع في مدينة الطائف سنويا في تلك الفترة كوكبة كبيرة من العلماء والمشائخ ممن لا يكاد يحصرهم عاد..
كنا في الجمع ننزل للصلاة في الحرم وكان شيخنا يتعجب من الناس ويقول
لو كنت مقيما في جده أو الطائف لما فاتت علي مائة ألف جمعة في الحرم!!
نسقنا مرة محاضرة للشيخ في جامع الملك فهد في الهدى وكان يوم جمعة ..
وانطلقنا من مكة بعد صلاة العصر حيث لا يستغرق وصولنا للهدى سوى ساعة وربع تقريبا ..
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان ..
حيث نزلت الأمطار على الهدى وحين وصولنا لجبل الكر..
أوقفت الدوريات السيارات وإمرتها بالرجوع لمكة والذهاب للطائف من طريق المسيل..
وقال الطريق خطر ولا يمكن السماح للسيارات بالعبور..
فاسقط في يد الشيخ وتحرج وكان من أصعب الأمور على نفسه أن يفوت وعدا وخاصة أنها محاضرة عامة ..
ولم يكن لدينا وسيلة اتصال..
قال لي : لا ترجع ودعنا نمكث لعل وعسى الطريق يفتح..
هممت أن انزل للجندي واستأذنه واشرح له الوضع ..
ولكن هيهات فلو سمح لنا بالعبور لثارت عليه مئات السيارة من حولنا فدوني نجوم السماء !!
بقيت والشيخ حتى قريبا من العشاء..
حتى اطمأنت نفسه وعرف انه لا حيلة لنا ..
وبعد وقت يسير سمح لنا بالعبور..
فلم يكن هم الشيخ إلا أن نذهب للجامع ونبلغ الناس بما حصل..
وصلنا للجامع وقد خرج الناس من الصلاة ..
توجهنا للإمام ..
فلما رأى الشيخ انكب عليه واحتضنه وقال والله لقد قلقنا عليك والناس تساءلت ما لذي حصل لكم ..
وبعضهم ذهب للشيخ ابن باز يسأل عنك..
وأجرينا اتصالات عديدة بالمسئولين !!
بلغه الشيخ بما حصل ..
وكان الرجل نبيها!!
قال يا شيخ محمد: لا يعوضنا منك سوى أن تشرف أهل المنطقة بعشاء!!
فقال يا ولدي : أنا متعب لو تعفيني!!
أصر الرجل ورتب عشاء في إحدى مزارع منطقة الهدى الجميلة
وحضرها جمع كبير من الناس يكادون يبلغون المئة!!
ولا تسل عن فرح الشيخ باجتماعهم حيث شعر انه عوضهم بتلك المحاضرة لتطيب نفوسهم بتلك الجلسة التي لم تخل من فوائد وتوجيهات..
يتبع إن شاء الله



يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-05-2011, 01:34 PM   #66
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الرابعة والستون

أذكر مرة بعد سنوات من موقفي مع الشيخ حينما أغلق جبل الهدى بسبب الأمطار..
موقفا لن أنساه حيث تجرعت فيه مرارة اسمحوا لي بروايتها لكم ولو طالت..
فقد يكون فيها شيء من الطرافة ..
كنت عائدا من جده وكنت في ضيافة أحد الزملاء ..
وقد حملت في جيبي مبلغا بسيطا من المال..
أظنه لا يتجاوز المئة وخمسون ريالا..
ولم تكن تلك الأيام قد شاعت في الناس بطاقات الصراف الآلي بل اظنها معدومة..
والمال وفير والحمد لله ولكن لم يكن يدر بخلدي أن احتاج للقليل منه فلا أجده..
في الطريق من بيت صاحبي ..
أشار لي رجل مسن بالتوقف ..
وكانت حالته مرثية ويظهر عليه البؤس والإعياء بل كان يمشي بثقل على عكازين.. فتوقفت بجواره ..وقلت له : نعم ياعم..
فقال : لو قدمتني معك يا ولدي لأطراف المدينة..
ففتحت له الباب وجلس بجواري..
أخذ يدعو لي ويشكرني فقلت له: لا داعي أنا لم افعل شيئا يستاهل الشكر ومقصدك على طريقي..
قال لي: وددت أنك كنت معي في جيزان فأكرمك كما فعلت معي فانا من ساعة أشير للناس فلم يتوقف لي احد يظنني الناس أتسول..
سكت قليلا ثم تنهد وكأنه يريد أن يروي لي معاناته ..
يقول من أي المناطق أنت ؟؟
قلت له :أنا حاليا أقيم في منطقة القصيم
قال :من أي القبائل ..
ثم قال: أنا من قبيلة كذا من جيزان وأحترف الزراعة وعندي بستان فيه ما لذ وطاب من الفواكه والأشجار الظليلة ..ياليتك إن جئت لجيزان تعرج علي فأكرمك ..
قلت له : وهل عندك أحد تقيم عنده في جده ..
قال : أبدا أنا كما ترى رجل كبير ومريض جئت هنا لأحد الأمراء لكي احصل منه على توصية للعلاج في إحدى مستشفيات جده ..
ولكن للأسف لم أتمكن من الوصول للأمير مباشرة لكثرة الناس فوضعت مظروفا مع الناس وسأرجع أدراجي لجيزان الآن..
قلت : ولماذا لا تمكث في جده حتى تنتهي معاملتك؟
قال : أبنائي صغار ولا يقوم عليهم احد سواي ومزرعتي تحتاج لرعاية
فلا بد أن ارجع لهم وبعد أسبوع سأعود لمكتب الأمير لأرى النتيجة!!
قلت له :ولماذا لا ترجع بالطائرة إلى جيزان فأنت مثقل وطريق العودة طويل..
قال : لم اركب الطائرة في حياتي ولست اقدر على قيمتها..
والحمد لله سأقف على الطريق العام وسوف أجد من يتجه على جيزان وسأركب معه !!
تأسفت في نفسي لحال هذا المسكين وتمنيت في تلك اللحظات لو كنت احمل مالا أتوجه به للمطار فلا أغادره حتى يرجع لأولاده وينام معهم تلك الليلة ولكن هيهات..
حينما وصلنا لمقصده قال لي : يابني كم تطلبني؟؟
قلت له : لا شيء..
ثم أخرجت محفظة نقودي فسحبت منها مبلغا دون أن أراه وقلت له خذ هذا المال استعن به في طريقك..
فدعا لي وشكرني حتى كدت أذوب من الخجل منه ..
ما إن غادر ذلك المسكين حتى أضاءت إشارة نفاذ الوقود في سيارتي..
وجدت محطة وقود قريبة فأشرت للعامل وقلت له أملأه!!
تفقدت محفظتي فوجدت فيها مبلغا لا يتجاوز الخمسة عشر ريالا!!
فقفزت خارج السيارة وأطفئت مكينة البنزين وقلت للعامل يكفي فقط خمسة عشر ريالا!!
وسيارتي من نوع المرسيدس و بالتأكيد لن توصلني إلى مكة بهذه الكمية فكيف إلى الطائف!!
وهنا تبدأ الحكاية !!
خرجت من جده وأنا أراقب عداد البنزين وسرعتي متوسطة وأطفأت جهاز
التكييف وبقيت استغفر واهلل وأقول في نفسي ما الذي سأفعله لو انتهى بي الوقود؟؟
لاحظت أن البرق يضيء على جبال الهدى والتي ترى للداخل إلى مكة فتوجست خيفة ..
وقلت في نفسي ماذا لو أغلقوا الطريق؟؟
قبل أن ادخل لمكة أضاء العداد بقرب نفاذ الوقود!!
مررت على مكة وأخذت أبحث في رأسي عن حل لهذه الورطة فلم أشعر إلا وأنا في أطراف مكة على طريق الطائف السريع..
لاحظت من بعيد دورية مرور تقف في وسط الطريق ..ورأيت كثيرا من السيارات تعود أدراجها على مكة!!
وقفت أمام الجندي ففتل شواربه وقال : وين رايح؟؟
قلت : الطائف ..
قال الطريق مغلق رح من المسيال!!
قلت له : ومتى سيفتح ؟
قال : والله ما أدري يمكن ساعة يمكن يوم يمكن يومين؟؟
قلت له : وهل يمنع الذهاب للجبل ؟؟
قال : أفضل لك تروح من المسيال ، وإذا تبغى تروح على مسئوليتك تفضل..
شكرته وتوجهت للجبل..
وليتني سمعت نصيحته وبقيت في مكة حتى يفرجها المولى سبحانه..
بقيت أسير بهدوء وأراقب العداد وأقول في نفسي ماذا لو توقفت بي في منتصف الطريق الموحشة المظلمة ؟؟
ما لذي سأفعله ؟؟
بمن سأتصل ؟؟
وبالتأكيد سوف يقلق علي أولادي ولا وسيلة اتصال لدي !!
وصلت للجبل وفي ذات الموقع الذي توقفت أنا وشيخنا بجواره قبل سنوات
ولكنني هذه المرة وحيدا فريدا وبلا مال!!
وجدت عشرات السيارات متوقفة وكلهم مثلي يأمل أن يفتح الطريق في ساعة أو بضع ساعات أما أنا فكنت احمل هما اكبر هو هم الوقود!!
نزلت من سيارتي وتوجهت للعسكر لعلي أجد عندهم حلا لمشكلتي التافهة!!
كانوا في جدال وجلبة مع الناس وكل يروي
مأساته يقول أحدهم دوامي والآخر يقول أنا مواصل للجنوب وثالث يقول:
أريد أن أوصل أبنائي للمدرسة..
فيرد عليهم الجنود عودوا للمسيال !!
والمسيال لمن لا يعرف المنطقة هو الطريق الآخر للطائف وهو أبعد قليلا من طريق الهدى ..
يقول الجنود:
الطريق خطير والسيول قد جرفت الصخور والأوامر تقضي بمنع التحرك حتى تصلح الإعطاب ويزول الخطر..
عدت لسيارتي وأطرقت أفكر في حل لهذه المشكلة ..
ومرت حوالي الساعتين وكانت كعشر ساعات على نفسي..
شعرت بالهدوء من حولي وخفت جلبة الناس وعاد كثير منهم لطريق المسيال ..
رفعت رأسي فرأيت الجنود قد جلسوا على بسط في وسط الطريق وأخذوا
يتبادلون الحديث وشرب القهوة والشاي وكان الجو عليلا ونسيم الرياح بعد منتصف الليل أضفى على المكان الأنس..
تشجعت وقلت في نفسي: لما لا أذهب إليهم فأحكي لهم حالي!!
فالناس لبعضها والخطب يسير وهونت الأمر على نفسي ..
نزلت من السيارة وقصدتهم ..
فلما اقتربت منهم أطفأ احدهم سيجارته وصافحته وقال : ليش ما تنام يا مطوع؟؟
ولم يدعني للجلوس ..
قلت له : هل من جديد ؟؟
التفت وراءه للجبل فلمعت في السماء أضواء البرق ..
وقال : شوفت عينك ما اظنك بتمر الليلة !!
قلت له : لعله بكره الصباح بدري !!
قال : لين تجي الشركة في الصباح وتنظف الطرق لعله الظهر بكره!!
وأفضل لك تروح من المسيال !!
هممت أن أقول للعسكري سبب تأخري ولكنني استحييت وخجلت فرجعت من عنده وأنا في هم لا يعلمه إلا الله..
قلت في نفسي كيف يجرأ الناس على السؤال ؟؟
أعوذ بالله من الذل..
رغم أني محتاج ومستحق ولكن لا أدري !!
الحمد لله على المعافاة..
رجعت لسيارتي وفتحت نوافذها وتوسدت يدي ونمت نوم المتوجس والمهموم..
أذن علينا الصبح ..
فتوجهت للمسجد الواقع بجوار محطة البنزين ..
وقدمني المؤذن البنجلاديشي للصلاة ..
وصليت بالناس الفجر..
بعد الصلاة بقيت في المسجد والعامل ينتظر خروجي حتى يغلق المسجد .. وكنت أتكلم معه وألاطفه واسأله عن بلده وكل ذلك أنني هممت والله أن اطلب منه أن يقرظني أو يهبني عشرين ريالا !!
لكي أملأ السيارة بوقود يرجعني لمكة ولكن هيهات كيف لهذا المسكين أن يثق بشاب عليه اثر الترف وسيارته فارهة يطلب منه عشرون ريالا ..
أو حتى عشرة ريالات..
ومرة أخرى منعتني كرامتي وصون وجهي عن السؤال ..
فالحمد لله على المعافاة..
تكاثرت السيارات بعد صلاة الفجر وجاءت من كل حدب وصوب
وصار المكان غاصا بالخلق وطلبة المدراس والمعلمون وتدافع الناس على العسكر ..
وزاد الأمر سوءا انه مر موكب رسمي فلم يتردد الجنود بالسماح لهم
بالمرور فضج الناس وارتفعت الأصوات وقالوا : ونحن أليس لدينا مصالح ؟؟
فقالوا هذا موكب رسمي ..
فقال الناس ونحن نذهب على مسئوليتنا دعونا نمر..
فلم يفلح ذلك في إقناع الجنود..
بقيت ارقب الموقف وبدأ الجوع يدب في بطني ..
كنت أسير وأهيم بين السيارات وأتفرس وجوه الناس لعلي أجد أحدا اعرفه
لم يحفل بي احد فكل بهمه اشتغل..
توجهت لمحطة الوقود..
وهممت أن اكلم العامل أن يضع لي وقودا على أن أرجع له بعد يوم بماله ..
فتوسمت في وجهه فعلمت أن كواكب السماء اقرب لي من ذلك!!
رجعت للسيارة وحميت الشمس حتى صار الجو خانقا ..
في الضحى توجهت للعسكر مرة أخرى وكانت الوجوه جديدة فقد تغير فريق العمل..
ولم يكن الجو مشجعا وعلامات الإعياء بادية عليهم..
اقتربت منهم فلما انتصفت الطريق عدت أدراجي!!
حيرة وحياء من ذل سؤالهم..
وما عساني سأقول لهم : أعطني بالله عشرة ريالات ؟؟
أو أنني محتاج أو جائع ؟؟
كيف سيكون وجهي حينما يسحب ذلك المتعجرف من جيبه عشرة ريالات
فيلقيها في يدي فوالله لباطن الأرض خير من ظاهرها ..
توجهت للمسجد وتوضأت وبقيت في ركنه ورفعت رأسي للسماء ودعوت الله بالفرج ..
وصليت الظهر مع الجماعة ثم عزمت على العودة لمكة وقلت وليكن ما يكن!!
جلست على المقعد وذكرت الله تعالى ..
أدرت السيارة فعملت ..
وانطلقت بها وسرت بها سيرا خفيفا..
وبقيت أسبح الله تعالى ..
وطلبت من المولى سبحانه اللطف ..
قطعت ربع المسافة ونصفها وفي كل مرة أقول هاهي ستتوقف..!!
ولكنها لم تخذلني..
في الطريق ..
تذكرت احد زملاء الدراسة في عنيزة وهو مقيم في مكة ..
وما أكثر من اعرفهم في مكة من المشائخ والعلماء وطلبة العلم ولكن
كوني اسألهم في مثل هذا الحال وفي مثل هذه القضية فهذا حرج لا يقدره سوى من يفهم واقع الحال..والله المستعان..
الذي حصل يا إخوتي الكرام أنني بفضل المولى سبحانه وصلت لمكة!!
ولم يكن لي هم سوى أن أصل لمكان صاحبي ذاك..
توجهت من فوري فوجدته واقفا أمام محله فشده لرؤيتي فهو من سنوات لم يرني!!
فلما رآني ابتسم لي ابتسامة أنستني كل الهم الذي كنت فيه ..
سحبته من محله وطرت به لمحطة الوقود وقلت له :أملأ لي السيارة بالوقود وكنت عليه جريئا !!
فاخرج بوكه فنثر كنانته جزاه الله خيرا ولم يسألني وملئها فودعته وقال لي انتظر !!
أين ستذهب..
ما هي قصتك يا رجل تغد معي!!
قلت له : قصتي طويلة سأحكيها لك لاحقا ..
فغادرته وهو حائر !!
وعدت له بعد أيام بوجه غير وجهي فحكيت له القصة فغص بالضحك حتى سقط على وجهه..
وصلت لأولادي عصر ذلك اليوم ..
وكانوا في غاية القلق ومع ذلك حتى هذا اليوم لم ارو لهم ما حصل فليقرؤها هنا ..
وليت شيخنا كان حيا فيقرأها رحمة الله عليه
يتبع إن شاء الله..





يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-05-2011, 07:36 PM   #67
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الخامسة والستون

نعود لحكايتنا ..
سمعت عن شاب مصاب بمرض عضال ..
وذلك قبل ذهابي للقصيم ومعرفتي بشيخنا رحمة الله عليه..
وقالوا لي أنه منذ سنوات يعيش وحيدا فريدا في مستشفى القوات المسلحة في الطائف..
وحثني أصحابي على زيارته حتى قال لي أحدهم : والله إن رؤية هذا الشاب سترفع همتك وستزيد إيمانك!!
طمعت بذلك ومن ذا لا يريد زيادة إيمانه ورفع همته؟؟
تحدثت مع احد جيراننا في الحي في الطائف عن ذلك الشاب ..
فرق له وقال سوف أرافقك ..
وذهبنا بعد أيام للمستشفى المذكور..
وصلنا للاستقبال..
فسألنا عن الشاب..
قلت لهم اسمه فواز العسيري)..
فقال : لعلك تقصد فوزي العسيري!!
فقلت : نعم هو ..
فابتسم في وجهي وقال ..ستجده في غرفته أو سيكون الآن في الحديقة يتنزه !!
ثم ناولني بطاقة الزيارة وأعطاني رقم غرفته ..
صعدت للغرفة وكنت أتعجب في نفسي لماذا ابتسم الرجل من سؤالي!!
لما وصلت الغرفة وجدتها خالية سوى من ممرضة ترتب السرير ..
قلت لها : وين فوزي ؟؟
قالت : سيأتي بعد قليل هو يتنزه في الخارج..
قلت لها : ممكن نجلس؟؟
قالت : نعم ..
جلست أنا وصاحبي وقلبت نظري في غرفة فوزي..
لم تكن غرفة مريض !!
كأنني في غرفتي في عنيزة بعد سنوات!!
رفوف كتب آلاف الأشرطة ..
مجلات إسلامية كل شيء يدل على العلم ..
قال لي صاحبي: هل أنت متأكد أن هذا صاحبك؟؟
قطع علينا صوت عربية تقترب من الغرفة ..
فكان نظرنا على الداخل..
قالت الممرضة وابتسمت ابتسامة عريضة هذا فوزي وصل..
دعوني اصف لكم فوزي..
مقعد على العربية جسمه كأنه عمرة ست سنوات أو عشر!!
ورأسه مكتمل النمو يزيد على العشرين سنة!!
وجهه كأنه كوكب دري..
جميل وأنت تعجز أن تقول انه جميل..
ابتسم في وجهنا ابتسامة اعجز عن وصفها ..
رقيقة عذبة و جميلة ..
كان يلبس ثوبا ازرق وعلى رأسه طاقية بيضاء ناصعة البياض نبتت على وجهه لحية صفراء جميلة ..
ووجهه مستدير وصاف كالعسل..
لما رأيناه قمنا له ..
فسلم علينا فدنوت منه لأصافحه..
فأرخى رأسه حياء لأنه يعجز عن مصافحتي فربت على يده وقبلت جبينه..
وفعل صاحبي مثل ما فعلت..
عرفناه بأنفسنا فرحب بنا وشكرنا على زيارته ..
وقال : أنا افرح بزيارة الناس لي ..
كان يتكلم و كنت أفكر في كلام الفقهاء أن من أدب الزيارة للمريض عدم الإطالة عنده حتى لا تشق عليه ولكن فوزي هذا من طراز مختلف ..
يأسرك بمنطقه وأدبه حتى لا تريد مغادرته والله ..
لم نجرأ عن سؤاله عن مرضه وعن مدة بقائه وما لذي حدث له ..
ولكنه بادرنا بذلك من خلال كلامه ..
قال : مرضي غريب وسماه لنا وهو مرض يتوقف فيه نمو الجسم ماعدا الرأس والعقل ..
حيث تبقى الأعضاء كما هي دون الرأس فينمو مع السنين..
وقال لنا : أنا منذ ست سنوات مقيم هنا !!
وعائلتي في منطقة عسير ونظرا لحاجتي الماسة للمستشفى فقد أصريت على المكوث هنا حتى لا اشق عليهم بإحضاري دوما ..
وكان هذا هو رأي الأطباء..
روى لنا تفاصيل حياته وبرنامجه وقراءته وانه حفظ جزءا كبيرا من القرءان وأنه يستمع للدروس والمحاضرات ويقرأ في الكتب ..
وأنه لا يمل من القراءة ولا تضيع عليه دقيقة في فراغ..
وقال : أن الناس تزوره دوما وأغلبهم لا يعرفهم..
وأحيانا تتوقف الزيارات فتمر عليه الأسابيع ولا يرى أحدا ..
ولم يتأفف من مرضه وحاله ولم يشك من صحته بل كان يحمد الله تعالى
ويشكره على أن أبقى له عقله ليتمكن من الاستفادة والدراسة وطلب العلم..
كان فوزي يتحدث وكنت أتأمل وجهه وكلامه وعباراته وأقول في نفسي..
كم نحن محرومون؟؟
لله دره ..
كم نحن ضعفاء أمام بهارج الحياة ومشاغلها ..
كان صاحبي يستمع لفوزي فأرى في عينيه الدموع محتبسة مما يسمع ..
خرجنا من عند فوزي ونحن واجمون ..
أصر على مرافقتنا للخارج ..
فخرج معنا حتى وصلنا للمصعد ..
وكان الجميع بلا استثناء يسلم على فوزي من ممرضات وأطباء وعمال
كلهم يعرفه ويضحك ويبش في وجهه ..
ماهي أخبارك يا فوزي اليوم..
أهلا يا فوزي..
وكأنه ليس بمريض..
قال لنا ونحن نغادره ..
لعلكم تزوروني مرة أخرى !!
قلت له : بكل سرور والله ..
فابتسم ابتسامة جميلة أسرت قلبي ولا أنساها ما حييت ..
بقيت أنا وصاحبي نتحدث في الطريق عن ذلك الشاب فقال لي:
لم أفرح بزيارة احد كما فرحت اليوم..
رجعت للبيت فحكيت للوالدة عما رأيت ..
وحكيت لكل من اعرف ما رأيت ..
لأساتذتي وأصحابي قلت لهم :
أذهبوا وزورا هذا الرجل ..
فوالله ليس من رأى كمن سمع..
لم أنقطع عن زيارة فوزي ..
كنت كلما شعرت بضعف في همتي وحاجتي للأنيس ذهبت لزيارته بأي وسيلة ممكنة..
بالسيارة بالتاكسي مع زميل كيفما يتيسر لي..
في إحدى زياراتي له وقد أصبحت كالتلميذ له..
قال لي : تصدق يا مالك لي أمنية ؟؟
قلت وما هي ؟
قال : أحب رجلا حبا عظيما ..
وليتني أستطيع رؤيته رؤيا العين ..
قلت : ومن هو..
قال : الشيخ ابن عثيمين ..!!
قلت له : يا فوزي هداك الله وكيف تريد أن نجر لك ابن عثيمين في المستشفى؟؟؟
دع أمنياتك معقولة يارجل!!
وجم ثم ضحك وقال : على كل هذه أمنيتي..
ثم اخذ يحدثني بشغف عن الشيخ وعن سعة علمه ودروسه وانه يستمع لأشرطته يوميا
وكأنه حاضر معه في الدرس وقال : هل رأيت الشيخ ؟؟
قلت نعم رأيته في دروس الحرم..
فقال لي : صفه لي يا مالك ..
وصفت له الشيخ كما رأيته ..
فقال : هنيئا لك هذه النعمة ..
مرت الأيام والليالي وحدث لمالك ما حدث وطارت به الدنيا جنوبا وشمالا
واستقر في القصيم وصار من سكان عنيزة وانقطعت عني أخبار فوزي
مدة من الزمن وشغل مالك بنفسه وحياته الجديدة ..
وفي تلك السنة أو التي تليها ..
يقدر الله تعالى أن يحصل للشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء حادث في مدينة الطائف حيث ارتطمت به سيارة وهو خارج من صلاة العصر..
فسقط الشيخ وكاد أن يهلك ..
وكانت في تلك اللحظات سيارة إسعاف مرت بغير ميعاد فحملت الشيخ وهم
لا يعرفونه إلى مستشفى الملك فيصل في الطائف..
فلما رأى الأطباء الشيخ وجدوا أن وسط جسمه وخاصة منطقة الحوض قد تكسرت وان حالته حرجة ..
تسامع أبناء الشيخ بالحادث وتسامع المسئولون بالأمر..
فنقل على الفور إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدى ..
فأجريت له العمليات تلو العمليات وعانى من ذلك اشد المعاناة ..
ومكث شهورا هناك حتى عافاه الله وهو الآن بحمد الله في نشاط وعافية سمع شيخنا بالحادث ..
وكان ذلك قبل وصولنا للطائف..
وكان الشيخ ابن منيع زميل شيخنا في هيئة كبار العلماء وكانت علاقتهما
وثيقة ولعلي في حلقات قادمة احكي مواقف جرت بينهما يصلح المقام لذكرها..
وصلنا للطائف بعد أسابيع ..
وكان الحادث قد حصل في أول إجازة الصيف ..
لم اسمع بخبر الحادث سوى من الشيخ حينما قال لي:
غدا سنذهب لرؤية الشيخ ابن منيع في المستشفى..
قلت له : أي مستشفى ياشيخنا !!
فأخرج ورقة من جيبه فقال:هذا اسمه وعنوانه ورقم غرفة الشيخ ..
في اليوم التالي انطلقنا للمستشفى ..
وكان شيخنا مرهقا بعد يوم عناء واجتماعات ..
نام قليلا وأنا صامت ..
والصمت يفتح باب التفكير والهواجس !!
وأنا في صمتي ذاك تذكرت فوزي عسيري!!
لا أدري والله كيف خطر على بالي ..
بعد سنوات تذكرته ..
تذكرت الزيارة الأولى ..وعشرات الزيارات التي تمت بيني وبينه..
نظرت لوجه الشيخ فكان نائما فلم أرد إزعاجه..
تنحنحت وما أخف نومه فاستيقظ..
قال : هل وصلنا ؟؟
قلت : تقريبا ..
وما زلنا في منتصف الطريق ولكنني فرحت باستيقاظه !!
فتوسط في جلسته ومسح وجهه وتمطى قليلا ..
ثم أخذ يتحدث معي..
انتظرته حتى ينهي حديثه ثم بادرته بقصة فوزي..
لم يعر الموضوع كثيرا في البداية نظرا لأن هموم المسلمين كثيرة والشيخ
يسمع يوميا آلاف القصص الشبيهة فكان يدعو له بالعافية ..
غيرت أسلوبي وطرحت الموضوع بصيغة جديدة ..
فأنصت الشيخ وأخذ يتعجب من كلامي عن ذلك الشاب..
وعلو همته وجده رغم حاله الغريبة ..
فزاد اهتمام شيخنا به ..
حتى قال لي : لم لا نحضره عنيزة ليدرس عندنا !!
أسوة بسامي العقيل!!
وهو احد طلبة الشيخ المجدين وسيأتي ذكره لاحقا عن شاء الله..
قلت له يا شيخنا : الرجل وضعه مختلف تماما ..
قلت له : حتى أن الرجل له أمنية في الحياة كم مرة سمعتها يتمناها..
قال : وهي؟؟
قلت : أن يراك!!
فقال الشيخ: وأين هو ؟
قلت له : هو مقيم في المستشفى دائما ..
فسكت الشيخ ثم قال : ومتى أجد الوقت لزيارته أنت تعرف أشغالي..
قلت : هو الآن في نفس المستشفى الذي نقصده..
فقال: خلاص رتب لي بعد زيارة الشيخ عبد الله ..
طرت فرحا بهذا الخبر وانتشيت وقلت في نفسي ..
يا فوزي لعل مناك سيتحقق وأنت غافل لا تدري..
وصلنا للمستشفى وتوجهنا لغرفة الشيخ عبد الله ..
فوجدناه على حال جيدة وهو ممدد على سريره
وعنده جمع من الزوار ومنهم التاجر المعروف عبد العزيز الجميح ..
قبل شيخنا رأس الشيخ ابن منيع فأمسك الشيخ ابن منيع رأس شيخنا فقبله ..
وتركتهما في حالهما وانطلقت ابحث عن فوزي.. لا الوي على شيء
سألت عنه فقيل لي موجود!!
ففرحت فقلبت المستشفى رأسا على عقب..
ووجهت له نداء بالسماعات حتى بلغوه ..
فوجدته وبالكاد عرفني فقد تغيرت ملامحي وسمنت قليلا ..
فقال لي اينك..؟؟
فقلت له : دعك من خبري الان ..
ألزم غرفتك سآتي لك بشيء بعد قليل..
وخرجت من عنده وتوجهت لغرفة الشيخ ابن منيع ..
فوجدت شيخنا واقفا يريد المغادرة ..
والناس تصافحه ..
نظر شيخنا في وجهي واخرج ساعته من جيبه ونظر فيها كأنه ينتظر موعدا..
فتجاهلت ذلك وقلت له : الرجل في انتظاركم..
قال : هل وجدته ؟؟
قلت : نعم..
ما شاء الله عليك جزاك الله خير..
دخلت على فوزي
فوجدته على سريره
فدخل الشيخ وسلم عليه ..
فلما وقعت عين فوزي على الشيخ كادت عينه تخرج من رأسه ..
لا تسألوني إخوتي عن مشاعره ..
لا أستطيع وصفها والله ..
قلت له:
هذه أمنيتك يا فوزي تحققت ..
ابن عثيمين بلحمه ودمه بين يديك!!
اقترب شيخنا منه وجلس على سريره ..
ودنا من رأسه ومسح عليه ودعا له ..
وقال له وهو مبتسم : كيف حالك يافوزي؟؟
لقد حدثني عنك مالك ..
بقي فوزي صامتا لا يدري ما يقول..
ينظر للشيخ وينظر في وجهي..
كأنه يقول : هل هذا هو!!
والشيخ صامت ويبتسم من مشاعر فوزي المتضاربة..
هززت رأسي لفوزي حتى يتكلم ..
فقال : هذه اسعد لحظة في حياتي والله أن تزورني ياشيخنا في هذه المكان ..
كنت أراك في التلفزيون والجرائد وأتمنى أن ألقاك..
وكنت أدع الله أن يحقق لي ذلك ..
ولكنني توقعت أن يحصل لي ذلك بأن أزورك أنا ولقد رجوت الناس أن أزور درسك في الحرم أو في دروسك في المحاضرات فلم يتحصل لي ذلك..
قال له شيخنا : ها انذا أمامك وجزى الله الابن مالك على أن دعاني لزيارتك..
دار بينهما حديث وبقيت استمتع بهذه اللحظات دون أن أتكلم بحرف واحد..
وأقول في نفسي : دع فوزي يستمتع فربما لن يتمكن من تكرار ذلك أبدا..
مكث الشيخ عنده لعشر دقائق ثم طلب منه الأذن فخرجنا ..
وودعت فوزي
ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخباره عني للأسف
فاللهم إن كان حيا فوفقه وارض عنه واجمعنا به على خير..
وإن كان ميتا فاغفر له وادخله فردوسك الأعلى واجمعه بشيخنا في جنات النعيم..
يتبع إ ن شاء الله ..

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19-05-2011, 12:49 AM   #68
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة السادسة والستون

انتهى برنامج شيخنا في الطائف ..
وعدنا لعنيزة ..
وكما العادة لم يتغير من برنامجي المعتاد شيء
فقد كنت طوال فترة بقائي هناك أستزيد بفضل المولى سبحانه من علم شيخنا كما هو حال الزملاء جميعا..
غير أن الله خصني بفضل الله بشيخنا فكان يزيدني عناية ويرفع همتي
ويتابعني في تفاصيل الأمور ومجملها، فلله الحمد سبحانه على فضله ومنته..
التحق بحلقة شيخنا أحد أقاربي وهو ابن عمتي أحمد ..
وسكن عندي في غرفتي مدة .
ثم انتقل لرفيق له في ذات السكن..
وأقبل على العلم وفقه الله وحصل خيرا كثيرا
وتعرفت في تلك المدة عن طريق أحمد بعدد لا بأس له من الطلبة ..
وكلهم من خيرة الطلبة جدا واجتهادا ..
وكانت أعمارنا متقاربة ..
ويجمع بيننا حب العلم والحرص عليه ..
ومنهم الأخ سعود الحربي ..وهو من أهل جده ..
توثقت علاقتنا نحن الثلاثة حتى جاءت لنا فكرة السكنى سويا خارج سكن الطلاب!!!
لم يكن شيخنا رغم مشاغله العظيمة لتخفى عليه هواجسي ..
فهو يدركها من فلتات لساني وارتباكي..
ولم يكن ابغض شيء لديه عندي من ذلك!!
فكان يقول لي دوما : الثبات الثبات يابني !!
عليك بالاستقرار على رأي واحد إن بورك لك فيه فالزمه ولا تحيد عنه..
قال لي مرة أحد كبار طلبته : والله ما خالفت شيخنا في أمر رآه إلا ندمت
عليه ولا سمعت توصيته ولزمتها إلا ووجدت التوفيق حليفي..
هذا ماقاله الأخ عن نفسه وواقع حاله ..
كان شيخنا يراني غضا قليل الخبرة ضعيف وما زلت في أول الطريق ..
وهذا هو الواقع لا شك!!
ولذلك كان القرار في مثل هذه الأمور راجعا إليه هو الذي يحكم فيه بما يتناسب مع وضعي..
حينما فاتحته في الموضوع ولمحت له فيه ..
رفض واستهجن وغضب..
وقال : ألحين توك واصل تدرس وقلنا فلان ماشي ومجتهد وتريد تطلع !!
خلك في العلم ولا يشغلك عنه شيء..
غيرت الموضوع وتناسيت القصة ..
ومرت شهور بعد ذلك ..
وأنا بحمد لله في خير حال ونسينا موضوع الخروج من السكن..
إلى أن جاء موقف لا أنساه وفتح الموضوع من جديد..
ولكن قبل ذلك سأحكي قصة ..
في إحدى الاجتماعات الشهرية مع الشيخ ..
اقترح أحد الطلاب أن نعد رحلة شهرية لطلاب السكن ..
لمدة يوم واحد للاستجمام ..
وأيده جميع الطلبة وفرحوا بهذا الاقتراح ..
وافق شيخنا على ذلك..
بل قال : سأكون رفيقكم في رحلتكم..!!
وافق ذلك هوى في النفوس وشعرنا بنشوة عجيبة أن يرافقنا هذا الحبر رغم أشغاله العظيمة..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
في اليوم الموعود وكان يوم خميس..
رتب المشرفون ذلك البرنامج وحدد الموقع ..
وكان ذلك لاستراحة التاجر المعروف الهويش..
والواقعة على طريق المذنب على ما أعتقد !!
شمال عنيزة..
بخصوص تنقلات الشيخ في عنيزة ففي الغالب ليس لي بها علاقة..
ولكنني طلبت منه ذلك وقلت له : أنا تحت تصرفك شيخنا ..
غير أن الوضع في عنيزة يختلف ..
فأبناؤه موجودون وهم تحت تصرف والدهم فحاجته لي غير واردة ..
قال لي شيخنا قبل موعد الرحلة بأيام
: نسق مع شخص حتى يوصلنا للاستراحة..
نسقت مع صديقنا القديم الأخ محمد زين العابدين..
انطلق الطلبة باكرا في الصباح ..
أما شيخنا فلم يتحصل له سوى أن يحضر بعد صلاة الظهر..
مكثت أنا في غرفتي حتى أرافق شيخنا..
استغرب الطلبة من عدم حضوري ..
وقال لي بعضهم معاتبا : تواضع يارجل !!
ابتسمت في وجه معاتبي ولم اجبه..
بعد الصلاة توجهنا مع شيخنا والأخ محمد للاستراحة المذكورة..
قال الشيخ : ايش البرنامج ..؟؟
قال له محمد : هناك غداء ثم أنت تقرر ماذا يكون بعد ذلك ..
وصلنا بعد حوالي عشرين دقيقة ..
دخلنا من البوابة الرئيسية ..
وصعدنا بالسيارة على طريق مرصوف للإيوان الكبير ..
فلما علونا ظهرت لنا الاستراحة كاملة ..
كان ترتيبها ومنظرها ساحرا ..
أشجارها منسقه قد رصت على الطرق وانتشر ظلالها
وتحيط بها الألوف من شجر النخيل ..
وزاد المنظر جمالا تلك البساتين المحيطة الغاصة بكل ما يبهر ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
توقفنا أمام الإيوان وكان طلبة الشيخ في انتظاره..
نزل فاجتمعوا حوله وسلموا عليه ولا تسل عن فرحهم وابتهاجهم بوجود الشيخ معهم..
دخلنا للإيوان الفسيح ..
فشممنا رائحة الطعام ..
وجلس الشيخ وتحلق حوله طلبته ..
ثم بدأ في الحديث معهم وقال : كيف كان يومكم ؟؟
فكان الحديث حديثا غير متكلف كما يتحدث الولد مع أبيه ..
وهذا ما كان يريده شيخنا رحمه الله ..
قدمت القهوة والعصيرات الباردة .. تسابق الطلبة في خدمة شيخهم والتحدث معه ..
فكل يدلي بدلوه وكان الحديث عاما بكل تكلف ولا شطط وبأدب مع الشيخ..
من فوائد تلك الرحلات هو اكتشاف المواهب كما يقولون !!
اكتشفنا أن بيننا طالبا مغمورا ولكنه موهوب !!
موهوب في مجال الطرافة ..
رغم جده واجتهاده في العلم..
في البداية استحى من شيخنا ولكن إصرار الطلبة عليه وكأنهم خبروه ذلك
النهار كله أجبره على الحديث ..
الأخ عبد الله باطرفي !!
وهو من سكان جده واصله من بلاد اليمن..
كان جاري في الغرفة المجاورة في السكن ..
ولكن الجو العلمي وانشغالنا بالطلب يقلل لقاءاتنا سوى في المطعم أو في الدرس ..
فنادرا ما نتواصل!!
استلم عبد الله الشيخ !!
فكان يسمع تعليقاته من خلف الصفوف ولا يراه فيضحك الطلبة ويضحك شيخنا له ولا يراه!!
وكان نظر شيخنا ضعيفا ..
ولكنه يعرف هذا الصوت !!
فنادى على هذا الطالب وقال : من هذا خلوه يتقدم عندي..
أذكر جيدا وكأنني أرى ذلك المنظر أمامي الساعة..
حينما وقف عبد الله من خلف الصفوف وتقدم خجلا حتى جلس بين يدي شيخنا ..
فلما رآه الشيخ عرفه وقال له:
إيه ياعبدالله ايش عندك ؟؟
أتحفنا عبد الله وأسرنا بسواليفه مع الشيخ حتى قدم طعام الغداء..
قدم الطعام والذي طبخه الطلبة مع العمال ..
فكان جوا عائليا بين الطلبة وشيخهم..
نزع الشيخ بشته ورمى عمامته فوق رأسه ..
وقام من بين الصفوف وتوجه للمغاسل ..
ثم جلس بين الجميع وأكل معهم ..
وكان عبد الله باطرفي يسأله في مسائل علمية فيقول له الشيخ :
ياعبد الله أنت الآن تسألني وأنا أجيب أسألتك فتلتهم الطعام وأنا أجيبك !!
فضحكنا على عبد الله لأن الشيخ ألجمه قليلا !!
ولكن شيخنا كان يتحدث بكل بساطة فيضاحك هذا ويرد على كلام هذا
ذكر أحدهم السباحة وقالوا المسبح ..
فقال شيخنا : هل سبحتم ؟؟
قالوا : يوجد مسبح في الخارج ..
قال الشيخ : كنا في أيام الطلب نخرج مع شيخنا ابن سعدي رحمه الله فنسبح في البرك والوديان ..
فقال عبد الله : هذا في أيام الطلب!!
فقال الشيخ : كأنك تقول أنني كبرت ولم اقدر على ذلك الآن!!
فقال : ما أظنك تقدر يا شيخنا !!
فلمعت في وجه الشيخ ابتسامة وقال : سنرى!!
تغدينا ثم قدم الشاي ..
وجلسنا حول الشيخ لننظر ما هو فاعل ..
جاء عبد الله وكان الشيخ ينتظره ..
وقال : هاه ياعبد الله فيك حيل..
وكان عبد الله رجلا سمينا ..ويسير بتثاقل..
قال : على أي شيء ؟؟
قال : السباحة !!
قال : بالتحدي ياشيخ ..
فقام الشيخ من فوره ..وتوجه لخارج الإيوان ..
خرجنا معهم فلحقت بالشيخ ..وهمست في أذنه ..
وقلت له : هل ستسبح بثوبك ..
فقال لي : هل عندك ملابس سباحة ..؟؟؟
قلت : نعم سأحضرها من السيارة ..
دخل الشيخ لغرفة التغيير وخلع ثيابه ولبس ذلك اللباس ولم يخلع فلينته ..
خرج الشيخ بغير ما دخل .. دخل بثوبه وغترته ..
وخرج حاسر الرأس لحيته بيضاء ناصعة ووجهه أبيض تلمع فيه وجهه ابتسامة أضاءت المكان..
لما رأى الطلبة الشيخ وخصوصا عبد الله ..
اجتمعوا حول المسبح ..
فقال شيخنا : طب ياعبد الله ..
فقال : أنت أولا !!
حتى إذا غرقت أنقذناك !!
فضحكنا ..
فقفز شيخنا في الماء وسبح وكان عمره حينها حوالي الأربعة وستون سنة..
ثم لحقه عبد الله ..
ونزلت أنا وغيرنا ..
سبح الشيخ مع تلاميذه ودار في المسبح ..
وتوسط الماء ووقف فيه بحيث يثبت في وسط الماء ولا يتحرك
وقال : هكذا كنا نفعل مع شيخنا ..
حاولت أنا ولكنني لم اقدر ..
أما عبد الله المطرفي فاكتشفنا انه لا يسبح !!
استمتعنا في تلك الرحلة مع شيخنا وتواضعه وسماحته رحمه الله ..
لقد كانت تلك الرحلة مؤثرة في نفوس الطلبة مع شيخهم ..
فقد عمقت الصلة وقوت الرابطة وزادت المحبة ..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
استأذن الشيخ وخرجت معه برفقة محمد وكان العصر قريبا ..
فقال الشيخ في طريقنا : أريد أن أقيل ولو عشر دقائق قبل العصر ..
فعرضت عليه أن يأتي غرفتي المتواضعة في السكن!!
فقال : لا بأس..
توجهنا للسكن وكان شبه فارغ..
وصعدنا لغرفتي ..
والحمد لله أنها كانت مرتبة ونظيفة!!
وضعت له الفراش فنام حتى أذن العصر ..
حينما سمع النداء استيقظ ..
وتوضئ في مواضئ السكن ..
ثم دخل الغرفة وتسنن أربع ركعات ..
ثم جلس ينتظر موعد الإقامة ..
قلب نظره في غرفتي فرآها ضيقة جدا !!
وقال : ما شاء الله عليك هذا وأنت الحالك!!
حيث تكومت الكتب في الرفوف وغصت فوضعتها في أطراف الغرفة
بطريقة مبعثرة ولا يمكن الاستفادة منها إلا بصعوبة ..
هذا غير كتب الأخ محبوب..
فقال شيخنا : تبي نغير لك غرفة أوسع ؟؟
قلت له : الغرف كلها متقاربة ..
قال : صحيح حنا يوم بنينا السكن ما كنا نتوقع هذا الإقبال من الطلبة ..
ولكن سنجد حل لك إن شاء الله ..
يتبع إن شاء الله ..



يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-05-2011, 02:15 PM   #69
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة السابعة والستون

لم يستنكف شيخنا رغم مشاغله أن ينظر في أمري سريعا..
ولكنه رجل متزن وهادي ويأخذ الأمور بتؤدة حتى ولو رآها الآخرون هينة..
وهكذا العلماء في أمورهم وشئونهم كلها ..
رأى الشيخ أنه ليس من الإنصاف مع طلبته أن اسكن وحيدا يخصني من دونهم وهذا غير وارد على الإطلاق في قاموس الشيخ رحمه الله..
والخيار الآخر هو الخروج من السكن وهذه كان الشيخ يستريب منها ..
وذلك أن الشيخ لاحظ أن كثيرا من طلبته حينما يخرجون من السكن يقل مستواهم في الحرص على التحصيل و بعضهم يتغيب عن بعض الدروس وبعضهم يلتحق بحلقات أخرى لعلماء آخرين فيكون في ذلك تشتيتا لمصادر التلقي..
هذا لا شك لا ينطبق على الجميع ..
فهناك مجموعة كبيرة من خارج السكن هم أحلاس الحلقة ونجومها فلا يعم ذلك الجميع ولكنني أتكلم على الطلبة المستجدين أو الذين لم يمر على وجودهم فترة طويلة كحالي ..
كل هذه الأسباب قد جعلت شيخنا يتردد بالسماح لي بالخروج من السكن ..
كان شيخنا يعرف ابن العمة أحمد ويرى منه الجد والاجتهاد..
وكذلك الأخ سعود الحربي ذو الأخلاق العالية والسماحة..
فكنت أذكره أنهما سيكونان رفيقاي خارج السكن ..
وأنني برفقتهما وحرصهما على العلم سنكون خير فريق وسنتعاون فيما بيننا على التحصيل..
اتصل علي الشيخ يوما وقال : اذهب وقابل فلان في شارع السلسلة بجوار منزلي القديم..
وصلت فوجدت الرجل المذكور فسلم علي ..
وبادر ..
وأدخلني عمارة متهالكة وقديمة تصدر من جنباتها روائح العزاب !!
صعدت معه للطابق الثاني في درج مكسر ووقف أمام باب شقة متهالك
ثم فتحة بعد معاناة وما إن رأيت المكان حتى أصابتني قشعريرة من اتساخه والروائح الهائلة والغبار ...
كل ذلك وأنا لا ادري عن الحاصل !!
قلت للأخ : طيب !!
قال : أظن هذي بتكون شقتك !!
تلبد وجهي وقلت له : ومن يقوله ؟؟
قال : الشيخ هو اللي كلفني بالبحث لك عن سكن!!
بقيت انظر في وجهه وأنا صامت ..
وبقي ينظر إلي محتارا لا يدري ما يقول!!
تذكرت غرفتي في السكن في نفسي فحمدت الله على العافية ..
شكرت الرجل وقلت له جزاك الله خير وما قصرت ..
ناولني المفتاح!!
وقال : هذا مفتاحك استودعك الله !!
وغادر!!
تجولت في شقتي الجديدة !!
غرفة صغيرة عن يمين الداخل ثم حمام أجلكم الله .. تنبعث منه روائح .. ظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!
ثم بجوارها غرفة أخرى واسعة قليلا قد نبتت في جنباتها خيوط العناكب فحولتها إلى غرفة أشباح ..
في زاويتها نافذة متهالكة حاولت فتحها فغمرني منها غبار لم أرى قط مثله في حياتي ..
انتثر على ثيابي وشماغي ورأيت أثر ذلك حينما خرجت في وجوه الناس وهي تضحك من منظري!!
هذا كل شيء ..
ولا يوجد مطبخ !!
جدرانها صفراء ..
أما الجيران فهم مجموعة من العمالة العربية والآسيوية ..
تفوح في جنبات العمارة روائح البهارات والطبخ منذ أن تمر بجوارها..
قابلت شيخنا ظهرا ..
وبادرني قائلا : هه!!
كيف رأيت السكن الجديد!!
قلت له : والله يا شيخ ودي تشوفه أنت أيش رأيك ؟
وصلنا بجوار العمارة وكانت على طريق منزل الشيخ ..
ثم استأذن من الناس ودخل معي ..
كان الشيخ وهو يصعد الدرج يقول : ما شاء الله .. ما شاء الله!!
فكنت أقول في نفسي : اصبر وسترى العجب!!
فتحت الباب ..وكنت أراقب تقاسيم وجه الشيخ !!
فرأيته معجبا مما يرى !!
تجول فيها ونظر هنا وهناك .. وتجول في غرفها ..
قال : أبد استعن بالله وانزل فيها !!
قلت له : هل أعجبتك يا شيخنا ؟؟
قال : ممتازة !!
شكرت شيخنا وقلت له : جزاك الله عني خير الجزاء ..
ونزلنا وشيعته حتى بيته ..
عدت للسكن وأنا حائر ..
أفكر كيف سأنتقل لهذه المرحلة الجديدة ..
دخلت غرفة سكني ..
تذكرت مراحل وصولي لعنيزة ..
آه كيف سيكون حالي في السكن الجديد..؟؟
لا شك أن الإنسان يرغب أن يكون الجو المحيط به مثاليا ..
أنا اعتدت على حياة كما هم أبناء بلدي ..
صحيح أنني عانيت حتى وصلت على ما وصلت إليه ..
ولكن العيش في مثل ذلك المكان شيء صعب للغاية لم أجربه من قبل..
هل تريدون أكمل مالذي حصل ؟؟
كانت نفقتي ليست بالكبيرة ..
وقلت للشيخ رحمه الله ..
المكان يحتاج لتنظيف وشراء أثاث ووو..
فقال لي : صاحب العمارة سوف يفعل لها صيانة!!
كان خبرا سعيدا ..
وقلت متى سينتهي !!
قال :خلال أيام ..
مررت على السكن بعد أيام لكي أرى الصيانة الجديدة ..
فلما وصلت باب الشقة شممت رائحة الطلاء من الخارج..
فاستأنست وأملت شيئا كبيرا ..
فتحت الباب فوجدتها قد طليت ولكن أي طلاء!!
ترقيع !!
هنا وهناك وغالبها بالمعجون وليس بالطلاء..
هذا كل ما فعل!!
اتصلت على صاحب العمارة وقلت له : هل انتهيتم؟؟
قال : خلاص انتهينا ويمكنك النزول الآن!!
استحييت أن ابلغ الشيخ بالحاصل ..
واعتبرت الموضوع انتهى..
سأفتقد جو العمارة والمكتبة والبحوث والطلبة الأفاضل لأنزل في مكان مختلف الله اعلم كيف سيكون الحال فيه ..
أرجو أن لا أكون أثقلت على إخوتي بمثل هذه التفاصيل ولكنني أريد أن اشعر إخوتي القراء بالجو الذي يعيشه طلبة العلم ..
أنا اعلم أن هناك من طلبة الشيخ ممن اعرفهم أو لا أعرفهم ..
وقد يكون بعضهم يقرأ كلامي هذا ..
قد وجدوا من العنت والظنك والمعاناة شيئا تعجز عن تصديقه ..
أعرف من ينام طاويا كل ليلة ..
اعرف من نام أسابيع في الجامع ولا يجد مأوى يأوي إليه ..
رأيت احدهم لا يجد مقصا يقص به أظافره ..
منعهم الحياء والعفاف عن سؤال الناس ..
يحضرون الدرس ويخرجون لا يعلم عنهم احد إلا الله سبحانه ..
ولكنهم يحملون في نفوسهم همة ورغبة في العلم تفوق الجبال ..
أولئك حصلوا خيرا عظيما وأعرف عددا منهم الآن في بلدانهم هم شامة قد أحيا الله على يديهم قلوب الآلاف ..
اتصلت على سعود واحمد ودعوتهما لرؤية السكن الجديد..
اتفقنا جميعا على أن المكان يحتاج لإعداد وتجهيز !!
جمعنا ما لدينا من مال يسير ..
وأخذنا في تنظيفها وترقيعها كيفما تيسر .. اخترت أنا الغرفة الأولى على الباب مباشرة ..
وسيكون الأخ سعود واحمد سويا في الغرفة الكبيرة ..
وهذا ما تم بيننا ..
نقلت مكتبتي..
ونقل سعود واحمد ما لديهم من كتب وكانت قليلة فيما اذكر..
اظننا وضعناها في مكان واحد لا أذكر والله..
كانت مشكلة الطعام ..!!
ولا أظن واحدا منا يطبخ !!
وأين سنطبخ؟؟
قال شيخنا : تأكلون في السكن مع الطلاب!!
وهذا ما حصل ..
كان التأقلم مع الحياة الجديدة صعبا للغاية ..
تعودنا على أذان الجامع ..
وعلى الجو العلمي المحيط بنا
كانت النقلة هائلة على النفس والله ..
وأظن الأخوان شعرا بما شعرت به..
أما أنا فقد صرت يوميا انزل لباب العمارة ..
وانتظر قدوم الشيخ فأرافقه للمسجد ..
وهذه ميزة جديدة حصلت عليها ..!!
ولم أكن اشغله عن حزبه حيث يقرأ القرءان في الطريق..
ولكنني كنت أرافقه على كل حال ..
يتبع إن شاء الله ..

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-05-2011, 12:36 PM   #70
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة الثامنة والستون

كان لي في تلك البناية ذكريات لا تنسى ..
خاصة برفقة الأخوين الكريمين أحمد وسعود..
مرت علينا فيها ساعات ألذ من الشهد..
ومرت علينا فيها مواقف عصيبة كما هي الحياة.. دوما لكن ذكرياتها العطرة أكثر وعبيرها في النفس أبقى
إن التأقلم مع الحياة الجديدة وفي جو جديد يحتاج لصبر ومثابرة..
حاولنا جميعا أن نتناسى ما مضى ونبدأ حياتنا الجديدة وبهمة ونشاط
أذكر أن أول شيء عانينا منه هو الاستيقاظ لصلاة الفجر!!
هذا هو الواقع!!
حينما كان يؤذن الريس وهو لقب مؤذن الجامع الكبير..
كانت سماعات المسجد ترن في آذاننا فيقوم الطلاب جميعا..
حيث أوصلت لمنائر السكن سماعات أمر شيخنا بوضعها ..
فلا يبقى لأحد حجة على فوات الصبح..
بل كان الشيخ رحمه الله إن رأى وهو في طريقة للمسجد .. نافذة مضاءة وظن أن أحدا غرفته ولم ينزل للصلاة
يصعد إليه فيضرب عليه الباب ليوقظه للصلاة ..
وكم مرة فوجئت بقرع الباب فأجد الشيخ أمامي!!
فلا تهاون عند الشيخ في ذلك..
أما هنا فالوضع مختلف!!
يؤذن مؤذننا بارك الله فيه بصوت لا تكاد تسمعه..
وكان رجلا مسنا ..
ونحن غالبا نسهر للمذاكرة كعادة الطلبة..
ومن المعيب أمام الله ثم عباده أن يظهر طلبة العلم أمام الناس
بأنهم أكسل الناس عن صلاة الفجر ..
اسمحوا لي أن اروي لكم إحدى معاناتي مع المنبهات..
اشتريت لسكني الجديد منبها فكسرته مرارا وأنا نائم لا أشعر!!
كانت تصيبني كآبة حينما استيقظ بعد خروج الناس من المسجد..
وتزيد كآبتي حينما أرى شيخنا في الظهر فيقول لم أرك فجر اليوم!!
فأرخي رأسي حياء وأخبره أنني نمت عن الصلاة!!
فيعرض الشيخ عني معاتبا لتكرر ذلك مني!!
كان الأخ سعود في أول الأمر أخفنا نوما ولكنه رجل حيي يطرق الباب بأدب ثم ينصرف.
فلا يغني ذلك عني شيئا..
وليته خلع الباب وأيقظني فلا ألومه..
حينما تكررت الحال ..
ذهبت لمحل الساعات فقلت للعامل..
أعطني منبها قويا يصدر صوتا مزعجا !!
كان رجلا لبيبا فيما يظهر..
قال : أكيد عندك مشكلة في النوم !!
عندي لك ساعة ممتازة تصدر صوت مزعج وإغلاق المنبه يحتاج لشخص مستيقظ!!
يعني ماذا ؟؟
قال : جرب وسترى!!
نقدته 120 ريالا!!
وأخذت ذلك المنبه السحري..
حينما رن فجرا قبل الأذان أصدر صوتا مهولا يذكرك بجرس المدارس ..
قفزت من فراشي وبحثت عن مكان الإغلاق في المنبه فلم أجده !!
بقي المنبه يصم أذني وظننت أن الجدار سيسقط من صوته حتى هممت أن أرطمها به لتلحق صاحباتها!!
ولكنني استيقظت وهذا هو القصد!!
ذهبت للعامل ضحى وقلت له : كيف أغلق هذه الساعة يا رجل؟؟
ضحك وقال: هنا وأشار لموضع الإغلاق حيث صنعت الشركة موضعا تحتاج لمعاناة ومشقة بضغط عدة أزرار وعلى كل فقد انتشرت ويعرفها من يعاني مثل معاناتي حينها!!
يقولون إذا كثر المساس قل الإحساس ..
بعد مدة اعتدت على صوت جرس تلك الساعة بحيث أنني لم أعد استيقظ على صوتها المروع !!
فمن أين لي بساعة أخرى!!
جلست مع سعود وأحمد وقلت لهما أنا عجزت في أمري رجاء ابحثوا لي عن حل ..؟؟
فاشتكيا أنهما صارا يعانيان مثل معاناتي وبأنهما بسبب السهر والبرد تفوت عليهما الصلاة مرارا ..
قررنا في تلك الليلة أن نربط الساعة بحبل فوق مروحة الغرفة!!
ونجرب ذلك فمن يستيقظ أولا يوقظ الآخرين !!
في اليوم التالي سمعت جلبة في الغرفة المجاورة
فدخلت على جيراني
فرأيت سعود وأحمد يقفزان كالمجانين كل يريد الوصول لتلك الساعة
الرهيبة ليغلق صوتها الذي يصم الآذآن!!
لا أنسى أبدا منظرهما المضحك وهما يصرخان ويولولان ..
حتى انزلاها ..
وقالا لي :خذ ساعتك هذه لا نريد أن نراها مرة أخرى ..!!
سامحوني إخوتي فقصة الساعة والاستيقاظ تلك وجدتها ملقاة بالذاكرة أحببت
ذكرها ليقرأها أبنائي ومن قد يهتم ..!!
أذكر مرة أنني في الطائف قبل أن انتقل للقصيم أنني طلبت من إحدى
أخواتي أن تربط يدي بالطاولة حتى لا أغلق المنبه الذي بجواري ..
ظنتني جننت ولكنها أذعنت لطلبي..
فنجحت تلك الفكرة لأيام قبل أن اكسر الطاولة!!
وهذه حيلتي تلك الأيام والله المستعان على زمن الطاعة والتعبد!!
وضعنا لنا سعود وأحمد وأنا
برنامجا صارما في الدراسة ..
كل بحسب رغبته وتوجهه وطريقته في التعلم ..
أخونا احمد كان يجلس وقتا طويلا بمسجد الجعيفيري المجاور..
يراجع محفوظاته وهو محب للعزلة من طبعه..
وحصل محفوظات جيده ..
وسعود انشغل بدراسته وكتبه وجامعته حيث كان طالبا بجامعة الإمام..
وأنا أكملت برامجي التي اعتدت عليها وبحوثي
كان اللقاء بيننا تقريبا على الطعام وجلسات بسيطة غير منظمة..
لكن نبتت بيننا لحمة ومودة كبيرة نمت مع الأيام..
ولا تخلوا أبدا من الخلاف والنزاع والهجر أحيانا !!
وقد كنا جميعا في مقتبل العمر والحياة تجارب ولكن يعلم الله أنني أكن
للأخوين سعود واحمد من المحبة والمودة مالا يمحوه الدهر ..
وأحن لتلك الساعات والأيام كما تحن الأم على ولدها ..
فسقى الله تلك الليالي والأيام..
ومصدر الخلاف إن وجد فهو تافه ولا يذكر بوزن الآن..
كانت تدور بيننا نقاشات علمية ومحاورات قد تتطور حتى تصل حد الخصومة..!!
وهكذا هو جو طلبة العلم المستجدين حوار ونقاشات ..
فيعود أحدنا لمراجعه وينقب عما يؤيد رأيه وفي اليوم التالي يلقي كل بما عنده فلا نصل لنتيجة ..
فيبقى الواحد مخاصما لصاحبه لماذا لم يتبع رأيي!!
كنا أغرارا وقليلو الخبرة وهكذا الحياة لا تتعلم منها سوى بعد فوات الأوان!!
أذكر مرة أنه زار الأخ سعود أحد طلبة العلم في شقتنا ولم أكن اعرف الرجل من قبل وفي تلك الأيام انتشر في الأسواق كتاب للشيخ الألباني أثار ضجة هائلة بين طلبة العلم ..
حول حكم تارك الصلاة..
و كنت قد دونت بحثا أتعصب فيه لرأي شيخنا المشهور في المسألة وهو الحق الذي لا شك فيه عندي
وتتبعت فيه أدلة الشيخ الألباني رحمه الله..
ودونت تعليقات عليها وملاحظات ..
فكنت مستوعبا للمسألة ومدركا لكثيرا من تفصيلاتها ..
وكأني لمحت من الطالب ذلك انه يميل لرأي الألباني..
وكان سعود محتفيا به فهو ضيفه ويعرف حدتي فلا يريد أن يفتح بابا للنقاش والذي يعرف حق المعرفة خاتمته..
ولكنني اندفعت عليه وأخذت أسرد عليه من النصوص والشواهد والحجج ما جعله بتلجلج ويخرج من المجلس مغضبا ..
فأخذ سعود في نفسه علي وقال لي: يا أخي ليس هذا وقته!!
ومع ذلك فلم تكن تلك المواقف البسيطة والتافهة لتؤثر في حياتنا فلدينا
من الذكريات والجلسات المفيدة والمواقف الحميدة ما لا يكاد يحصر
لم يكن الأخ سعود وأحمد معتادان على الخلطة بالشيخ ..
ولقد كنت خير سبيل لهما في ذلك ..
كان شيخنا رحمه الله يدخل شقتنا في الشهر مرارا..
وكان يدعونا دوما لبيته إن جاءه ضيف ..
وكم عادنا إن مرض أحدنا وبعث لنا من طعامه وهداياه وصلاته التي لم تنقطع فقد عدنا جيرانه من وجهين ..
جيرانه في بيته القديم والذي عاش فيه اغلب عمره ..
وجيرانه في بيته الحديث والواقع في نهاية الشارع ..
في إحدى زيارت الشيخ للشقة قلت له :ارغب يا شيخ في شراء وسائد
لكي نتكيء عليها من برد الجدران وإن جاءنا ضيف تجملنا معه!!
فقال : ليس هذا بضرورة !!
ويكفيك أن تضع قماشا أو شيئا خلف ظهرك وبذلك تتكيء عليه!!
رحمه الله ما أبسطه وأزهده بزخارف الحياة..
ولكنه في النهاية سمح لي بشرائها !!
ولم تمر شهور بعد ذلك حتى بدلنا المكان فصار يأتينا الزوار ويقولون لنا..
كأنكم لستم بعزاب !!
يتبع إن شاء الله

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-05-2011, 11:15 PM   #71
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

الحلقة التاسعة والستون

المواقف كثيرة فدعونا نحكي ما يعجل بالحكاية ويوصلنا لنهايتها على لا يدخل الملل على القراء الكرام..
وقد يكون بعضكم يرغب أن أفصل أكثر وأن أجعلها كأنها مذكرات يومية ولكن هيهات..
دون ذلك تنقطع الأعناق فوالله ما أدونه هنا يسقط من رأسي دون أن ارجع لشيء مكتوب ..
فلا يلومني لائم في تقدم بعض الأمور وتأخر البعض فهذه حيلتي والله المستعان..
اتسعت مكتبتنا يوما بعد يوم وهذا ما سهل علينا معاناة التنقل للمكتبة والبحث في المراجع..
كنا نجتمع والإخوة الأفاضل سعود وأحمد في المكتبة فنراجع ويقرأ كل كتابه أو يراجع حفظه أو يدون بحثه ..
ما أحلى تلك اللحظات الدافئة حينما نستيقظ في الصباح الباكر وخاصة في الإجازات فنشغل المدافيء في برد عنيزة القارص وينكب احدنا على كتابه فيغرق فيه فلا يرفع رأسه حتى أذان الظهر!!
ونحن والله لا نشعر بالملل ..
وليس ذلك بالدائم على كل حال !!
فمراحل الفتور والضعف لا بد منها ..
لا أنسى تلك الوجبات الدافئة من طعام الحنيني !!
وهو من الوجبات الشعبية في القصيم والتي كنا نشتريها من المحلات وهي مغلفة وجاهزة..
فنطبخها على موقد كهربائي متواضع فلنتهم تلك العجينة المخلوطة بالتمر والزبد والقشط فتعطيك الطاقة وتذهب الجوع وتشعرك بالدفئ ..
فتبقى شبعان نشطا طوال نهارك!!
أما عن أوقات الفراغ وما اقلها فكنا نقظيها سويا في زيارة المزارع المحيطة بعنيزة وما أكثرها فكنا نتنزه ونسير بين النخيل الباسقة والظلال الوارفة ..
ذهبنا مرارا لمزرعة الشيخ عبد الله الجلالي والتي هي مفتوحة لكل من يريد دخولها..
فنسبح في بركتها الكبيرة ..
خرجنا في رحلات بسيطة واستأجرنا سيارة جيب سوزوكي!!
أو كنا نستعير من أحد الإخوة سيارته فنخرج لصحراء عنيزة فنطعس فيها فلا تسل عن تطعيس أهل الحجاز في نجد!!
لم تكن حياتنا تسير على رتابة واحدة فنحن بشر ..
نعيش في جد وهو غالب شاننا والحمد لله ..
ونخلطه بالهزل والاسترواح أحيانا ..
كنت قرأت عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انه كان يقول عن نفسه كنت أقرأ في تفسير الآية مائة تفسير فربما عسر علي من فهما فأخرج وأسير في المزارع أو قال في الطرقات وادخل المساجد المهجورة أو القديمة وأتمرغ في ترابها وابكي وأقول: يا معلم آدم علمني ويا مفهم سليمان فهمني..
ولقد فعلتها مرارا كما كان يفعل الشيخ حيث كانت تضيق علي بعض المسائل ..
فيفتح الله علي بذلك فتحا عظيما والحمد لله ..
ولقد سألت شيخنا رحمه الله عن معنى قول الشيخ : مائة تفسير ..
فقال : يقصد شيخ الإسلام مائة تفسير بمعنى مائة قول ..
فمن المستبعد أن يقصد الشيخ مائة كتاب في الآية الواحدة فهذا ما يستحيل تخيله .. وهذا نظير قول العلماء عن حفظ الإمام أحمد انه حفظ ألف ألف حديث !!!
فالمقصود هو الروايات والأسانيد لا عدد النصوص المروية ..
والله اعلم ..
زارنا في تلك الشقة المتواضعة إخوة كرام بقيت ذكراهم العطرة في الذاكرة حتى يومي هذا ..
منهم الشيخ الفاضل مصطفى العدوي بارك الله فيه ولي مع هذا الرجل مواقف جميلة سأذكرها في حينها إن شاء الله ..
ممن كان يعودنا دوما جارنا إمام المسجد الأخ عبد العزيز السليم وكم سمعته مرارا يقول للأخ سعود وأحمد : هل تأتي امرأة للمنزل فتنظفه لكم؟؟
لما يراه من ترتيب وتنظيم فيها لم يعهده من العزاب!!
هذه شهادة ..
كنت مدمنا للبحث العلمي وقد شجعني شيخنا على ذلك بل كان يكلفني تقريبا كل يوم بكتابة بحث بسيط عن مسألة ثم يقرأ بحثي وقد يعلق عليه ويشرح..
وخصوصا تخريج الأحاديث ..
سمعته مرارا وقد قالها علنا في دروسه ..
أنه ندم على عدم اشتغاله بعلم الحديث حيث لم يكن في نجد في تلك الفترة أي اهتمام يذكر بهذا العلم العظيم ..
كنت اجلس في تخريج الحديث الواحد وجمع رواياته وأسانيده والحكم على كل سند ورجل وطبقة فأبقى اليوم واليومين حتى اسلم البحث للشيخ فيقرأه ثم يعلق عليه بالكتابة أو شفهيا فيقول : لا ،زده بحثا أو هذا يكفي أو نحو ذلك ..
وكم كنت أغتبط حينما يعلق بالقبول على ما قلته ويؤكد ما توصلت إليه والحمد لله ..
خير من استعنت به من طلبة الشيخ في هذا المجال هو الأخ زياد النشيري
وهو شاب جمع الله مكتبة حديثية لا يوجد على ما أظن مثيلا لها في عنيزة بين طلبة العلم..
كنت أعوده في غرفته الباردة دائما في السكن!!
أو في عزبته الجديدة فيفتح لي مكتبته بارك الله فيه فأقلب مراجعها واستعين به إن فرغ فأجد بغيتي عنده ..
كان الأخ زياد يتعجب مني أحيانا حينما يراني أكاد اقفز من الفرح حينما احصل بغيتي بعد عناء ومشقة !!
شعرت مرارا أنا والأخ سعود وأحمد بضعفنا الكبير في جمع فقه الإمام احمد..
حيث أننا نرغب في معرفة المذهب على الخصوص ..
كنا ندرس لدى شيخنا رحمه الله فقه الإمام أحمد في الزاد ولكن يختلط علينا أحيانا مذهبه بالمذاهب الأخرى ..
فحاولنا أن نجد طريقة لدراسته على انفراد على احد مشائخ عنيزة المعتبرين..
قام الأخوين الكريمين بزيارات ومحاولات مع احد شيوخ عنيزة
وهو الشيخ محمد بن عثمان القاضي ..
وهو من تلاميذ الشيخ ابن سعدي ومن تلاميذ شيخنا أيضا .. ولكنه اعتذر ورفض!!
وقال : لا أستطيع..
وكم زرناه وتوددنا له ولكنه أصر بالرفض..
ولعله ظننا غير جادين في المسألة ..
كانت قضية ضبط المذهب لوحده أمنية لي لم تتحقق حتى هذه اللحظات والله المستعان ..
رغم ما حصلته من علم شيخنا من شرح الزاد فهو خير والحمد لله ..
في تلك السنة أو التي تليها ..
حدث حفل السنة ..
حيث أعلن في بريدة عن قرب تخريج عدد من طلبة العلم الذين حفظوا الكتب الستة !!
حينما سمعت من طلبة العلم ممن يذهب لبريدة عن ذلك البرنامج ظننته مبالغة ..!!
قلت في نفسي : البلوغ أو العمدة أما الكتب الستة فمن سيحفظه في هذا الزمن!!
سوى ما سمعته عن الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله .. فهو فريد زمانه.. هذا ما اعتقدته..
أعلن عن حفل السنة قبل أسبوع ..
وتسامع الناس بذلك ..
وأذكر أن الحفل كان يوم ثلاثاء..
قبل الحفل بيوم أو يومين قيل لشيخنا في الدرس : يوم الثلاثاء ليس هناك
درس أليس كذلك ؟؟
قال : ولم ؟
قيل : حفل السنة!!
قال الشيخ : لم ادع له!!
وجم الطلاب وشعرت بخيبة في نفسي والله من هذا التصرف الغريب..
فقد سمعنا من الاستعدادات لهذا الحفل والدعوات التي وجهت للعلماء
الكبار في أقطار العالم وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز وغيره من جلة
العلماء ثم نفا جيء أن الشيخ ابن عثمين لم يدع !!
على كل الموضع له قصة سأحكيها بتفصيلها في الحلقة القادمة
يتبع إن شاء الله..



هذا آخر ما كُتب .. وقد كتبه يرحمه الله بتاريخ ( 29-11-200507:28 )
يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-05-2011, 01:01 PM   #72
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية البيلسان
 
تم شكره :  شكر 15 فى 11 موضوع
البيلسان is an unknown quantity at this point

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة  
هذا آخر ما كُتب .. وقد كتبه يرحمه الله بتاريخ ( 29-11-200507:28 )

 
رحمة الله وغفر له ..

ولكن هل يعني ذلك انتهاء اليوميات ؟!!
التوقيع
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ..
استغفر الله الذي لا إله الا هو الحي القيوم واتوب اليه ...

البيلسان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-05-2011, 01:58 PM   #73
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

[QUOTE=البيلسان;1472389]رحمة الله وغفر له ..

ولكن هل يعني ذلك انتهاء اليوميات ؟!![/QUO

اللهم آآآآآآمين وموتى المسلمين أجمعين

عزيزتي (البيلسان) بارك الله فيك وفي متابعتك لهذه المذكرات التي أعتبرها من وجهة نظري كنز من الكنوز,,,متابعتك لها حبيبتي يدل على حبك للعلم والعلماء
جعلك ربي مباركة حيثما كنت وزادك علم وأدب

بقي عزيزتي ملحقات أولها,,,,

ملحق
( في وداع والدي أبي محمد رحمه الله )




بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عدة شهور..
كنت أتنزه على شاطئ البحر
حيث تهب الرياح القادمة من الساحل متناغمة مع موج البحر الدافئ ..
كنت حينها منغمسا في همومي وأحزاني ..
فقد بلغ بي الحنين لطفلي الصغيرين معاذ وحنان وأمهما ..
اللذان يبعدان عني آلاف الأميال..مبلغا عظيما..
لقد كان القهر والغيظ يكوياني لعجزي عن الوصول إليهم..
وزاد الأمر سؤا فقدي لعزيز على قلبي..
إنه والدي عليه سحائب الرحمة والغفران..
الذي قتل في حادث مأساوي .. بين ..مكة والطائف
ألا ما أضعف الإنسان..
لو شق صدري في ذلك اليوم لما وسع الناس ما فيه من أسقام وأوجاع..
هذا ما كنت أظن طبعا!!
كنت في تلك اللحظة وأنا أراقب غياب الشمس..
أتأمل البحر..
خطرت لي حينها فكرة غريبة:
ياترى لو ألقيت نفسي في هذا البحر المخيف..
المليء بالظلمات والمهالك..
وسبحت عددا من الأميال..
حتى أجد سفينة تحملني للبلاد التي يعيش فيها أبنائي..!!
هل سأنجو؟
كم من القصص الخيالية قرأت!!
والتي ينجو فيها البطل بمغامرة جنونية..!!
لا تلوموني فقد كدت أجن بل جننت فعلا!!!
لقد بلغ بي التيه و الاشتياق أن فكرت في الأمر جديا..!!!
وما منعني من ذلك والاستغراق في نسج الخطة سوى أن لمعت لي في تلك اللحظة...
قارورة تخفق في الماء علوا وهبوطا...
كنت أراها من بعيد ..
لم أبالي بها كثيرا في أول الأمر..
لكن وفي أقل من لمحة،شاهدت شيئا مميزا في هذه القارورة..
حمسني ذلك وألهاني عن جنوني!!!
لمحت أنها مغلقة بإحكام..!!!
ولفت بشريط حريري جميل..!!
وطويت بشكل بديع في قماش جميل للغاية يبهر النظر..
يميل إلى البياض المشرب بحمرة..
لفتت نظري وألهبت مشاعري وظننت في تلك القارورة الظنون..!!!
فلربما حوت كنزا ..!!
أو أي شيء يدور في مخيلة شخص مثلي..
سرت بمحاذاة الشاطئ محاولا الإمساك بها
اقتربت منها ،لكن لم أجرؤ أن أمد يدي لسحبها فالماء عميق ومخيف..
استمرت المطاردة برهة من الزمن..
وأخيرا أمسكت بها وقد حشرت في جدار صخري..
رفعتها وكان الظلام قد هبط تقريبا..
سمعت إقامة الصلاة للمغرب..
ذهبت للمسجد وصليت المغرب مع الجماعة..
كنت في صلاتي أفكر في تلك القارورة وقد فعل في عقلي خنزب الأفاعيل..!!!
بعد سلام الإمام وانصراف الناس..
خطرت في رأسي خاطره...
ماذا لو كانت هذه الزجاجة عقدة سحر !!
ماذا لو كان في القارورة شرا ينتظرني!!

..

أصابتني هذه الفكرة برهبة حقيقية..
وما يدريني ما هي النتائج إن كانت هذه القارورة تحوي عفريتا أو شيطانا مريدا أو!!!
وبعد تفكير بسيط عزمت على اكتشاف سر هذه القارورة السحرية وليكن ما يكن..
لقد بلغ بي اليأس حدا جعلني لا أبالي بأي شيء..
وهكذا الإنسان إذا مسه الشر يؤسا..
انتظرت قليلا حتى يخرج المصلون من المسجد..
وحين اطمأننت..
فتلت الشريط..
نزعت القماش الحريري..
يا الله...
ما أبرد ملمسه وأنعمه..
أدرت الغطاء ..
فاحت من القارورة رائحة زكية..
لم أشم عطرا كهذا في الدنيا أبدا..
لا والله ما هذه الرائحة برائحة دنيا!!
عجيب !!
ما هذه الخزعبلات!!
أخاطب نفسي..!!!
من شدة شوقي لما في داخل القارورة هممت بتكسيرها استعجالا لما قد يكون فيها..
هززتها مقلوبة ..
بالكاد تستطيع النظر لما في داخلها..
ويا لخيبة أملي..
لقد كانت شبه فارغة..
سوى من صحائف رقيقة طويت بإحكام.. وحشيت بطريقة لطيفة بداخل القنينة..
أصبت بخيبة أمل لأني بلغ بي الطمع البشري حدوده..
وما عساني أن أحلم بغير الدرهم والدينار.. !!!
عانيت في استخراج الأوراق المطوية...
استعنت بقلمي لأخرجها..
آه..!!
كانت الرائحة الزكية تصدر من تلك الأوراق..إذا!!
ذكرتني تلك الرائحة بريح المسك والكافور الذي يوضع على الميت..
سبحان الله..!!
إن ذكرياتي في تلك الأيام لا تنقطع عن الموت وما يتعلق به.!!
والظاهر أن ذلك من نتائج الفجيعة بفقد والدي العزيز....
فهي مرحلة تصيب المكلومين..
ومن ذا يعز علي أكثر من والدي رحمه الله
ووالدتي أطال الله عمرها على الطاعة ورزقني برها..
لقد قام المغسل كما هي السنة بإحضار الكافور والسدر المدقوق..
ليخلطهما بالماء الذي يغسل به الميت..
كنت حينها واقفا على رأس أبي عليه رحمة الله..
أساعد المغسل في تغسيل والدي ..
كانت الغرفة مليئة برائحة الموت الزكية!!!
وحدث أن صارت كلما فاحت رائحة عطر من أي كان..
تذكرني بتلك العطور التي وضعت على أبي..
دعونا من الموت الآن..!!
ما سر هذه الأوراق..؟؟
وما سر هذه القارورة..؟؟
حين استخرجت لفافة الأوراق..
اتكأت على جدار المسجد وفتحتها ..
لم يبد عليها أنها مكثت كثيرا بداخل القارورة..
ولم يظهر عليها أثر رطوبة أبدا..!!
واضح أنها ألقيت في البحر قبل زمن قريب..
في أعلى الصفحة الأولى.. وبعبارة واضحة كالشمس!!!
وأنا أحملق فيها !!
لقد بهت وصدمت حينما رأيت المكتوب..:
تسلم هذه الصحيفة لأبنائي..
صالح وعبد المحسن ومازن ووليد ومحمد وأم شهد وأم هشام وأم باسل ورباب..!!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...!!!!!
قفزت من شدة الهول..!!!!
ارتعبت ..!!!
وقفت الدماء في عروقي..!!!
غلا دماغي خوفا ورعبا !!!
صعقت صرخت ياالهي..
..بسم الله الرحمن الرحيم..
ما هذا الذي أرى؟؟
هذه أسماء إخوتي وأخواتي!!!!
رميت تلك الأوراق من يدي..
زحفت للخلف وأنا التفت يمينا وشمالا ..
ياترى هل يراني من احد فيظنني مختلا في داخل المسجد..!!!
أصابتني رجفة وارتعاد..
بقيت شارد الذهن لفترة من الزمن..
ماذا سأفعل..
هل أنا أحلم ..
رفعت يدي نظرت إليها نفخت فيها..
بصقت على يساري ثلاث
بعثرت شعر رأسي..
كل شيء حولي يدل على الحقيقة..!!!
ياللهول ما هذه الرسالة ؟؟
من كتبها؟؟
ولماذا وجدتها أنا في البحر؟؟
ولماذا كتب تسلم لأبنائي؟؟؟
أبي قد مات من شهر..
وأمي بالكاد تكتب..
وجدي قد خرف..
من هو ..؟؟
من كاتب هذه الرسالة؟؟
آلاف التساؤلات مرت كلمح البصر على ذهني..
رقرقت عيناي .. بالدموع..
بكيت ...
تذكرت والدي..
ما أصعب أن يفقد الإنسان عزيزا فجأة بلا مقدمات..
لم أحزن على فقد أحد كما حزنت عليه..
لقد خطفت المنية والدي أحمد من بيننا .. خطفا..
كما تسرق الحدأة فريستها من على مائدة الطعام..
هكذا .. بلا مقدمات..
ولا إنذار..
حينما نقل إلي خبر الحادث ظننت انه لم يمت ..
حيث لم يشأ الناقل أن يفجعني..
قلت في نفسي ..
سألقى والدي وأقول له.. بصدق..
لا طعم للحياة من بعدك يابو محمد..
اقتربت بحذر من تلك الأوراق.. المبعثرة..
عزمت على اكتشاف السر الغامض..
استجمعت قواي..
وقلت في نفسي ..هه..
وما ضرني!!!
فأنا منذ شهور وأنا أتلقى الأخبار المحزنة والكوارث حتى ..
أصبح قلبي حجرا لا مكان للحزن فيه..
حزنت وحزنت حتى لم يعد للحزن معنى!!!
يقول كاتب تلك الأوراق..
إلى أبنائي الأعزاء..
أنا والدكم أحمد بن محمد الغامدي ..
قد توفاني الله تعالى في الثالث من شهر ذي الحجة ..
وذلك بعد غروب الشمس يوم الجمعة..
بعد أن صليت صلاة المغرب والعشاء قصرا وجمعا ..
وذلك في جبل الهدا في الطائف ..
برفقة ابنتي الحبيبة رباب ..
اكتب لكم هذه الرسالة أيها الأبناء وأنا بعيد عنكم..
بعيد عنكم بعدا لا يوصفه مقياس ..
فأنا الآن في دار البرزخ ..!!!
حيث يكون الميت في دار انتقال للآخرة..
بل بدأت آخرته حقا..
إنني أعيش في حفرة مظلمة لا رفيق لي فيها ولا أنيس..
إلا ما قدمت لنفسي.. من عمل صالح..
لا أدري هل ستصدقون أن والدكم يكتب لكم بعد موته..!!!
لا ألومكم يا أبنائي..
لم يسبق لكم أن مررتم بمثل هذه التجربة الغريبة..
وما من ميت مثلي خلف أولادا في سنكم وحالكم...
إلا ويتمنى أن يفعل ما أفعله ..
إنها آهات يا أبنائي..
إنها كلمات أردت أن أخطها لكم بقلمي ..
وابعثها لكم لتستفيدوا منها..
وتعتبروا بما فيها..
إن آخر واحد منكم رأيته هي ابنتي الصغيرة رباب..
أتذكرين يارباب ..
أتذكرين ياعصفورتي الصغيرة..
حينما نظرت إليك قبل لحظات من الوداع..
أتذكرين تقاسيم وجه أبيك..
لقد أردت ياحبيبتي أن أقول لك كلمة ..
أردت أن أحملك رسالة..
ولكني أشفقت عليك..
أن أحمل جسمك الضعيف ..
أمرا ثقيلا تعجز عنه الجبال!!!
ولكن..
لقد كفاني يارباب تلك الضمة الأخيرة ..
ضممتك لصدري لأشم عبيرك يابنتي ..
لقد مضت مشيئة الله أن أرحل من دونك ...
ثم حصل ما حصل من قدر الله..
أتعلمين يابنتي.. الصغيرة..
أنني بعد الحادث لم أمت مباشرة..
لقد استيقظت بعد لحظات بسيطة من الحادث..
كان كل همي أن أراك.. والله
وأطمأن عليك..
زحفت متثاقلا وأنا الكهل ابن الستين سنه...
وقد انفلق رأسي..
وسالت دماء جسدي النحيل من حولي..
لقد أيقنت ياصغيرتي أنها النهاية..
لقد زحفت يارباب أبحث عنك ..
حاولت يابنتي أن أصل إليك..
أردت أن اسبق الزمن إليك ولكن هيهات هيهات..
وقف ملك الموت على رأسي..
شامخا كالطود العظيم..
أشار إلي إشارة فهمتها وقال لي..
كفى ياأبا محمد كفى أيها الرجل الصالح..
إنه أمر الله..!!
نظرت إليه بنظرة توسل..
ولمن حوله من ملائكة الرحمة..
الذين امتدت منهم الطرقات مد البصر ..
أي والله هذا ما رآه أباك ياعزيزتي..
توسلت إليه قائلا..
أيها الملك الصالح..
أيها الملك الصالح..
إنها ابنتي..
نظرة واحدة تكفيني لأطمأن عليها..!!
نظرة واحدة..؟؟
ضمة واحدة.. أرجوك..؟؟
طأطأ برأسه وقال...
يا أبا محمد .. إنني عبد مأمور.. ولا راد لأمر الله...
الحمد لله على قدره ..
سمعت صوتك يارباب ، سمعت استغاثاتك..
أبي، أبي ،أبي...
لم استطع إجابتك يابنتي فقد كنت أنازع الروح...
أحاطت بي ملائكة الرحمة ..
فخرجت روحي من جسدي.. كما يخرج الماء من في السقاء..
وداعا يابنتي العزيزة وليرعاك الله ويحفظك ويجعلك من الصالحات العفيفات..
أيها الأبناء ..
لكم تمنيت أن يزيدني رب الجلالة في العمر ساعة أو ساعتين ..
لأعود إليكم واجتمع بكم .. للحظات..
لحظات أو دقائق.. فقط!!
لتشفي شوقي وألمي لفراقكم المفاجئ...
أردت أن أعود إليكم لأقول لكم وداعا ، وداعا..
لأمسح رؤوس..أحفادي..
لأوزع ابتسامات صادقة لأبنائي..
لأهمس في أذن كل واحد منكم بتوصيات تصلح أمر دينه ودنياه..
آه ..آه ما أشد مرارتي ..
اشتقت لأم محمد..
زوجتي الغالية..
رفيقة دربي لأربعين سنة..
آه يا أم محمد ..
أنا أدرى الناس بك وبحزنك على فراقي..
أدرك كم تجدين من وجد علي وهذا والله حالي معك..
ياأختاه لقد تعذبت بألم فراقك كما تتعذبين..
ولكن صبرا فإن موعدنا الجنة إن شاء الله..
لو كنت أعلم في تلك اللحظة حينما جلستي أمامي..
قبل ساعة أو أقل من رحيلي من هذه الدنيا..
ووضعت يديك على ركبتي ...
حينما قلتي لي..
أنا لا أذهب بغير إذنك يابو محمد..
لو كنت اعلم بقدر الله تعالى ..لضممتك كما يضم الشاب الغر صبيته...
أتذكرين يا أم محمد ..
كم عشنا في هذه الحياة حلوها ومرها..
في الطائف والباحة والرياض وجده ..
قصص لا تنسى وذكريات تتعطر بها المجالس..
لن تحرمي منها أبنائنا وأحفادنا..
حدثيهم ولو قدر لي لحدثتهم عنك ..
أحدثهم عن صبرك وتحملك ..
أحدثهم عن أربعين خريفا مرت بذكريات عطرة ..
لا يعلم خباياها سوانا بعد الله عز وجل..
وأنت يازوجتي الأخرى..
يامن كنت تنتظريني في جده..
رحمتك والله وشفقت عليك..
اسأل الله تعالى أن يعوضك خيرا مما أخذ منك..
أريد يا أبنائي لو استطعت..
أن أزوركم في مجلسنا المعتاد..
اجتمع بكم في صالة بيتي في مدينة الطائف في مخطط السحيلي..
الذي لم يعد بيتي بعد اليوم..!!!
أتذكرون يا أبنائي والدكم ذلك الشيخ الكهل الذي اشتعل رأسه شيبا..
أتذكرون..أباكم..
حينما يدخل عليكم في صالة البيت..
أو أجلس أمام دكة جارنا سعيد القحطاني مع الأحباب والأصحاب من أترابي..
أو حينما أحمل الفول والتميس كل صباح من الدكان برفقة هشام أو يزيد..
أو حينما أرجع بعد صلاة الظهر محملا بالجرائد وأنا مرهق تعبان..
أتذكرون جلسات العصر اليومية وشرب القهوة والشاي..
صدقوني..
لا معنى لتلك اللحظات في حينها ولكنها الآن ...
نار تحترق في فؤادي..
إنني أتمنى أن تعود تلك اللحظات لمرة واحدة..
لمرة واحدة فقط..
لأرى شمل العائلة حين يجتمع..
أريد أن أقبلكم واحتضنكم واحدا واحدا..
كبيركم وصغيركم..
كلكم في نظري صغار.. ولو كان عمر الواحد منكم أربعين سنه..
اشتقت لأحفادي ..
يزيد حينما يجري في البيت ويلعب ..
هشام رفيقي في روحاتي للبقالة ..
إبراهيم وعبد الله رفاقي للمسجد..
عبد الرحمن ذلك الولد الشقي..
أسماء ولجين وجنا إنهن رياحيني في الدنيا..
احمد وباسل وبسام ووليد وفارس..
آه ما أعظم لوعتي ...
إن أصعب اللحظات يا أبنائي أن يتمنى المرء شيئا يحبه..
ولكنه يعجز عنه...
لا أدري كيف ابدأ.. وماذا أقول..
فمشاعري مضطربة للغاية ..
والشوق يحدوني لأسجل آلاف الذكريات في هذه الرسالة..
ولكن لن يسمح لي يابنائي سوى بتدوين بضع صفحات فقط..
سأنجزها بأقل العبارات وأصدقها..
أيها الأبناء الأعزاء:
إن أول شيء أوصيكم به أن تتقو الله تعالى ..
يا أبنائي إن من خبر ليس كمن سمع..!!
ليس من يحدثكم وهو يرى كمن يحدثكم من كتاب ..
يا أبنائي إن خير الزاد التقوى..
إن خير حمل يحمله الإنسان في هذه الدنيا هي طاعة أو قربة للمولى جل وعلا..
والله الذي لا إله سواه لحسنة واحدة لنا يا أبنائي وفي حالنا خير لنا من كل ما في الدني
من بيوت وكنوز وقصور وسيارات فارهة وبنوك وسواه..
صدقوني يا أبنائي لو كان لي من الأمر شيء وعدت للعمل لملأت الأرض صلاة وتسبيحا
وقرءانا.. الحمد لله على ما قضى ويسر..
إنني في غبن شديد على ساعات وأيام وشهور لم أقضها في شيء ينفعني يوم الدين ..
ولكن العوض فيكم.. إن شاء الله
لقد رأيت كيف ينفع عمل الولد والده..
يا أبنائي نحن في الآخرة في حاجة للحسنة الواحدة
بتسبيحية
أو كلمة معروف
أو ذكر أو صلاة.. وقراءة قرءان..
يا أبنائي لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا..
لو رأيتم ما رأيت لما انتفعتم من الدنيا بشيء..
لو رأيتم الدود والظلمة في القبر وما يمر به المؤمن من أهوال فكيف بالعاصي..
أبنائي الأعزاء ...
إن أول أمر أوصيكم به بعد تقوى الله هي الصلاة..
إن الصلاة كالسور يحميك من النار..
إنها الصلة التي تصلك بربك في الدنيا .. وتؤنسك في قبرك في الآخرة..
أوصيكم يا أبنائي أن تحذروا من أمور
أحذروا من ألسنتكم.. فإما أن تقولوا خيرا أو اصمتوا..
أحذروا من آذانكم أن تسمعوا حراما أو تتجسسوا ..
أحذروا من مال الحرام يا أبنائي ..
الربا أموال الأيتام ، أموال الناس بالباطل .. مال الحرام كله .. الحذر الحذر من ذلك..
أخيرا يا أحبابي ..
أوصيكم أن تجتمعوا ولا تتفرقوا.. فإن الشيطان يجرؤ على من شذ ...
ولا يقترب منكم مجتمعين...
إنها مئات بل عشرات الوصايا الثمينة التي أعلم نفعها لكم إن شاء الله..
أوصيكم بطاعة الله وتقديمها على طاعة كل البشر من عظم ومن احتقر..
كما أن لي طلبا هو حق لي عليكم..
لا تحرموني ياأولادي من عمل صالح بمالي الذي قد ملكتموه..
لا تحرموني من دعوة صادقة يا أولادي..
لا تحرموني من صدقاتكم وبركم ..
فأنا والله كالغريق يبحث عن كل شيء ينقذه من الهلاك..
أسأل الله تعالى أن يصلح حالي وحالكم وأن يهيئ لكم من أمركم رشدا..
وأن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ..
وأن يجعلني من ورثة جنة النعيم..

أبوكم أحمد
يعلم الله تعالى قدر تأثري من تلك الرسالة فقد انفجرت باكيا ما كتب فيها ..
التف مجموعة من أهل المسجد حولي حينما سمعوا نحيبي ..
أخذوا يهدؤون من روعي ويذكروني بالله..
قم يا عبد الله
قم وأنا أبوك
قم قم بسم الله عليك
ايش فيك تبكي.. !!!
نظرت من حولي فإذا أمي فوق رأسي توقظني من النوم ..!!!
لقد روعها بكائي .. فاستيقظت من نومها..
وجاءت توقظني..!!
قم ياولدي قم ..
جلست ومسحت وجهي ..
اجتمع حولي من استيقظ من نومه.. من الصبية والأخوات...
لم اصدق ما يدور حولي..
فقد كنت كالتائه..
طلبت الماء ...
وحينها ...
رن جرس التلفون ..
رفعت والدتي السماعة.. فهتف المتصل..
السلام عليكم
وعليكم السلام ..
هل هذا منزل الأستاذ أحمد الغامدي..
نعم تفضل..
هل ولده (فلان ) موجود..؟؟
نعم موجود ... من يبغاه؟؟
معاكم إدارة المباحث في الطائف؟؟؟
ارتعبت الوالدة وخافت ..فشعر المتحدث بذلك.. فقال لها...
لا تقلقي يا أختي القضية أن مكتب الأمير محمد بن نايف يبحث عن ابنك في موضوع ...
انتهى الفصل الأول..

تابعونا غدا أن شاء الله تعالى


يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-05-2011, 12:36 PM   #74
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

في وداع والدي أبي محمد الفصل الثاني


تعصف بالإنسان كثير من المشاكل..
وقل في هذه الدنيا من سلم منها..
وقد كان لي منها بحمد الله حظ وافر..!!!
فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
لقد سمعت كثيرا بالأمير محمد بن نايف..
وأذكر أنني سمعت به لأول مرة على لسان أحد مشائخنا عليه رحمة الله..
فقد سمعته يثني عليه مرارا..
وقد خدمني هذا الشاب عن طريق شيخنا المذكور في قضية سابقة..
وفي قضيتي هذه حدثت مواقف لي أذكرها من باب التحدث بالنعم ..
ومن باب تفريغ شحنات القهر والغيض !!

قصتي هذه وقعت أحداثها قبل أكثر من عام ..
وذلك أن جواز سفري غرق جزء منه في حوض علاج طبيعي .. في دولة ما!!!
قمت بتنشيفه بقدر المستطاع ..
ولكن يظهر أنه بتعرضه للهواء مع الرطوبة أصبحت أوراقه مبعثرة وتلفت النظر!!
وبشكل طبيعي وبسبب هيئتي وجنسيتي أوقعني حال الجواز..
في مواقف أحرجتني في مطارات دولية ..
فقد مررت تقريبا بالتحقيق في كل غرفة مطار أمر به ..!!
وهذا لا شك أمر محرج ..
وفي دخولي الأخير للملكة .. توجهت في اليوم التالي لجوازات مدينة الطائف..
فأريتهم الجواز.. فاختلفت آراء الضباط...!!
فمن قائل : يمكنك السفر به على هذا الحال!!
ومن قائل : لو مررت بي في منفذ لما سمحت لك بالسفر!!

حينها عزمت على تبديله..!!
وليتني ما فعلت!!
فإنه للأسف قد صور الموضوع على أنني..
قد تعمدت محو بعض المعلومات المشبوهة من الجواز!!!
ولا أدري بالضبط من هو العقل الجبار الذي لبس لي هذه التهمة الجيدة!!
حاولت مرارا وتكرارا مع جوازات الطائف لأقنعهم بعدم مسئولية هذا الكلام..
وأنه مبني على حجج فارغة .. وأنني إنسان معروف بسلامة الحال!!
فلماذا ألبس ثوبا غير ثوبي!!
طالت المسألة شهرا كاملا .. وحاولت مرارا وتكرارا أن أنفي ذلك بكل الطرق..
أثبت لهم بالتحقيق أنه لم يحذف من الجواز ورقة واحدة أو معلومة واحدة..
ولكن يظهر أن من حقق معي قد عزم على شيء الله حسيبه عليه..!!
فبعد عدة مقابلات معه ..

أدعى المذكور أن علي في ملفي الخاص ملاحظة أمنية !!!
لم يفسر لي معنى هذه العبارة .. ولم يحلني على جهة تتحمل المسئولية..
قال هذه أسرار ولا يمكن اطلاعك عليها!!
علمت بأن القضية تعقدت وأن الموضوع خلط بقضية أخرى!!
أشار علي أحد الإخوان بمقابلة الأمير محمد بن نايف..
فهو معروف بين الناس بأنه لا يظلم عنده أحد !!
وكم من مكروب كان سببا في تفريج كربته ..
فأنا بعيد عن أولادي وزوجي .. وعملي خارج البلاد يتحتم علي سرعة الحضور..
وهذا ما كان..
توسطت عن طريق أحد المعارف للدخول على الأمير..
وذلك في حياة الوالد عليه رحمه الله..قبل شهر رمضان عام 25 للهجرة..
وجهني صاحبي لشخص سيخدمني وقد أوصاه بي خيرا..
دخلت على ضابط برتبة مقدم ..
استقبلني بوجه طلق..
قلت له هل أنت فلان ..
قال نعم....
قلت له لقد روحني لك فلان لتدخلني على الأمير محمد بن نايف..
قال : ونعم فيك وفيمن روحك ايش موضوعك؟
أكيد زواج ؟؟أنتم المطاوعة تحبون الزواج؟؟
قلت له لا, الموضوع هو الحصول على جواز...
لا أدري هل فهم عبارتي أو لا ...
ومع أنه قرأ الخطاب المعد إلا أنه كرر كلمة الزواج مرارا.. !!
لقد كان همي حينها أن أحصل على الجواز .. فقط
فقد مضى علي عنهم شهورا عدة وزوجتي على وشك الوضع..
أذن علينا الظهر ..
فخفت أن أتزحزح من مكاني للصلاة ..!!
ثم لا استطيع الدخول مرة أخرى على الأمير..
فقد رأيت من الزحام عند البوابة ما يجعلني أفكر بذلك حقا!!!
كل هؤلاء جاءوا لمقابلة محمد بن نايف ..
كهولا وشبابا ونساء وحتى أطفالا ومعاقين..
علما أنه لا يقبل في الجلسة سوى ثمانين شخصا فقط في الأسبوع مرة واحد ة..!!
وهو قليل للغاية لمجتمع كبير ومشاكله كثيرة!!
وللأسف الواسطة مقدمة على الحاجة في كل أمورنا..
على كل.. كان في الغرفة معي أربعة أشخاص وكلهم جاءوا بواسطة الضابط المذكور..
تحرجنا جميعا أن نقوم لأجل الصلاة خوفا من أن تبدأ الجلسة أو أن يغيب الضابط..
قال أحد الحضور وهو كبير في السن نحن جئنا من أماكن بعيده ونحن مسافرون ..
فيجوز لنا الجمع..!!
تنفست الصعداء ...
وفرحت بهذه الحجة وأيدته فورا!!!
انتظرنا حوالي الساعة نراقب الداخل والخارج..
بعد ها نادى الضابط شخصا مدنيا وهمس في أذنه بكلمات..!!
وقع في نفسي شك فلربما أراد الرجل تصريفنا وتحرج منا فقد كنا أربعة...
قال لنا قوموا مع الأخ ..
شكرته وودعته وأنا محتار..!!
نزلنا من الدرج من الطابق الأول أو الثاني لا أذكر..
لما وصلنا للأسفل أجلسنا مضيفنا الجديد على المقاعد المرصوصة في بهو الوزارة الفسيح..
أخذت أتبادل النظرات مع أصحابي: هل ياترى عدنا من الصفر؟؟
هل يجب أن نسجل مع المجموعات الهائلة؟؟
حينما رأيتهم صامتين مطمئنين ارتحت وبردت أعصابي ..
فالظاهر أنهم قد جربوا الأمر مرارا..
شاهدت مئات البشر يصفون في صفوف غير منضبطة وفي أيديهم الملفات والأوراق..
ويقف أمامهم ضباط لتسجيل الأسماء وتوزيع الأرقام..
وكما قلت فالطلب كبير والمعروض نزر يسير..
كنت أرى وأنا منهم طبعا!! كيف يتوسط الناس مع مسئولي المراسم..
لمن جاء بواسطة فلان وفلان..
وما أسهل أن يقول الضابط لمن يقف أمامه تعال الأسبوع الجاي!!
طيب هل يعرف هذا المسئول من أين جاء هذا المسكين !!
إن بعضهم يأتي من مئات الأميال .. من شمال المملكة وجنوبها..
ويا ليت الأمر أنه يضمن مقابلة الأمير في الأسبوع التالي..
بل يجب عليه أن يسجل من جديد..
وقد يقابل الأمير وقد لا يقابله ..!!!
وقد يعتذر الأمير من جلسة ذلك الأسبوع إلى أجل غير منظور!!
إن هذا لشيء مؤسف والله ،فكم من صاحب حاجة ولا حيلة له..
ولكن إذا لم يكن إلا الأسنة مركب فما حيلة المضطر إلا ركوبها..
بعد لحظات تمركز مجموعة من حرس المراسم في مواقع محددة من البهو..
بحيث لا يسمح لأحد من الناس بالمرور من تلك المراكز..
وقد كنا نحن في وسط المنطقة ..
ارتحت جدا وفرحت بالخصوصية التي نلتها بالواسطة..!!!
والعلم بيد الله وحده فقد يكون ممن منعوا من هم أحوج مني آلاف المرات !!!
ظننت في البداية أننا سنستقبل الأمير في البهو..
ولقد خاب ظني طبعا فالذي أنا فيه هو البداية فقط ..
فنظام البروتوكول معقد وفوضوي للغاية..!!
كما هو حال شعبنا للأسف!!
صرخ فينا ضابط وقال ادخلوا المجلس ..
كانت الكراسي فاخرة للغاية ..
وبطرفة عين امتلأت المقاعد..!!!
ولم أجد مكانا للجلوس..
كانت هناك عدة غرف جانبية تحيط بالمجلس الكبير ..
وقد حشيت حشوا بالناس..
ويظهر أن بعض الغرف هي لكبار الضيوف !! أظن هذا!!
مرت أكثر من ساعة أو ساعتين تخللها توزيع مياه للشرب ..
ومجلة لا أذكر اسمها لكن أتذكر عليها صورة الأمير نايف.. وزير الداخلية..
وكنت كلما لا حظت حركة واضطرابا من الناس والعسكر أظن الأمير وصل..!!
ولكن تمر الدقائق ثقيلة ولم يحضر أحد..
بعد فترة من الزمن أمر الضباط مجموعة من الجلوس بالقيام والدخول في سيب صغير..
وقد رصوا صفا واحدا بطريقة فيها شيء من الإهانة كما أشعر..
كانت إضاءة السيب ضعيفة وفي طرفه الأيسر بوابة تدخل منها لمكتب يستقبل فيه الأمير
الناس.. وكل دقيقة يمر ضابط ليتأكد من استواء الصفوف وانضباطها،
فتراه يقدم ويؤخر وهو متنرفز بشكل واضح..!!
ولا أدري لما النرفزة !!
فالأمر أهون بكثير ولا يحتاج للقلق ..
ثم إن من الناس الوقوف ،من هم من هو في مناصب يجب أن تحترم ..
ففيهم الأكاديميون على أعلى التخصصات وشيوخ القبائل..
وفيهم التجار والأثرياء ونحوهم..
والواجب أن يحترم الإنسان مهما كان وضعه ..
ولا شك أن حسن التدبير مما يضفي على الجلسة والأمير بهاء وتقديرا..
أشغلت تفكيري حول البوابة التي سيأتي منها الأمير..!!
وفعلا حيرتني ..!!
على كل وأنا في حيرتي وتفكيري وطول الانتظار أخيرا..
جاء الأمير..
هو بشر مثل البشر !!!
طويل متوسط الطويل معتدل البنية عليه سيما التهذيب واللطف !!
مع صرامة لا تخفى على ناظر.. فهو بالتأكيد رجل أمن....!!
لا تلوموني ياأخوتي على أوصافي فأنا صاحب حاجة ولا بد أن أتفرس فيه..!!
جاء يمشي سريعا في حركته بشكل ملفت!!
وهكذا الرجال الجادون !!
وقف أمام صف المعاقين (وكانوا قليلا )في البهو الخارجي..
استمع لكل واحد منهم وأخذ الأوراق وسلمها لشخص بجواره..
ثم دلف علينا..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
هكذا حيانا الأمير..
رددنا عليه السلام ثم دخل المكتب من البوابة الأمامية من المجلس..
وفورا بدأ الناس في الدخول على الأمير..
يستقبل الأمير الناس وهو واقف..
وبعض المتكلمين يطيلون الحديث معه وبعضهم مثلي ..
يقتله الحياء والمهابة من أن يطلب حاجته بشكل مرض..
وعندما وصلت للسيب المظلم أمرنا العسكري بالجلوس ..
واختار الأربعة الأوائل في الصف ليقفوا بجوار البوابة ..
فالدخول يكون بمجموعات أربعة أربعة,, وهكذا ..
كانت بخور العود يملأ المكان والظاهر أن هذا من عادة الأمراء..
أن تبخر المجالس بحضورهم..
حينما وقفت على الصف أصابتني قشعريرة ..
فقد كنت أفكر في جواب الأمير ..
وماذا سأقول له..
ولم تمض دقيقة حتى صرت في الصف قريبا منه ..
تحدث صاحبي الذي أمامي ..
بالغ في السلام والكلام مع الأمير مما هو معروف ..
ولا حظت أن الأمير يقرب أذنه بشكل مهذب للغاية للشخص المتحدث..
ويتركه يتحدث وينصت له حتى ينتهي ثم ينظر في عيونه ويبتسم في وجهه..
ويقول له: ابشر إن شاء الله تقضى حاجتك أو نحو هذا الكلام..
ثم يلتفت الأمير لمن بجواره ويهمس في أذنه بكلام لا يسمع..
ولكن المرافق..يدونه فورا في مذكرة بيده..
وبعدها جاء دوري ، صافحت الأمير .. وحييته:
السلام عليكم ورحمة الله..
وعليكم السلام ورحمة الله .. تفضل ..
قلت له أيها الأمير ..
أنا قضيتي غريبة ، فمنذ شهور سحب جوازي مني لأنه غرق في ماء..
وزوجتي وأطفالي خارج المملكة..
وعملي خارج البلاد قد تأذى كثيرا بسبب عدم حصولي على الجواز.. الخ الكلام..
قال هل هناك دولة تطلبك ؟؟
قلت أبدا فقد راجعت عدة جهات أمنية من المباحث للداخلية للجوازات وكلهم أكدوا
أن ملفي نظيف لا مرية فيه..
وبشكل مفاجئ قاطعني الأمير وأمسك بكتفي وقال اصبر شوي!!
وأخذ يهمس في أذن مرافقه !! والظاهر أنه تذكر شيئا بخصوص الشخص الذي قبلي

فأراد أن يملي على صاحبه قبل أن ينسى..
ثم التفت إلي وقال هل معلوماتك ورقم هاتفك مسجله على الخطاب..
فقلت نعم ..
قال لي ثق تماما سنتصل عليك..
ثم ودعته وانصرفت!!
لم تستغرق القضية دقائق!!
لا أخفيكم أنني خرجت خائبا للغاية ..
هل هذا كل شيء ؟؟ كل هذا الانتظار ثم ولا شيء !!
سنتصل عليك!! فقط..
خرجت من الداخلية وأنا منكس الرأس محبط حيران..
ولكنني أعطيت نفسي أملا بما سمعت عن هذا الأمير ..من عدل وأنصاف للمظلوم!!
ولكن هل يعلم الأمير محمد لوعتي وحناني وشفقتي لأهلي..؟؟
لو اطلع الأمير على الغيب وهيهات أن يطلع لكان الأمر مختلفا ..
ولكنه بشر .. لا بد له أن يتأكد من كلامي....!!
وهكذا فسرت لنفسي وبررت لغيري لكي تخف الوطأة علي..!!
مرت الأيام ثقيلة كالجبال..
و دخل شهر الرحمة والمغفرة شهر رمضان ..
في إحدى لياليه العطرة جاءني اتصال في الساعة الثانية فجرا..
كان ذلك من صهري..
يبشرني بقدوم المولود الجديد..
صدقوني لقد فرحت وحزنت في آن واحد..
فرحت بقدوم ابنتي وحزنت لبعدي عنهم ..
إنها نعمة عظيمة لا يشعر بها إلا من فقدها رغما عنه...
سمينا ابنتنا حنان أملا بالمولى جل وعلا أن يرحمنا ويلطف بنا..
كنت أتحدث مع أهلي بالهاتف يوميا ..
كنت أنفق أسبوعيا على المكالمات حوالي ألفين ريال..
حتى أفلست أو أوشكت..
اختلفت مع الجهة التي كنت اعمل معها ..
ودخلنا معهم في مشاكل لا يعلم مداها إلا الله ..
ومع أنني صاحب حق ومظلوم إلا أن مشكلة الجواز هي الفيصل..
فأنا مقيد لا أستطيع السفر لبلد العمل لإحضار المستندات اللازمة.. التي تبرأ ساحتي.
استغل بعضهم فرصة غيابي عن مكاتبي ليتلاعبوا بالأوراق والمستندات كيفما شاءوا..
لم أشعر بطعم رمضان هذا العام للأسف..
ولا يظن ظان أنني غر متصاب .. بل أنا والحمد لله رجل أصبر على الشدائد..
ولكنها رحمة في قلبي على ضعافي وصبيتي .. والله المستعان..
و في الأثر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول..
جاءني اتصال من مكتب الأمير وأخبروني برقم معاملتي ..
وطلبي مني متابعتهم تلفونيا..
صرت اتصل كل يومين ..
والجواب منهم يقول: ما زالت قضيتك عند الأمير.. ولا إفادة حتى الساعة..
استدعيت للمباحث في مدينة الطائف..!!
ولم يسبق أن دعيت من إدارة المباحث مطلقا..
قلقت في أول الأمر.. ولكن أين مفر؟؟؟
فلا بد من الحضور..
شعرت عائلتي في الطائف بقلق شديد وخاصة الوالد عليه رحمة الله..
حرصت على تطمينهم وأن الأمر لا يتعدى الروتين..!!
حينما تلقيت الاتصال من المباحث للحضور كان المتحدث معي ..
شخصا لبقا ويظهر من نبرته الاحترام وسماحة النفس..
كان ذلك من أسباب اطمئناني وزوال الرهبة من ذلك اللقاء..
نزلت لمدينة الطائف ..
في صباح ذلك اليوم اتصلت على زوجتي وأخبرتها بالحال !!
جن جنونها فقد خشيت المسكينة علي وخشيت أنا أيضا أن يقبض علي!!
قدمت للإدارة ..
للأسف فإن الجنود الذين على باب الإدارة يتعاملون بجفاء كبير مع الناس..
ولا ألومهم فثقافتهم ثقافة سطحية ..
وتقدير الناس ومراعاة مشاعرهم لا وجود له في مبادئهم أصلا!!
دخلت الاستقبال وطلبت الضابط المعني ..
وبعد ثواني جاء اتصال للاستقبال على أثرها صعدت برفقة العسكري للطابق الثاني..
لم تكن هذه الزيارة هي الأولى لي للمباحث.!!
فقد سبق وان جئت بنفسي دون استدعاء مرتين وقابلت نائب مدير الإدارة..!!
طلبت منه أن يفيدني عن وضعي الأمني؟؟
قال لي : ألحين الناس تهرب منا وأنت تأتي طوعا تبحث في ملفك؟؟
قلت له إن جوازي ممسوك بدعوى أن لدي ملاحظة أمنية!!
صور أوراقي وطلب مني الحضور بعد أسبوع ..
وفعلا جئته فأكد لي أنني سليم وبإمكاني الذهاب للجوازات لاستلام جوازي ..!!
وطبعا هذا مالم يحدث..!!
ولقد كررت ذلك مع مباحث عليشة في الرياض فكان الجواب مماثلا!!
عندما وصلت للضابط ..
استقبلني بوجه طلق...
إنه رجل ، يكفي أن أسميه رجل ..
قمة في الأخلاق والأدب..
لقد محا الضابط المذكور بحسن تعامله ولطفه وكياسته معي كل صور الظلام والتعذيب
والقهر.. التي سمعتها عن رجال المباحث ...
إن الرجل بأدبه وبرفقه يصل لحاجته ومراده أسرع وأفضل وأصدق من طرق العنف..
لقد تولد عن هذا اللقاء علاقة ودية بيني وبين هذا الرجل ما زالت حتى هذه اللحظة
تتجاوز كل وظيفة ورتبة قيادية لتصبح أخوة وصداقة ورحمة وعاطفة..
بارك الله في أبي وليد فهو رجل فعلا يمثل شعبنا الطيب الأمين الخلوق..
لن احكي ما تم في اللقاء ولكن خرجنا بنتيجة مفادها..
أن لا علاقة بالموضوع بالجواز ..
ولكن يظهر لي وليسمح لي أخي فإنني استشفيت من الموضوع
أن هناك وشاية جاءت عني وعن مجموعة من الإخوة من جهة معروفة..
بالعداء للإسلام والسنة في المكان الذي كنت أعمل فيه..
ولذا تم التحقيق لا للتأكد بل لتبريء ساحتي !!
ولكن هل هذا سبب عدم صرف الجواز ؟؟ الله أعلم ..!!

جاء العيد ولا عيد لي..
كما قال المتنبي في سجنه:

عيد بأية حال عدت ياعيدُ بما مضى أم لأمر فيه تجديدُ

صار الخصيُّ إمام الآبقين بها فالحرُ مستعبدٌ والعبد معبود

من علمَّ الأسود المخصي مكرمةً أقومهُ البيضُ أم آباؤه الصيدُ

وذاك أن الفحولَ البيض عاجزة عن الجميلِ فكيف الخصيةُ السود
جاء العيد وكنت أؤمل أن يأتيني اتصال قبله من الداخلية ليكون عيدي مع أهلي..
فهاهي ستة شهور تمر كستة قرون..
طلب مني الوالد كغير عادته رحمه الله أن أنزل لجدة لأستأجر استراحة للعائلة..
تقضي فيها العائلة فترة العيد ..
ولم يسبق أن استأجرت عائلتنا استراحة في العيد ..
وكأن هذا إرهاصات لنا برحيل الوالد عليه رحمة الله..
لقد شهدت أعيادا كثيرا مع عائلتي في صغري وبعد أن تزوجت وكبرت..
والذي أوقن به أنني لم أرى والدي مسرورا فرحا مع أهله وأولاده كمثل أيام العيد هذه..
لا أنسى أبدا ذلك المنظر الذي ترسخ في ذهني حين رأيت والدي ووالدتي ..
والعائلة كلها والأطفال مجتمعين حول مسبح الاستراحة..
اجتمعت ثلاثة أجيال في مكان واحد .. يجمع بينهم الفرح والسرور ..
كان وجه الوالد متهللا فرحا طوال الأيام الثلاثة ..
كانت تلمع في عينيه..دموع الفرح..!!
وهل هناك سرور أعظم من سرور الوالد بولده !!
وهل هناك شيء يسعد المرء أكثر من أن يرى أهله حوله سعداء مسرورين!!
إذا لماذا شقي آباءنا علينا أليس من أجل أن تقر أعينهم بنا!!
أظن الوالد حينما كان ينظر إليهم ساعتها يقول..

الحمد لله الذي أقر عيني بكم..

اللهم لك الحمد يا أرحم الرحمين..

كانت الساعات حينها تمر كلحظات من حلاوتها..

كانت النجوم زرقاء والسماء الصافية والرياح تهب بنسيم بارد عذب..

الأطفال يجرون ، الفتيات يضربن بالدفوف، النساء يرقصن ويطربن بالمباح..

والشباب يتسامرون في الهزل والحديث المنعش..!!

كنا كأننا في ليالي عرس ..
ولكن من ياترى عريسها ..
لا شك أنه أبو محمد فهو عريس هذه الأيام إلى جنات الخلد إن شاء الله..
لم يكشف القدر لنا حينها عن ستره الرقيق ..
ولو انكشف لنا بعضه أو كله..
لحول ليالينا إلى أتراح ...من قادم لا مفر منه..
ولكنها رحمة الله بعباده الضعفاء..
أن يخفي عنهم مالوا اطلعوا عليه لحول حياتهم لبؤس وشقاء..
أي بؤس أعظم من فقد والد أو والدة أو ولد..
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الرحمين..
عزمت العائلة أن تكون النزلة لجده سنوية ...
وفي عيد الأضحى القادم ستنزل العائلة لنفس الإستراحة..
ولكن هيهات هيهات !!
فقد خطف الموت الوالد في اليوم الثالث من ذي الحجة
حيث تحول عيدنا ميتما حزينا كئيبا والله المستعان...
بعد انتهاء العيد وعودة الناس لأعمالهم
قدمت للرياض لمقابلة الأمير محمد مرة أخرى..
أتيت لصاحبنا المقدم فتكرم مشكورا ببعثي فورا للمراسم لتسجيلي..
دخلت على الأمير ووقفت أمامه وقلت له بالحرف الواحد:
ياأبا نايف إني عاجز عن الكلام..
لمح الشاب الأمير في عيني الحزن وفي نبرة صوتي اليأس فأمسك بيدي وقبضها !!
وأخذ يقرأ في الخطاب المكتوب.. ثم نظر إلي وقال:
وين تريد تروح ؟؟
قلت لأهلي وعملي..
قال أين؟؟

قلت للبلد الفلاني.. وذكرته..
احتار الأمير ما يقول لي فما عساه يقول !!
ربت على كتفي وقال سأهتم بالموضوع!!
حصلت في تلك الفترة قضايا عملية السيارة المفخخة التي فجرت عند الداخلية..
علمت أن القوم لن يتفرغوا لقضية شخص مثلي فلديهم من المسئوليات ما هو أهم..
زاد همي وإحباطي وضاقت علي أموري المادية سؤا حتى أصبحت أعيش على الديون..

انتهى الفصل الثاني

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-05-2011, 02:10 PM   #75
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية يمامة الوادي
 
تم شكره :  شكر 10916 فى 3630 موضوع
يمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضويمامة الوادي نسبة التقييم للعضو

 

رد: قصة تابعتها بنفسي من صاحبها يوميا الى ان توفاه الله قبل ان يكملها _2-

في وداع والدي أبي محمد الفصل الثالث..
خطرت لي فكرة استحسنتها ولم أشاور فيها أحدا..
وكان فيها نوع من التحدي والانفعال ...
فقد كتبت مقالة في موقع الساحات..
سخرت بما يشيع في دوائرنا الحكومية من فوضى إدارية ..
ومنها الإدارة العامة للجوازات..
ووضعت رقم هاتفي بعد أن حددت مشكلتي بشكل عام دون تفاصيل..
أقفلت جهازي ونمت..!!
وكان الوقت ضحى..
لا شك أنني كنت قلقا ... وتوقعت أن لا يؤذن ظهر ذلك اليوم حتى
تحيط بمنزلنا قوات الشرط و المباحث كما يحيط السور بالمعصم...
استيقظت من النوم فوجدت رقم هاتف غريب.. على جوالي..!!
اتصلت عليه فرد علي صوت أجش ..
قال هل أنت فلان؟؟
خفت وهممت أن أغلق السماعة ،قلت : نعم من يبغاه؟؟
قال أنا من سكان المدينة وذكر اسمه وقبيلته..
أخذ يدعو لي بالفرج ولم ينس الدعاء على من ظلمني..
وأبدى استعداده لخدمتي ومخاطبة المسئولين ...الخ
شكرته وأثنيت على موقفه وطلبت منه أن يترقب ولا يستعجل شيء..
أقفلت السماعة بعد انتهاء المحادثة..
انتظرت للعصر فلم يتصل أحد..
انتظرت اليوم الأول و الثاني و الثالث حتى نسي الموضوع...!!
حينها حكمت على الفكرة بالفشل على ضوء ما حدث..
أما التجاوب في موقع الساحات فكان متواضعا بل شبه معدوم..
وحسب علمي فإنه لم يسبق أن تعود الأخوة على مثل هذه المواضيع الشخصية..
فقضايا الصالح العام لها جمهورها العريض...
بينما القضايا الشخصية تعني صاحبها أولا وآخرا...
بعثت عددا من البرقيات ، حوالي ست برقيات..
ولم يتجاوب معي أحد..
والظاهر أن السبب هو غموض القضية وعدم وضوح معالمها !!
مسكين والله من لا حيلة له مثلي..
لم يمر علي في حياتي أبدا ضيق وحرج كما حالي في تلك الأيام...
شعرت بآلام مرض النقرس التي عادت لي بعد غياب طويل..
راجعت المستشفيات وأشغلت بنفسي..
قال لي الطبيب : الكلى لديك فيها ضعف في نشاطاتها..
وأنت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الكلوي..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
طيب مالذي سأفعله؟؟
في خضم هذه المشاكل ...
حدثت الفاجعة الكبرى...
والصاعقة القاتلة لما تبقى في من رمق حياة وأمل..!!
دعوني أروي القصة كاملة..
حصل أن طلبت من والدي أن يهبني عقارا لكي أرهنه فأحصل على سيولة مالية..
وقد دخلت في مشروع إعلامي ..أعتبره قفزة في دنيا الإعلام الإسلامي لو تم..!!!
وافق الوالد مشكورا على ذلك ..
وفي اليوم الثالث من ذي الحجة ..
اجتمعت بالوالد أنا وكل العائلة ..
سوى من سافر لماليزيا للسياحة .. قبل عدة أيام...
كانت الوالدة وأختي الكبرى أم شهد وأنا نتناقش مع الوالد حول موضوع الرهن..
وحول المشاريع التي دخلتها ..
لا شك أن الوالد سيقلق علي من غوائل الزمان وما أكثرها..
أذكر جيدا جلسة الوالد ذلك اليوم ..
كانت الجلسة حميمية وعاطفية للغاية ..
وأذكر أن آخر كلمة قلتها له ( إذا تم الموضوع فأنت والدي ولو رفضت فأنت والدي)
لم يكن الوالد راغبا في سفر الوالدة للباحة برفقتي للقيام بتقييم قيمة الأرض..
ولكن بعد إلحاح وترج وافق على ذلك بشرط أن نرجع للبيت ..قبل ظهر اليوم التالي..
نزلت لبيتي في الدور الأول وأحضرت إحدى الكاميرات الجديدة لمشروعي القادم..
عرضتها عليه فحرك رأسه سرورا بما يرى..
جلست الوالدة أمامه بعد أن لبست عبايتها وخمارها ..
ووضعت يديها على ركبتي والدي ..
لم اذكر أبدا أنني شاهدت الوالدة تفعل ذلك من قبل..
داعبت لحيته بيدها وقالت له : أتأذن لي حقا بالذهاب؟؟
والله ما ذهبت وأنت متكدر وغير راض إلا كان ذهابي مشقة وعنتا.. أو نحو هذا الكلام..
كانت تلك هي نظرة الوداع..الأخيرة ..
كانت آخر ابتسامة وآخرة نظرة بين الاثنين..
ودعت الوالد وانصرفت عنه ..
إنني أكتب هذه العبارات وكأني أنظر لكل شيء أمامي..
نزلت للسيارة ..
وانتظرت الوالدة .. فلم تتأخر ..
وتوجهنا صوب مدينة الباحة ..
كان ذلك قبل صلاة المغرب بنصف ساعة..
عزمنا على تأخير الصلاة للعشاء جمع تأخير..
الوالدة حفظها الله امرأة خمسينية ذربة اللسان..
تطوف بك في السواليف والحكايات شرقا وغربا..
وبما أننا ذاهبون لتقييم العقار فكان الحديث عن الإرث الذي ورثه ...
والدي من جدتي مناسبا ..
حدثتني والدتي عن مرض جدتي أم الوالد التي توفيت فيه وأنا عمري ثلاثة شهور..
حيث اتصلت العمة بوالدي الذي كان مديرا لمدرسة في الطائف..
ويسكن في داخل هذه المدرسة حينها هو وعائلته!!
ولا تستغربوا أيها القراء الكرام فهذه حقيقة..
وقد أخبرتني الوالدة بأنني ولدت بهذه المدرسة..
حينما بلغ الوالد بمرض الجده توجه فورا لمدينة الباحة لقرية اسمها الكرا..
وتقع شمال شرق الباحة على يسار الذاهب لمطار الباحة الإقليمي..
عرف الوالد بصعوبة وضع أمه ..
فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف ..
كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض ..
وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم بالطائف..
حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها ..
سألت عن والدي !!
فجاء من فوره..
قالت اتجه الآن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !!
وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره ..!!
فقد كانت تخشى أن تسرق أو أن تؤخذ من البيت بغير علم أبي..
كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي لا يعصي لها أمرا أبدا..
توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا متعبا..
حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر..
ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لانتهاء فترة الزيارة ..
بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهما أما رابعنا فهو ضيف كريم..!!
إنه ملك الموت عليه السلام!!
طلبت الجدة من أمي أن تفرق لها شعرها فرقتين وتدهن رأسها..
لأنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بأن ذلك من عوارض الموت..
تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها..
صمتت جدتي برهة من الزمان ، وسقطت يداها على الأرض..
صاحت بها الوالدة .. يافلانه يافلانه..
لم ترد عليها..
وفجأة فتحت الجدة عينيها و قالت جدتي بعد أن مدت يديها كأنها ترى أحدا..
تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!!
وصالح هذا أحد أبناءها الذين توفو في عمر السبع سنوات تقريبا..
ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد، وتشهدت ثم فاضت روحها..
هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة ..
وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة ..
خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب..
تحدثني رباب تقول:
كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق ..
وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني..
ولكنني حينما رأيته مسرورا يمزح كرهت أن أبدل مزاجه الطيب..
لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب ..!!
حينما وصلا لجبل الهدى توقف والدي في الصندقة المعدة للصلاة التي في أعلى الجبل ..
وتأكد من مصلى النساء فنزلا للصلاة ..
وقال لها : صلي المغرب والعشاء فربما لا نعيش يابنتي!!!
سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله..
هل يبلغ بشيء الله أعلم..
غير أني لا حظت في والدي إقبالا على العبادة في الشهور الأخيرة بما لا عهد لي به..
وتقول أختي وهي رفيقته في عدة سفرات :
لم تكن عادته أن يجمع الصلاة في السفر..
بل كان يحرص أن يصلي كل صلاة لوقتها في المسجد أينما وجد...
يحدثني شخص زارني للعزاء يقول:
قبل أسبوعين هرب شخص من الشقق المفروشة التابعة لوالدكم ..
ولم يدفع أجرة الشقق...
فقلت له يابو محمد عندك رقم جوال الرجل اتصل عليه وبلغ عنه الشرطة..
قال الوالد لا، دعه فسوف استرجعها منه يوم الدين فأنا سأحتاجها قريبا..!!
قرأت في كتاب التذكرة للقرطبي ،عن أثر أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا وكل له
ملك ينشطه للطاعة قبل موته ثم يقبضه على الطاعة.. والله أعلم.
كان الوالد مع كبر سنه يسرع في قيادة السيارة..
فلقد انطلق بسرعة تفوق المائة وستين في الطريق السريع بين الطائف ومكة..
وفجأة ظهرت له سيارة في وسط الخط شبه متوقفة..
ويظهر أنها خرجت من فرجة وسط الطريق...
وقد أنكر ضابط المرور ذلك .. ولكن أختي أكدته وشاهدت السيارة..
على كل حصل أن تنبه الوالد لتلك السيارة ..
فأدار المقود للجهة اليمني لتنحرف المركبة بسرعة قاطعة الطريق من طرفيه...
حينها صرخت الفتاة وسقطت في تجويف السيارة أسفل المقاعد..
وهي من نوع الفرت الدفع الرباعي...
تشاغل الوالد بابنته فقد أيقن بالكارثة ..
جذبها نحوه وضمها لصدره وارتمى عليها.. ليحميها..
سقطت السيارة في الوادي وتقلبت أربع قلبات أو أكثر..
تمزقت السيارة فصارت شذر مذر..
وضرب سقفها الحديدي من جهة الأخت على رأس الوالد ..
كانت الضربة تلك هي القاتلة ..
أما أختي ففقدت الوعي .. ولم تشعر سوى أنها ببطن الوادي فوق شجرة طلح..
على بعد يتجاوز الخمسين مترا تقريبا.. حيث نفحتها قوة استدارة السيارة في الهواء..
وحصل ما حصل مما ذكرته سابقا... والله المستعان..
كانت تلك الأحداث المؤلمة تدور رحاها في طريق الطائف مكة..
وأنا والوالدة نتحدث عن الوالد وأمه...!! وبره بها وكيفية موتها..
تصادف عجيب .. !!!
تزاحم الناس كالعادة على مكان الحادث..
جاء ضابط شهم من قبيلة عتيبة ...
ومنع المتطفلين من الوصول للفتاة .. حيث لم تعلم بموت الوالد.. حينها..
قال أحد العسكر هل الميت يقرب للفتاة ؟؟
فصاحت البنت وولولت..
فقال لها الضابط : ليس أبوك يا أختي إنه الشخص في السيارة الثانية..
والدك نقلناه للمستشفى وستلحقينه قريبا ..
لقد قام هذا الشاب النبيل بجمع كل ما تناثر من نقود وذهب ومستندات ..
لأكثر من ساعتين من بعد الحادث..
وسلمها كما هي لي بغير نقصان.. بعد عدة أيام فجزاه الله خيرا..
حين وصولي لمدينة الباحة ... أدركت العشاء في المسجد..
وبعد الصلاة توجهت للسوق لشراء هدايا للأقارب..
وحينها اتصل علي ابن العمة...!!!
كنت فرحا باتصاله على غير عادته !!
قال لي أين أنت ؟
قلت له الآن وصلت للباحة..
قال والدك أصيب بحادث وأختك بخير وهو بخير ويجب عليك الحضور!!
لم أسمع مثل هذه العبارة من قبل !! أو أن عقلي من هول كلامه لم يدركها..!!
طلبته يكرر ما قاله كأنني أبله..!!
وحين أدركت معاني عباراته قذفت بما في يدي من حاجيات..
وحين رأيت الوالدة في السيارة .. ترددت!!
وقفت أنظر إليها من خلف السيارة!!
ماذا عساني أقول لها؟؟
ما هي العبارات المناسبة لموقف مخيف كهذا!!؟؟
اقتربت من النافذة وانحنيت كالمسكين حينما ينكسر للسؤال...
ونظرت في عينيها وقلت لها بصوت خافت وهادئ..
يامه أبي صار عليه حادث لازم نرجع للطائف !!
ايش؟ ما فهمت ايش تقول!! تتعتعت قليلا ثم تماسكت وقالت:
كيف أبوك ياولدي؟؟ ووينه؟؟ وأختك؟؟ عشرات العبارات انطلقت منها..
قلت لها لا أدري خلينا نرجع ونشوف...
استدرت بالسيارة فورا لرحلة العودة..
لمن يعرف طريق الجنوب في الليل فهو خطير للغاية ومليء بالدواب..
ومع ذلك فقد أسرعت بشكل جنوني لألحق بأبي محمد..
وما كنت أدري حينها أن الحبيب قد وضع رحاله في دار غير دارنا والله المستعان..
خلال الطريق لم تتوقف الاتصالات بيني وبين إخوتي..
فلقد خرجت العائلة عن بكرة أبيها حبا لهذا الرجل ..
ولم يكن يعلم أحد بوفاته قبل وصولنا..
اتصلت في الطريق على جميع مستشفيات مكة المعروفة لي ..
رابني ..إفادة الممرض بنقل الوالد لمستشفى الششه وأختي لمستشفى النور..!!
لماذا فرقوهما؟؟ قالوا لعدم وجود أسرة بسبب الحج..!!
كانت بعض الاتصالات من الأقارب مزعجة..
حيث لا يراعي البعض مشاعر الإنسان وهو يقود في طرق خطرة..
ولكن الله سلم..
أمرتني الوالدة بالتوجه لمستشفى الششه فقد كان الهم بالوالد أكبر!!
ومن ذا يعز عليها أكثر من أبي محمد!!
ولكن أخي الكبير حين علم بوجهتي وقد علم بموت الوالد حينه
خاطبني بنبرة عادية ولم يظهر عليها الحزن.. بالتوجه لمستشفى النور..

وأصر علي بإحضار الوالدة لهم ، وبعدها ننطلق لمشاهدة الوالد..
في إحدى اتصالاتي للششه طلبت من الممرض بإلحاح كبير أن يوصلني بالخط لأتحدث
مع الوالد، ولكنه ماطل بحجة بعد التلفون وأنه في غرفة العمليات ونحو هذا الكلام..
وحسنا فعل جزاه الله خيرا..
يعجبك فطنة بعض الناس في تصرفاتهم..
كانت الوالدة طوال الطريق تضرب بيدها على صدرها بشكل متتابع.. وبدون نواح..
ولصدرها أزيز كأزيز المرجل..
وتقول ياولدي أبوك صار له شيء أنا أشعر بذلك!!
أكيد يابو محمد صار عليك شيء ما شعرت يمه بمثل هذا الشعور قبل اليوم..!!
كنت أسفه رأيها، وفي قرارة نفسي أوافقها ولكنني رحمتها...
ولو تركت للظنون سبيلا لقلبها لانفطر من حينه لا قدر الله..
وصلت لمستشفى النور وبالكاد حصلت موقفا للسيارات..
كنت والوالدة نلهث خلف كل من نراه مقفيا نحسبه أخا أو والدا!!
وصلت للاستقبال.. لاحظت عليه البرود فأشعرني ذلك بالراحة..!!
أعطيته أسماء المصابين..
أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم..
وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي ..
فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران ..
أصررت على الوالدة أن تجلس على مقاعد النساء..
وبحثت عن أخوي وحينما شاهدتهما من بعيد.. تفرست في وجهيهما ..
لعلي أعرف خبرا ..
وحينما التقينا ، أشاح أحدهما بوجهه عني ليخفي دمعة تحدرت من عينيه..
ومن ثم ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين..
مات أبونا يافلان مات..
استرجعت ،، ولم استطع الاستمرار في الوقوف فقعدت على
الرصيف أبكي كيتيم ...
كان الهم عند إخوتي على الوالدة..
فهي كبيرة في السن ولربما تسوء الكارثة ... وتتضاعف المصيبة ..
لم تنتظر الوالدة فلقد بحثت عنا فجاءت تتبع الخطى ..
وين أبوكم يامه؟؟
وين أختكم ؟؟
ويش صار وأنا أمكم ..
بكى الأخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الأرض..
أما الأخت فقد انكسرت ذراعها وأصيبت بشعور في الظهر.. ولكن الله سلم..
فقد كادت المسكينة تلحق بوالدها ..
فالحمد لله على عافيتها ..
كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى..
فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلاة ودفن
وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات..
لم نذق جميعا طعم النوم ..
كنت في تلك الليلة أفكر بالوالد في الثلاجة ..
هممت أن أذهب للثلاجة لأكون قريبا منه!!
وما عساني أنفعه حينها!!
في ضحى اليوم الثاني ..
اجتمعت العائلة والأقارب والأعمام ..
انطلقنا للثلاجة..
كان يوما مشمسا ، والوجوه عابسة .. كنت وإخوتي كحفاري قبور..
لم نعرف كيف نبدأ كل له رأي وكل يتكلم ولكن ليس بينهم أبو محمد..!!
استكملنا إجراءات استخرج الجثة ومن ثم توجهنا للثلاجة..
كانت سيارة الإسعاف التي ستنقل الوالد جاهزة ومفتوحة الأبواب..
قادنا عامل بنغالي يحمل بيده نقالة صغيرة..
لم يظهر عليه أثر الخوف والتردد مثلنا!!!
كانت أمامه ثلاثة أبواب حديدية ضخمة..
فتح احدها فخرج منها تيار هوائي بارد للغاية..
ويا للمنظر الموحش..
أكثر من مئة جثة قد رصت بشكل فوضوي ..
دخل العامل للداخل فلحقته لوحدي .. ثم تتابع من جرؤ ورائي..
كانت بقع الدماء تملاء المكان ..
والجثث موضوعة في أدراج كأدراج الكتب والإضاءة خافته للغاية ..
بحث العامل في الأرقام وعيوننا جميعا تسير معه..
وأخيرا أشار لأبي.. وقال هذا هو ..!! دونكموه!!
اقتربنا من الوالد كان رحمه الله دقيق الجسم .. قليل اللحم ... رأيت يده فعرفتها..
أذكر أن أعمامي وإخوتي انكبوا على يده فقبلوه
لم يجرؤ أحد على رفع غطاء الوجه..
فقد كان الدم يغطيه بشكل مخيف..
وعلى جوانب النقالة سقط الدم..
كانت يده بارزة وتلمع فيها أزرار كم الثوب الحديدية..
وكان ثوبه أسودا كما تركته بالأمس..
لو لم أرى الدماء لظننته نائما رحمه الله فقد كانت كهيئته في ذلك كما عرفته..
أذكر مرة أنني في صغري وأنا لم أتجاوز الثمان سنوات ..
أنني دخلت على الوالد .. وكان نائما في صالة بيتنا القديم..
كان مهيبا ولا يجرؤ أحد على إزعاجه...
لكنني جرؤت حينها ووضعت راحة يدي على بطن قدمه وأريد مداعبته..
عندها استفاق الوالد ونظر من حوله فحين رآني لفحني بالمخدة وقال لي ياشقي!!
ها أنا الآن بعد أكثر من عشرين سنة أحمله جثة هامدة ...

أخرجناه وتوجهنا به للمغسلة.. وكانت على مسافة بعيدة..
دخلت مع عمي للمشاركة في التغسيل ..
كنت أتساءل .. هل أنا أحلم؟؟ ألم أكن بالأمس معه أتحدث !!
ما أرهب الموت وأعظم ترويعه..
كنت اقترب من وجهه ولا أقدر أنظر إليه .. ولكنني أخيرا رأيته..
خاطبته كثيرا وقبلته ودعوت له..
كانوا يقلبونه يمينا وشمالا كدمية !!
وبالأمس لا يجرؤ أحد أن يقاطع حديثه!!
كان سيدا مطاعا في أولاده وعماله وخدامه وزوجاته واليوم هو جثة هامدة!!
كان يستنشق الهواء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق والآن يلف بخرقة !!
شقت السنون والهموم في وجهك ياأبي سنون طويلة..
والآن نم قرير العين مطمئنا ( بإذن الله)
ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك.. ولم تصب بخدش!!
ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوها الدهر لفراقك رحمك الله..
يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك ..
تشتت حالنا ، وتبدلت القلوب ، وثقل حملنا من دونك
حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسامة بن خياط..
فكبر الشيخ ،فكبر خلفه مئات الآلاف من المصلين .. وسيشفعون له إن شاء الله
حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى غير جنازتنا
فقد هالني الحشد الكبير من الناس..
أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصحابه وأحبابه وأقاربه بل وحتى طلابه..
لقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلاثين سنة.. حتى تقاعده..
صلوا عليه الجنازة مرة أخرى ثم وضعته وإخوتي في قبره الملحد..
حاولت أن أكشف وجهه لأقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك..
ردمناه بالتراب .. ونفضنا أيدينا .. وانتهى كل شيء..
مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالأمس حوالي أربعة وعشرون ساعة..
سبحان الله ما أغرب صروف الحياة..
أسأل الله تعالى أن يجعله
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
اللهم اغفر لأبي زلله وخطأه وتجاوز عن سيئاته واجعل قبره روضة من رياض الجنة..
انتهى الفصل الثالث..

يمامة الوادي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:41 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه