العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° الرأي العـام °¨

¨° الرأي العـام °¨ للموضوعات العامة واختيارات الأعضاء من موضوعات مميزة ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-03-2011, 12:20 AM   #61
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة السادسة**

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة

..



قبل أن أكمل انطلاقنا من النبهانية إلى القصيم ، أريد أن أعود القهقرى إلى الحديث عن جبال نجد وتلالها ، في الحقيقة يا سادة فإني رأيت تلالاً قد شُقّتْ من أجل الطريق ، فرأيتها كأنها طبقاتٌ من التُّرْبة اليابسة ، نظرتُ إليها نظر الغَنيَّ الأشر فذكرتني بمعكرونة اللزانيا في طبقاتها ، ثم نظرتُ إليها كرّةً أخرى نظَر الفقير الكسير فذكرتني بعشر حبّاتٍ من التميز قد رُصّ بعضها فوق بعض!


في رجوعنا نهاراً رأيتُ جبلاً عجيباً واقفاً بمفرده ، كأنه كتف الكبتن نامق! قلت لصاحبي ما أعجب هذا الجبل ! قال هذا جبلٌ يقال له (طِمِيّة)



قال : ويقال إنه اقتُلِع من حفرةٍ قرب الطائف يقال لها (مَقْلع طِمِيّة) ، وهي حفرةٌ كبيرةٌ بحيث لو وُضع فيها جبل طمية لملأها ، فهو في حجمها تماماً ، وهذه صورتها :


قلتُ لصاحبي أوقف السيارة لأصوِّر هذا الجبل بعدستي ، حتى إذا كتبت موضوعاً في المنتدى أضع على الصورة اسمي فأكتب (بعدسة أحمد الحربي) ، قال لا تُتعب نفسك ففي الشبكة العنكبوتية مئات الصور له! لكنني لا أتوقّع أن يكون امتناعه من الوقوف بسبب هذا ، بل لعله لسببٍ آخر ! وهو أنني أردتُّ أن ألتقط صورةً لمَعْلمٍ من المعالم ، فخانتني مهارتي في التصوير فصوّرتُ طبلون السيارة !


انطلقنا من النبهانية بعد أن صلينا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، فمررنا بقُرىً متعددة ، وكنا كلما مررنا بقريةٍ رأيتُ فيها من أعمدة الإنارة ما يجعلني أصيح بصاحبي : هذه هي القصيم ، فيقول لي : لا هذه قرية من قُراها ، قلت والعجبُ يعصف برِيقي : وهذه الأنوار التي بلغتْ تَعداد يأجوج ومأجوج ؟! قال هذه قرى القصيم تبدو هكذا ! قلت سبحان الله ! وأنا أعضُّ على شفَتي من الحنَق والغيظ ، ما من حسدٍ علم الله ، ولكني تذكرتُ قُرانا في الحِجاز وهي تلتحف عباءة الظلام! تبدو أعمدة الإنارة فيها كشمعةٍ واحدةٍ يخطف الظلام ضوءها حتى لا تكاد تُرى ، لماذا لا تكون قُرانا مثل قُرى القصيم ؟ مطلبٌ عادل لا يضرُّ أحداً ولا يوقف النِّعم عن المثول أمام باب أحد، فلا يغضبنّ غاضبٌ من كلامي هذا فما اعتديت ولا سعيت بالوقيعة ، فإن أبى إلا أن يغضب فرأسُه والجِدار! لهفي عليكِ يا قُرى الحجاز ! فثلاثة أعمدةٍ من الإنارة لقرية واحدةٍ في مقابل سبعين منها لقرية في القصيم تصغر عن قريتنا ، وتكبُرها قريتنا ربما بثلاث مرات!!


ما زالت القرى تتقاذفنا حتى وصلْنا القصيم ، قلت لصاحبي لا نريد أن ندخل بريدة ، بل نريد العشاء في عنيزة تعصّباً لزميلي السبيعي ، فقد سمعتُ كما يسمع السامعون ولا أدري عن صحّة هذا السماع ! بأن هناك تنافساً بين المدينتين ، ويَحكي الرّواة ونَقَلةُ الأخبار من هذا التنافس عجباً ، من ذلك ما يحدِّثون به من أن بلدية عُنيزة عملتْ مَيداناً في مفترقٍ من الشوارع ، ووضعتْ فيه تمثالاً على شكل مِقلاعٍ كبيرٍ ، فاحتجّ أهل بريدة وطالبوا بإزالته ، يا تُرى ما السبب ؟! قالوا إن المِقلاع موجّهٌ صوب بريدة وهذا إهانةٌ لنا ولا نقبل الضيم أبداً !!


دخلنا عنيزة وتناولنا العشاء في مطعمٍ للمشويات هناك قريبٍ من الماكدونالدز ، وحقّاً وصدقاً كانت عنيزة أهدأُ من سُرادق العزاء! وذلك أنني مُعتادٌ على صخب المدينة المنورة وضجيجها ، فظننتُ أن عنيزة كذلك ، وإذْ بها مدينة هادئة وصغيرةٌ ليست كمدينتي التي لها نصيبٌ من قول الأعشى :
وبلدةٍ مثلِ ظهر الترس (مزعجةً) *** للجِنِّ بالليل في حافاتها زَجَلُ


حقيقة لقد تمنيت أن أعيش فيها ، فأنا هاديءٌ وأُحِب الهدوء ، إلا أنني خفتُ على لغتي ، فأدعو البطّيخ جِحَّاً بدلاً من أن أدعوه حبحباً ، وأقول (بُوه) أي بهِ بدلاً من قولي (فيهِ) ..


تذكرتُ الشيخ محمد بن صالح بن عثمين رحمه الله ، الذي كان نوراً انبثق من هذه المدينة الرائعة ، فرحم الله ذاك الشيخ المهيب المتواضع ، المتفنِّن في عددٍ من الفنون ، تذكرتُ يوماً مشيتُ بجانبه وقد كان خارجاً من الحرم المكي في غير أيام رمضان من عام ثلاثة عشر بعد الأربعمائة والألف ، وليس معه إلا أنا ورجلٌ آخر يسأله وأسأله ، وكانت في يده عصاةٌ ينكتُ بها في الأرض وهو يمشي ، فمرّة أقول إنني بجانبِ أحدٍ كبار السِنِّ إن نظرتُ إلى شيبته ، ومرة أقول إنني بجانب شابٍّ في مقتبل العُمر حين أنظر إلى سرعة مِشْيته ، فرحمه الله وبرّد مضجعه وجعله في روضات الجنّات..


خرجنا من عنيزة متوجِّهين إلى الرياض ، فوصلنا إلى الغاط في طلعته الشهيرة التي هي بداية هضبة نجد





تلك الهضبة العظيمة الواسعة ، قال لي صديقي : حين نصعدها الآن فلا نزول بعدها وإنما نمشي في هضبة كبيرةٍ ، وبالرجوع إلى الإحصاءات الجغرافية فإن هضبة نجد تشغل حيّزاً كبيراً من وسط الجزيرة العربية ، تُقدّر مساحتها بـ 482 ألف كم2..


سادتي .. انظروا إلى الصورة الثانية في الجبل وتذكروا معكرونة اللزانيا !
الجدير بالذكر أن هذه الصورة قد تكون قديمةٍ إلى حدٍّ ما ، لإني شاهدت مجسّماتٍ للأهلّة في أعلى الهضبة على ميمنة الطريق وعلى مسيرته..


صعدنا على متون الهضبة ماضِيَيْنِ في طريقنا إلى الرياض حتى وصلنا إلى محطّة لا كالمحطّات واستراحةٍ لا كالاستراحات إنها استراحة العَتْش ! فاتفقنا على أن نبيت فيها إلى قبيل الفجر..


انتظروني في الحلقة القادمة .. إن شاء الله
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-03-2011, 11:59 PM   #62
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

الحلقة السابعة

أنخْنا الركائب باستراحة العَتْش ، وهي استراحة تبعد عن الرياض ثلاثة عشر كيلاً بعد المئة تقريباً ،
لمَ أرَ مثلها من قبلُ ، ففيها نُزُلٌ ، ومستوصف طبي ، بالإضافة إلى محطة وقودٍ ، ومسجدٍ جامعٍ ، ومطعم ،
ومحالّ تابعةٍ لمزرعته التي تكتنف الاستراحة ، حيث يبيع من مُنتجاتها الحليب واللبن والسمن وغير ذلك ..



وصلناها في تمام الساعة الحادية عشر ليلاً ، كان الجوّ بارداً وكأننا في زمهرير الشتاء ، دخلنا غرفتنا في النُّزُل ،
كنتُ مرهقاً فقد خرجتُ من الدوام ولم أنمْ ، وهذه عادة لي حين أريد السفر يطير النوم بحيث لا أراه بالعين المجردة ولا بالتلسكوب ،
وما إن أقبض على مقود السيارة للانطلاق حتى ينهمر علي النوم دُفعةً واحدةً ، وأبقى معه في عِراكٍ ولا أطرده إلا بالمغالبة وبشِقِّ الأنفس..



لذلك ما إن دخلتُ الغرفة حتى رميتُ نفسي على سريرٍ يا له من سرير! هو أشْبه ما يكون بصخرةٍ منبسطة، أو بجبلٍ قد مُدَّ ساقه ،
لكنه في ذلك الوقت على تلك الحال من النعيم العظيم ، ثم التحفت ببطّانيةٍ تنوء بالعُصبة أولي القوة! ما زلتُ بها أدعوها فتأبى المجيء ،
وأشدُّها فتشدُّني ، وأحملها فتتفلّتُ مني وتسقط ، حتى ضجرتُ فجذبتها بقدمها فانكشف ضعفها ،
فطاوعتْني وأسلمتْ نفسها إلى رجلٍ لا كالرجال! فنمتُ عليها ونامتْ علي ، نصفها تحتي ونصفي تحتها ,,,


نمتُ على تلك الصخرة المنبسطة التي تُدعى السرير ، إلى أن أيقظني صاحبي لصلاة الفجر ، يا له من نومٍ ما أهنأه وأسعده !
وتلك هي النومات التي تأتي بعد يومٍ شاقٍّ ، تزيد العقل قوةً ونشاطاً وتهب الذهنَ صفاءً ونقاءً ،
لا كنومات العصر والضحى التي قيل فيها :


ألا إن نومات الضحى تورث الفتى *** خبالاً ونومات العُصير جنونُ


ما دخلتُ المسجد حتى قُضيت الصلاة ، فرأيتُ رجلاً كبير الجسم كبير السِّنِّ ، قد فاتتْه الصلاة مثلي ،
فجئتُ قريباً منه لنصلي جماعةً ، فأقام الصلاة ، وعلى أنه لا يوجد من المتأخرين إلا أنا وهو إلا أنه أقام الصلاة بصوتٍ مرتفعٍ ملأ فضاء المسجد ، واهتزّتْ له أعمدته ،
كان جهْوريَّ الصوتِ وكان رجلاً من أهل نجدٍ ، لحى الله أصواتنا التي كأنها تخرج من خُرْم إبرة ، رِقّة وضعفاً ،
لو أنصتَ أهل المسجد لما سمعوه إلا همسا!
تعوّدنا على أن الأدب أن تخفض الصوت حتى كُنّا والنساء على قدمٍ وساق!
وأوحى إلينا المتنطِّعون في البروتوكولات الاجتماعية ، الناشئون في الحِلْية بمصطلح اللياقة ، كونوا خافضي الصوت أبداً ،
وهذا خلاف ما كانت عليه العرب ، فحين عطس ابنُ أحدِهم عند الخليفة عطسة خفيفة ، لامه أبوه بعد أن خرجا ،
قال له : قبحك الله ، أفلا عطستَ عطسةً ينخلع لها قلب الخليفة ! وأنا لا أقول في العطسة بما قاله فديننا يأمرنا بخفض الصوت عند العطاس!
لكنه شاهدٌ على رفع الصوت ، ومن جهةٍ أخرى فإن رفع الصوت يُعفيك من قولهم : أعدْ ما قلتَ فلم نسمعك ، على أنه يوحي بالخوَرِ والضعف ..


خرجنا من استراحة العتش متوجِّهَيْن إلى الرياض ، وإن كان من شيء يزهو الحديث به عن العتش ويَطيب ويُؤنِس ،
فهي تلك الفتاة الشابّةُ التي
رأيتُها مع أمها وجدّتها ، عند مرورنا بالاستراحة في رجوعنا ،
وتالله وبالله لو لم أكن متزوِّجاً لكانت تلك الفتاةُ حليلتي ، وتُحفةَ داري ، ومِصباحَ غرفتي ،
ولكانت شعاري ودثاري ، ولكنتُ لها ولكانتْ لي، لا أستبق الحديث عنها الآن ، وسيكون الحديث عنها عند حديث القُفول من الرياض إن شاء الله..



دخلنا الرياض قريب الساعة السادسة صباحاً ، فألقيتُ تحيّتي إلى أهل الرياض ،
قلتُ : عموا صباحاً يا أهل الرياض ! ما أجابني إلا برج المملكة يفتح لي فمه مبتسماً ،
كأنما يرد التحية بأحسن منها ، لقد كان أهل الرياض يَغُطّون في سباتٍ عميق ، كأنني بشخيرهم أسمعه يترادُّ بين جنبات المدينة ،
اليوم يوم الخميس فالحِراك قليلٌ والمستيقظون قليل ، غير أن هناك من حيّانا أعظم تحيّةٍ ، إنه الهواء !
لقد وقف لنا وحيّانا تحيّة عسكرية فكان لا يتحرك ، طفقت وصاحبي نجوس خلال شوارع الرياض ،
نبحث عن موقع معرض الكتاب ، لم يطل بنا البحث حتى وجدناه ، ولإنه بقي على افتتاح المعرض ثلاث ساعاتٍ تقريباً ،
قلنا لنستأجر شُقَةً مفروشةً فنرتاح بنومة تُزيل ما تبقّى من عناء السفر ، فكان ذاك بحمد الله فاستأجرْنا شقّةً كأن الشاعر يعنيها حين قال :

وبلدةٍ ليس بها أنيسُ *** إلا اليعافيرُ وإلاّ العيسُ

وهذا البيت من الشواهد النحْوية ، وهو شاهدٌ في باب الاستثناء عند مبحث الاستثناء المنقطع ، ومعنى المنقطع :
أن المستثنى ليس جزءاً من المستثنى منه ، مثل ما قام القوم إلا حماراً ، فالحمار ليس من القوم إن لم يخب ظني!! ،
فالحجازيون يوجبون النصب وبه جاء التنزيل في قوله تعالى (ما فعلوه إلا قليلاً منهم) وقوله (ما لهم به من علمٍ إلا اتباعَ الظن) ،
أما تميمٌ فيرجِّحون النصب ويجيزون الاتباع على أن المستثنى بدلٌ من المسثنى منه ، فيقرأون (اتباعُ) بالضم ،
ويقولون : ما قام القوم إلا حمارٌ ، وهذا البيت يشهد لهم ، بينما نحن الحجازيون يشهد لنا القرآن !!
على أنني أوافق بني تميمٍ في الإتباع بجعل المستثنى بدلاً من المستثنى منه إن كان الذي قام إنسانٌ في مِسْلاخ حمار!

وهذا البيت لعامر بن الحارث المعروف بجران العود ، وهكذا يرويه النحاة من سيبويه ولكن الرواية في ديوانه هكذا :

قد ندعُ المنزل يا لميسُ *** يعيش فيه السبع الجروسُ

الذئب أو ذو لبد هموسُ *** بسابساً ليس به أنيسُ

إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ *** وبقرٌ ملمع كَنوسُ

( من كتاب منحة الواهب العلية شرح شواهد الكواكب الدُّرِّية لعبدالله الشُّعبي)



الى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-03-2011, 11:17 PM   #63
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة الثامنة**

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة




دقّات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائقٌ وثوانِ



-----------------------أسْتهِلُّ هذه الحلقة يا شبيبةُ بهذا البيت العظيم من أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي ، فقد مضتْ ثلاثُ ساعاتٍ كأنها ثوانٍ معدودةٌ ، كُنّا نستطيلها في انتظار الساعة العاشرة للدخول إلى مبنى المعرِض ، فلمّا حضرتْ رأيناها لا تتجاوز بضعَ ثوانٍ ! هذه هي الحياة يا سادة ويا سيدات ويا آنسات ! تتقلّب في أنظارنا طولاً وقِصَرا ، فنستبطيءُ ساعةً ونستعجل أُخرى ! ونرى طول سنةٍ ونرى سرعة تقضِّي سنة أُخرى ، بينما هما هما ؛ الساعة والسَّنَة ، لم يزيدا ولم ينقصا ، إنما هي أحوالنا حين نطمع ونجزع ، وحين نفرح ونحزن ، ففي الطمع والفرح نرى سرعة المسير ، وفي الجزع والحزن نشاهد بطء المسير ، لله ما أضعفنا وما أضعف الدنيا ! إي والله ما أضعف الدنيا ، بالأمس قرأ إمامنا قول الحق تعالى (والأرض جميعاً قبضتُه يوم القيامة) فسرحتُ بخاطري في هذه الآية ، فقلت في نفسي : أنا وذُرِّيَّتي وحارتي ومدينتي ، والجبال العظيمة والوديان الواسعة والبحار المتلاطمة ، والناس كلهم جميعاً بذراريهم ، في قبضة الله ! فخالطني شعورٌ من الهيبة والخوف والفزع فُتحتْ له عين الذهول .. نشكوا إليك يا ربنا غفلةً تجتاح قلوبنا فنتجشّم معاصيك عالِمين عارِفين مُدرِكين ..

-----------------------انطلقت وصاحبي إلى المعرِض مُبكِّرين ، أوقفْنا السيارة في المواقف المخصصة ثم دخلنا ، فوجدْنا المعرِض واسعاً ، توجّهنا مباشرةً إلى الشركة الوطنية للتوزيع ، كان العامل السوداني في الجناح مشغولاً بكثرة المشترين ، فوقفتُ جانب الجدار واتّصلتُ بالمسؤولين في الشركة الوطنية فأخبروني أنّ عليّ أن آتي إليهم في مقرِّهم ، وأن الرجل السوداني سيصف لنا الطريق ، فطفق يصف لنا الطريق بوصفٍ حلمنتيشيٍّ جعَلَنا نخرج خارج الرياض ، فاستلمتْنا الجسور حتى كِدْنا أن نصل إلى محطة العتْش! وصف لنا السوداني بأنه بجوار نادي الشباب الرياضي ، فقال تذهبون حتى مخرج سبعة إن لم أنسَ ، بل أظنني نسيت أهو مخرج سبعة أم لا ، ثم قال وستجدون مبنى الشركة..

----------------------- مضينا نعد المخارج حتى إذا ما وصلنا إلى المخرج خمسة أو ستة انخرمت الأرقام فلا نجد رقم سبعة ، لا تؤاخذوني في الأرقام فأظنها اشتبهتْ عليّ كما تشابه البقر على بني إسرائيل ! فما أكثر مخارج الرياض ، فنضِلُّ الطريق حتى نصل إلى جامعة الإمام ، سألنا رجلاً بنغالياً يعمل في استراحة ، فكان كعَمْياء تنقُشُ الحِنّاء لعمياء ! فتركناه وأصبحنا نسأل حتى قيل لنا إنه قريبٌ من هنا ، إلى أن وجدْنا صيدلية فدخلت فوجدتُ رجلاً نجْدياً فسألتُه عن الشركة الوطنية للتوزيع فقلّب عينيه وضم شفتيه باسطاً لها بطريقةٍ أشعرتْني بأن في رصيده البنكيِّ مليونَ ريالٍ لا داعي لها ! فأخذ يفكِّر ، وكان بجانبنا رجلٌ أكبر مِنّا سِنّاً وأعلم وأحكم ، سمعني أسأل ، فخاطبني بهدوء الكِبار في صوتٍ واثقٍ وثابت ، فوصف لي الطريق ، فكان يربط اتجاهات المسير يميناً وشمالاً بقوله (ثِمِّنْ) ، شكرتُ الاثنين وانطلقتُ ، وقد كُنا قاب قوسين من الشركة أو أدنى ، فوصلناها فكان كما قال السوداني بأنها بجوار مبنى نادي الشباب ، فتوهمتُ أن أرى صخرة دفاعه إبراهيم تحسين يفتِل شاربه ..

-----------------------دخلنا الشركة واتفقنا معهم ووقّعنا العقد ، ثم تركت الحلمنتيشيَّ ذا الأنف في مستودعهم ، فنظر إليّ مُسْترجِعاً ومحوقِلاً إذ لم يعجبه المكان ! فقلتُ له اصبر على هذا المكان حتى تنال أكرم منزلٍ في المعرِض ، فكُن كما قال عنترة بن شدّاد :

ولقد أبيتُ على الطَّوى وأظَلُّه *** حتى أنال به كريم المأكلِ

قال عمر رضي الله عنه مُعقِّباً على هذا البيت : ذاك رسول الله . يعني عمرُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الوصف من عنترة ، وشعر عنترة يبعث في النفس الثقة ويأخذها إلى العزة والأنفة ، فهو يقول :

لا تسقني ماء الحياة بذِلّةٍ *** بل فاسقني بالعزِّ كأس الحنظلِ

وكأنه في هذا البيت يخاطب أصنافاً من الموظفين يمتهنون نفوسهم عند مديريهم ، من أجل أن يرضوا عنهم ، فيُكرموهم بانتدابٍ أو بكثرة استئذانٍ ، وأُخص بعض المعلمين باللوم ، فإنك تجد بعضهم مثل فراريج الدجاج أمام المدير وأمام المشرف التربوي ، لا أقول اعتدِ عليهما ولكن لا تجعلهم يسقونك ماء الحياة بذِلّة..

وفيها يقول مخاطباً زوجَه ، فتحسّس بمعاني أبياته في سويداء قلبك :

بكرتْ تُخوِّفني الحتوف كأنني *** أصبحتُ عن غرض الحتوف بمعزِل
فأجبْتُها إن المنيّة منهلٌ *** لا بُدّ أن أُسْقَى بذاك المنهلِ
فاقنَيْ حياءك لا أبالكِ واعلمي *** أني امرؤٌ سأموتُ إن لم أُقْتَلِ
إن المنيّة لو تُمَثَّلُ مُثِّلتْ *** مِثلي إذا نزلوا بضنْك المنزِلِ

فانظر إليه ! اعتدادٌ بالنفس في حدود المعقول ، وتسليمٌ للقدر ، وصرف النفس عن الخوف بأن الموت قادمٌ لا محالة ، وأنه لا يُستطاع التحكُّم فيه ، ثم التفتَ إلى المهم وهو إقدامه وشجاعته ..

-----------------------خرجنا من الشركة وكان الوقت ظهراً وما لبثنا أن أُذِّن لصلاته ، فصلينا ثم هِمْنا في شوارع الرياض نبحث عن مطعمٍ ، فلم نشعرُ إلا ونحن بجانب مطعم النافورة ، فقلت لصاحبي إن هذا المطعم مما يُشار إليه بالبنان في الرياض ، فدخلنا وما جلسنا إلا لنقوم ، لم يعجبْنا ما فيه وكنا نريد جلسةً عربيّةً يميس فيها أبو همْزة (الرز) بخَصْره ، فخرجنا وكان بالقرب منه مطعمٌ للمثلوثة والمندي ، فتناولنا غداءنا عنده ، ثم مضينا نيُمِّمُ شُقّتنا ، وفي الطريق حدث لنا عجبٌ ، فقد كانت عجلات سيارتي تشكو ذهاب تقاسيم وجهها من طول الأمَدِ وكثرة الاستخدام ،
وقد سألني أحد الإخوة : متى تُغير عجلات سيارتك ؟ فقلتُ له : إلى أن تُخرج أثقالَها أقصد أسلاكها ! ما حدث يا سادة أنني ما انتبهتُ إلى مَطبٍّ كبيرٍ كأنه بطن ناقةٍ عُشَراء ، فضغطتُ على المكابح كالمعتاد فإذا بالسيارة ترقص رقصة السامبا ، حتى كِدْنا أن نرتطم بسور حديقةٍ ، فقلت لصاحبي انظر إلى طُرِق الرياض كم هي ناعمة! فقال على البديهة : كأنها مخلوطةٌ بِزُبْدة!! قلتُ لله أبوك ، لقد أصبتَ وما أخطأت ..

-----------------------وصلنا شقّتنا فنمنا إلى العصر ثم توجّهنا إلى المعرِض ، فقضينا فيه وقتاً لا بأس به ، مررنا على الشركة الوطنية للتوزيع فإذا الناس متوافرون لشراء كتاب الشيخ سلمان العودة (شكراً أيها الأعداء) ، فأخذني العجَبُ كل مأخذ ، فهناك مُفارقةٌ عجيبةٌ يا سادة ، فسيجتمع في هذا الموقع ضِدّان ، كتابٌ لصحويٍّ وآخرُ لجاميٍّ ! وتعال حدِّث ولا حرج ، عن عصافير العجب !

-----------------------تجوّلنا في المعرِض ، وكانت مكبرات الصوت تصدح بتوجيه الأنظار إلى المنصة رقم كذا بأن فيها الدكتور محمد العوين يوقّع كتابه عن المرأة ، فلمّا رأيتُه هالني الشبه الكبير بينه وبين الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في الوجْه ، كان يوقِّع للناس وعنده عددٌ لا بأس به ، بينما كان بجانبه شابٌّ نسيتُ اسمه يريد أن يوقّع لكتابه فما يأتيه أحدٌ ! في أثناء ذلك يصدح المكبِّر بأن الأستاذة مها النهدي توقع لروايتها في قسم الأطفال ! قلتُ في نفسي هذا اتفاقٌ عجيب ، فالمرأة كالطِّفل ! مررنا بها توقّع لبنات جنسها ، وقد شاهدنا رجال الهيئة واقفين بحذائها ، لا أدري ما السبب ، ربما ضربةٌ استباقيةٌ لشيءٍ ما ، ولكن هل تغني الضربة الاستباقية عن الواقع في المعرض شيئاً ، فها هُنِّ النساء فيه بكامل زينتهن ، ومعهن أطفالهن وكأننا في دور الحضانة!


انتظروني في الحلقة القادمة .. إن شاء الله
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-03-2011, 10:22 PM   #64
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة التاسعة**



مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة



---------- أخذ النساء يتجوّلْنَ في المعرض جيئةً وذهاباً ، في منظرٍ لا يُحسد عليه مجتمعٌ محافظ ، فالبعض منهن في كامل زينتهن ، تزاحم الرجال مَنْكِباً بمَنكِب ، ناهيك عن تلك التي رأيتها تسوق عربةً طويلةً وضعتْ فيها ولديها ، أحقاً هذا معرض كتابٍ أم ماذا ؟! وهناك من النساء من هُنَّ في كامل حجابهن ، جِئنْ للكتاب وللكتاب فقط ، على أن خيراً لهُنّ أن لا يُزاحمْنَ الرجال ، وينْأيْنَ بحيائهن عن كل موطنٍ وموقع يكثر فيه الرجال ، فلقد دأب الرسول صلى الله عليه وسلم على فصل النساء عن الرجال ، فجعلهن في آخر المسجد ، وجعل لهن باباً ، وجعل لهن يوماً يعظهن ..


---------- أما عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينطبق عليها المثل السائر (ارحموا عزيز قومٍ ذلّ) ، كان وجودُهم ـ بحسْب ما رأيت ـ صوريّاً لا يزيد على الاستعراض فقط ! لم يكن لهم وجودٌ فعّالٌ في المعرِض ، فلو لم يحضروا لكان أحفظ لماء وجوههم ، أما أن يحضر ممثِّل الهيئة ويرى المنكر الحاضر ولا يتكلم مع وجود السلطة لديه فهو يُضفي على تلك المشاهد شيئاً من الشرعية عند الجهلة ، لقد رأيتُ أحدهم دخل ومعه شرطيٌّ وهو يتحادث معه بصوتٍ مرتفع كأنه يقول (نحن هنا) ، فيمرُّ بجانب نساءٍ متبرِّجاتٍ ولا يُحرِّك ساكناً ، ثم خرج كما دخل لم يخاطب واحدةً بعينها ! حتى رجل الهيئة الذي رأيته عن تلك التي توقّع لروايتها ، كان واقفاً بحذائها ، فكان مِثْله مِثْل سائر من في المعرض من النظّارة..


---------- الحق أن المنظر العام الذي رأيتُه لممثّلي الهيئة يدعو للبكاء الحلمنتيشيِّ الصاخب ، ذاك يا سادة بسبب أن الدولة في أكابرها تدعم الهيئة قولاً وعملاً ، فلماذا يبدو رجل الهيئة سلبيّاً في وجوده ! أكان يعجز عن كلمة ، عن نصيحة ، عن إشارة ، وهنا دعوةٌ إلى تمحيص رجال الهيئة ، فبعضهم متخاذلٌ تأثر بالحملات الإعلامية فانهزم وتقوقع ، وهذا التمحيص يعضده تمحيصٌ آخر وهو تشذيب الهيئة ممن لا يقف عند ما حدّ له وليُّ الأمر ، وكِلا طرفي قصْد الأمور ذميمُ ..


----------تجولتُ في المعرِض وعيناي تتقلب ذات اليمين وذات الشمال ، لمزيد فضولٍ لا أنفكُّ منه مُذ فتحتُ عينَيّ على هذه الدنيا ، فرأيتُ فيما رأيتُ من المناظر منظراً أضحكني حتى الثُّمالة ! رأيتُ شاباً من شبابنا يدلُّ محيّاه على خصامٍ شديدٍ بينه وبين الثقافة ، سيماهم في وجوههم ! رأيتُه ـ وقد انتهز فرْصةَ الحرّيّة المشؤومة ـ منهمكاً في حديثٍ جانبيٍّ في وسْط المعمعة مع امرأةٍ ، أظنه لم يجدْ من تُعطيه وجْهاً سواها ! لقد كانت هذه المرأة غير سعودية وفي عُمر جدّته ، وما أظن مَيْله إليها إلا لكونها كاشفةً عن وجهها ، أصابني ما أصاب رجال الهيئة فلم أُنكر إلا بقلبي ! كأني بتلك المرأة تلطم حظّها التعيس ، حين كان قدرُها أن تُطاوِل هذا العناء ، فنحن نعلم أن النساء من الدول العربيّة الأخرى مثقّفاتٍ إلى حدٍّ ما ، وكأني بها تحاول الفِرار من هذا البيت الشعبيِّ المُتهالك، لكنه كان قدراً ومُلصَقاً وجبلاً يصعب إزالته ، تركتُهما مُختلِفَين في مشاعرهما ، هي تبكي حظها وهو يُرقِص حظّه ، ومضيت في طريقي ..


---------- إن سألتم عن الحلمنتيشيِّ ذي الأنف ، فإنه لا زال في مستودع الشركة يسْترجِع ويُحوقِل ، لعدم إمكانية حضوره إلى المعرض مساء يوم الخميس ، فإدارة المعرِض تمنع دُور العَرض من إدخال الكُتب إلا في وقتين ؛ قبل الساعة العاشرة صباحاً ، وبعد الساعة العاشرة ليلاً ، أما أثناء استقبال الزوّار فلا تسمح ، وهذا تنظيمٌ جميلٌ ورائع . إذنْ سيظلُّ الحلمنتيشي في استرجاعه وحوقلته إلى مساء يوم الجمُعة ، لكنني لن أكون حاضراً معه فسأغادِر إلى المدينة ، والحق أن تنظيم المعرِض من حيث الانسياب والتجهيز كان رائعاً ؛ ففي وسْط المعرض حُجزتْ مساحة للعمل الإعلامي والتغطية الإعلامية ، فُرشتْ ببساطٍ أخضر ، رأيت لقاءً للدكتور العثمان مديرِ جامعة الملك سعود تنقله القناة الثقافية السعودية ، وفي آخر المعرِض قسمٌ خاصٌ بالأطفال ، يحوي كُتيّباتٍ وقَصصاً وألعاباً مما تنمّي مهارة التفكير لدى الطفل ، أيضاً كان التكييف في المعرِض ممتازاً ، غير أنه ينقص المعرِض من حيث التجهيز عدم وجود مُصلّى ، فكان الناس يُصلّون أمام بوابات المعرض من الداخل ، في صفوفٍ متقطعة ، وبغير مكبِّرِات الصوت ..


---------- ولأني وصاحبي يا سادة من ذوي الدخل المُستلقي على قفاه! فقد طفقنا نبحث عن الإصدارات المجّانية من الكتب، فأخذنا صدقاتٍ من هنا وصدقاتٍ من هناك ! فربما وجدْنا دجاجةً ، وربما بِتْنا طاوِييْن نمُص تمرةً واحدة ، أقصد أننا وجدْنا كتباً مجّانية ووجدْنا أيضاً بعض المطْويّاتٍ ! أشعر وأنا أبحث عن الإصدارات المجّانية أن عدسات التصوير للقنوات الفضائية تلاحقني وصاحبي في برنامجٍ بعنوان (المتسوِّلون في معرض الكتاب) ، فترصُدنا ونحن واقِفَين أمام المجّان نمُدّ أيدِيَنا ، ثم تُتابعنا ونحن نَنْتحي جانباً نقتسم ما جنيناه من التسوّل ، فيضع كلٌّ منا نصيبه في قُفّته ، أوّاه أوّاه ! لقد أحسستُ يا سادة بحال المتسولين ، فبالله عليكم إن جاءكم متسوِّلٌ يبحث عن لقمة فلا تَزْرِموه ولا تنهروه ، فقد نُهيتم عن ذلك ([ وأما السائل فلا تنهر]) ، غير أني ـ والحق يُقال ـ اشتريتُ ! وما كان بودّي أن أُذيع سر الشراء رعايةً لقلوب الكادحين وحمايةً لشعور المحاويج ، لقد اشتريت لأبنائي لُعَباً ! حين كنت في قسم الطفل ، فلله من خسف العقول! يذهب لمعرض الكتاب ليشتري اللعب! ولذلك فعليه مع هذا العقل البهْرج أن يذهب لمعارض الألعاب ليشتري الكتب!!


---------- رأيتُ في المعرض فيما رأيتُ حُرّيةً في الكتب ، فرأيت كتباً للرافضة تباع على غلافها صورة الرافضي الخبيث حسن نصر الله ، الذي شتم السعودية في يومٍ من الأيام ، وإن لم أهِم فالكتاب من تأليف حسن نصر الله ، وأظن أن المسؤولين عن المعرض صرحوا بأنهم لم يمنعوا كتاباً واحداً ، ولم يسحبوا كتاباً واحداً ، بل كان السماح عاماً ! بالطبع السماح لكل ما هبّ ودبّ ودرج ، وهذا لا يقول به أعتى الداعين إلى الحرّية ، فلا بد من سقفٍ ولا بد من خطوطٍ حمراء يُمنع تجاوزها ، وهذا السماح طعنةٌ نجلاء في خاصرة المتشدِّقين بالوطنية ، فلو كانوا ـ من سمح ومن أيّد السماح ـ يشتملون على وطنية صادقة لَما سمحوا بعرض كتاب من شتم دولتهم ! لكننا عهِدناهم ورأيناهم ؛ وطنيوّن في الضوء ، ومُنسلخون من جلْد الوطنية في الظلام الدامس ، وحين تتحين الفُرص ..


---------- رأيتُ في المعرض فيما رأيتُ أن مَن ظاهره الاستقامة من الشباب والشيب يملأون جنبات المعرِض ، مما يثلج القلب ويشرح الصدر ويقرّ العين ، فالعلم والتثقّف عاصمٌ من الموقوع في شبهات المشبِّهين وشكوك المشكِّكين ؛ من خوارج العصر ، ومن فاسدي الاعتقاد من روافض ومعتزلة وأشاعرة وصوفية ، ومن المرتدّين الذين يدينون بدينٍ غير الإسلام ، كالإنسانية والعقلانية والليبرالية ، وهذا ليس حِكراً على من ظاهره الاستقامة ، بل عصمةٌ للجميع ، فإنه لا عاصم من قُطّاع الطرق أولئك إلا بالعلم ، وإن المجتمع حين يكون مجتمعاً متعلِّماً ويعتمد على العلم ، فإنه يُحصِّن أفراده من طوارق الليل وعاديات النهار ، وما غُرِّبتْ المجتمعات الإسلامية ، وما شُرِّق بها عن تعاليم الإسلام في شرق الأرض وغربها ، إلا بوأدِ العلم وإيلاد الجهل ، فتمكّن المشكِّكون والمشبِّهون بالباطل على رقاب مجتمعٍ جاهل ، فجاسوا خلاله قتلاً لكل فضيلة ، ونشراً لكل رذيلة ، بدءاً بصغار المعاصي ، مروراً بالكبائر منها وبالبدع ، وانتهاءً بالشرك بالله تعالى ..


---------- لم يطُلِ المُقام بنا في المعرِض غير ساعتين تقريباً ، ثم خرجْنا منه ، وحين جئنا عند باب الخروج طلب مني حارس الأمن إبراز مستند الشراء ، فكان معي قُفّتان ، فقلتُ له : هذه قسيمة الألعاب لهذه القُفّة ، وأما هذه فهي إصداراتٌ مجّانية ، فقال لي ممازحاً أعطني إياها ! فأريتُه حماليق عيني بعد أن قلت له : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، أأظل سائر اليوم أجمعها وتأتي أنت تأخذها ! عجبي ! اذهب بنفسك واجمع منها ما شئتَ حتى تنوء بحملها!


أأشقى به جمعاً وتجنيه راحةً *** إذن فابتذال النقْد قد كان أحزما
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-03-2011, 01:32 AM   #65
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية بدووور
 
تم شكره :  شكر 53 فى 39 موضوع
بدووور will become famous soon enoughبدووور will become famous soon enough

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

اول شي مشكوور ثاني شي انت تتكلم مع مين خيوو

التوقيع
بدووور غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-03-2011, 06:03 PM   #66
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

**الحلقة العاشرة**


مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة



---------- ---- خرجنا من المعرِض ، فقال لي صاحبي ورفيق سفري سنتناول العشاء في برج المملكة ، هناك هناك في ذِروة سنامه ، حيث عُشّ العنقاء ! فقلتُ لا والله لا يكون هذا أبداً ، فأنا أخشى المرتفعات خشيتي لديكٍ كان في حارتنا أيام الصِّبا ، كان يستضعفني فكنتُ كلما مررت به ترك أشغاله وما في يده وأقبل عليّ يصفعني بجناحيه ، قطع الله ذيْنِك الجناحين ، فكنتُ أكره الذهاب إلى منزل خالتي زوجة أبي ، لقد تسبب هذا الديك الخبيث في قطع رحمٍ وانقطاع صِلة ، إلى أن أزاحه الله عني بأن سلّط الله عليه رجال البلدية الأشاوس ، وهكذا يعاقب الله الظالمين والطغاة !!


--------- ----- قلت اذهب يا رفيقي وتعشّ لوحدك ، وأما أنا فارمِ إليّ بالصامولي وبقية عشائي من فوق ناطحة السحاب ، عفواً يا سادة هل يبيعون الصامولي فوق ناطحة السحاب ؟! وكم يكون سعره هناك ؟! قلت له : سأفرش سفرتي على باب البُرج ، ثم إذا ما انتهيتَ من عشائك فتزلّج هابطاً إليّ على جدرانه ، فإني في خصامٍ شديدٍ وخصومةٍ طويلةٍ مع المرتفعات ، مثلي مثل ذاك الرجل الطاعن في السِّنِّ لمّا أرْكبوه الطائرة همّتْه نفسُه فأخذ يقول : "دعوني أقبضها ، فوالله لن أطير عنها ما حييت" يريد أن يقبض على الأرض بيديه وقدميه! إنها النفس وحلاوة الروح ! فمن ذا الذي يُفرِّط فيها !


------------ -- بحثنا عن مطعم بالقُرب من نُزلنا فوجدنا مطعم (الهرفي) وهو يبيع البرجر وسواه ، فقعدْنا وطلبنا ، أقصد فطلبْنا وقعدْنا ، ثم فتحتُ جوالي n95 واتصلت بالشبكة العنكبوتية ، وفتحتُ على موقعٍ مجاورٍ ، وكان أستاذنا وكبيرنا ومعلمنا آيدن قد وضع موضوعاً دعائياً لصاحب الأنف الحلمنتيشيّ ، فرأيت أحد الإخوة اعترض عليه بأنْ كيف تعمل دعايةً لكتابٍ وموقعٍ يعودان لرجلٍ جاميّ ؟! فقرأتُ جواباً ماتعاً لأستاذنا أفاد وأجاد كعادته ، وصال وجال على طريقته ، فأمتع أيّما إمتاع ، فقلتُ لرفيق سفري : بالله عليك اسمع ما يقول آيدن ، فقرأتُ عليه ما قال فأعجبه أيما إعجاب ، فقلتُ له إني سأُخبره بأن رده أعجب جامياً محترقاً! فقال بل متفحِّماً ! قلت بعد ذلك وأنا في حالٍ كبيرةٍ من حسد الغبطة : لله ما أهنأك بتفحُّمك ! وأسأل الله أن يبلغني كما بلّغك من هذه المنزلة السامقة! فإني لا زلتُ محترقاً فمتى أكون متفحِّماً ؟! لقد بحثتُ يا سادة عن التفحّم مظانَّه ، وأعملتُ فيه الخُفّ والحافر ، وهيّجتُ السارح والبارح ، وضربتُ آباط السيارة مشرِّقاً ومغرِّباً ، وفعلتُ وقلتُ ولمّا أصل إلى هذه المنزلة الرفيعة والمكانة السامقة بعْدُ ، فمتى أتفحّم ، متى متى !


-------- ------ ثم أفضتُ في الحديث عن آيدن وظاهرة آيدن ، وأنه أعاد للمنتديات هيبتها ، وللحروف ديباجتها ، وأن في الأمّة كباراً ، عقلاً وقلماً وأدباً ، حتى حضر العشاء ووُضِع على المائدة ، فقطعتُ الاتصال بالشبكة معتذراً من آيدن بطريق الإيحاء عن إكمال الحديث عنه في حضرة طعام ، في حين أقول بيني وبين نفسي : وهل سينفعني آيدن إن أُصبتُ بتلبُّكٍ معوي ! فنوّمتُ في المستشفى ! أو شرِقْتُ بالطعام وأنا أمدحه لألفظ ما في فمي على السفرة فتذهب دراهمي حسرة! نفسي نفسي ! هاتي البرجر يا يدي وضعيها على عجلٍ في فمي..


------------ -- مما رأيتُ في الرياض من المشاهدات ؛ ما رأيته من عجائب في الشوارع ؛ فزحام السيارات في بعض شوارعها مع اتساعها مثيرٌ جداً ، فقد كنتُ في الطريق المسمّى (الدائري الشرقي) ، فكان الزحام في العصر عجيباً ، أرتالٌ من السيارات تتحرك كأنها كُرةٌ ثلجية عظيمة تدفعها خمسون نمْلةٍ ، فهي تتحرك بِبُطءٍ شديد ! أما الشارع الذي فيه دار إقامتنا ، فقد كان شارعاً فرْعياً وعريضاً ، عددتُ محلات الحلاقة فوصل التعداد الحلاّقيُّ معي إلى ستٍّ أو أكثر ، ثم رأيت شارعاً آخر وهو من العجب ! فعلى رصيفه الفاصل بين المسارين وُضِعتْ أعمدة أسلاك الضغط العالي ، وفيه ما فيه من الخطر على أرواح الناس . حفظتُ من أسماء الشوارع : الدائري الشرقي ، ولا أدري إن كان يوجد صِنْوه الغربي! والمخارج ـ أكرمكم الله ـ من واحدٍ إلى اثني عشر إن لم أنْس فالكلام الآن من الذاكرة والذاكرة في طريق اليَبَس ! وشارع عثمان بن عفان ، وطريق الملك عبدالله ، وطريق الملك فهد ..


--------- ----- أما نساء الرياض ـ ولست هنا مُعمِّماً مدحاً ولا قدحاً ـ فقد كنتُ في مكتبة قرطاسيةٍ ، فجاءت إحداهنّ ـ ويبدو لي أنها معلّمة ـ تريد تصوير أوراقٍ فأعجبني ألاّ تغنّج ولا إظهار رِقّةٍ في كلامها ، فكانت تخاطب المسؤول عن التصوير بصوتٍ رسْميٍّ وجادٍّ وفيه نوعٌ من القوّة ، إلا أن صوتها كان مرتفعاً في حضور الرجال ، ومن الأفضل للمرأة أن لا يسمع الرجال صوتها متى أمكنها ذلك .

-------- ------ رجعنا بعد العَشاء إلى دار إقامتنا ، فقد كان غداً الجمعة وبعده السبت ! ولا بد أن نسافر باكراً راجِعَين إلى المدينة ، ولا بد من النوم العميق ، فأمامنا أربعون وثمانمائة كيلاً ستُعطى لنا عدّاً ونقداً ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2011, 12:31 AM   #67
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!


**الحلقة قبل الأخيرة**


مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة



استيقظنا لصلاة فجر يوم الجمعة ، صلّينا ثم حزمْنا أمْتِعَتنا ! من يقرأ كلمة (أمْتِعَتنا) يظنها عشرَ حقائب كُل حقيبةٍ ينوء بحملها الأشدّاء من الرجال! بينما هي في حقيقتها لا تتجاوز قميصين واثنين من السراويل الطوال ومثلها من القصار، وعمامةً وطاقيّةً وثوباً واحداً ، بالإضافة إلى ما اشتريناه من اللعب ، وكلها توضع في حقيبة مدرسيةٍ واحدة !


ركبْنا سيارتنا خارِجَين من مدينة المخارج! كان صباحاً مُعتِماً فالغُبار قد كسا الرياض بثوبٍ أصفر شفّافٍ ، خرجت من الرياض وقد أودعتُها ثمرة أصابعي ، أودعتها الحلمنتيشي ، فكاد قلبي يتمزّق ونفسي تتقطّع حسراتٍ عليه ، أوّاه أوّاه يا أيها الحلمنتيشي ، ستكون فيذا وسأكون فيييذاك ! ولعلنا نلتقي بعد مُدة وقد تغيّر لسانُك فيكون وصْل ما بيني وبينك التُرجمان ، يُترجم لي ويُترجم لك ، هاكا هاكا ! حتى إذا ما غاب التُرجمان طفقنا يحادث بعضنا بعضاً بالإشارات المصحوبة بكلامٍ خافتٍ متقطّع !


وقفتُ بقلبي بعد أن تجاوزْنا البُنيان ، فاستقبلتُ الرياض أنظر إليها مودِّعاً ، وكأنها عُلبة تونة ، والهواء يعبث بثوبي وعمامتي ، وقد دمعتْ عيني فعرف الناس بها أن الرياح لا شرقية ولا غربية ، ولا هي جنوبية ولا شمالية ، فقد كان الدمع يتساقط على إبهام قدمي اليُسرى ، وقفتُ يا سادة فكنتُ كما قال طرفة بن العبد حين كاد يهلك أمام أطلال خولة فقال :


وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم *** يقولون لا تهلكْ أسىً وتجَلّدِ


فكدتُ أهلك عند الحلمنتيشي فقد صعُب التجلّد على مثله ، وكيف أجد مثل الحلمنتيشي ؛ أنْفاً أصفرَ ، وعيناً أوسعَ ، ورأساً أصلعَ


مضينا في الطريق إلى المدينة وقد خلّفت الرياض دَبْر أّذني ، فكنت ألتفت إلى خلفي إلى جهة الرياض ، حتى تحوّل قفاي إلى صدري ووجهي إلى ظهري فلو أردتُّ مشْيَ القهقرى لمشيت أماماً ! فكنتُ كما قال شاعرُ زمانه ومبدعُ أوانه؛ سِبْط ابن التعاويذي ، حين قال في قصيدته الرائعة المعنى والمَبنى :


وإذا الركائب في الجبال تلفّتَتْ *** فحنينها لِتلفُّتي وحنيني


عاش سِبْط ابن التعاويذي في زمن صلاح الدين الأيوبي ، فبعث إليه بقصيدته التي تُحاكي نجوم السماء ، قال في مطلعها :


إن كان دينُكَ في الصّبابة ديني *** فقِفِ المِطَيَّ برَمْلَتَيْ يَبْرينِ
والثُمْ ثرىً لو شارفتْ بي هُضْبُهُ *** أيدِي المِطيِّ لثمْتُه بجُفوني
وانْشُدْ فؤاديَ في الظباء مُعرِّضاً *** فبغير غِزلان الصريم جُنوني
ونشيدتي بين الخيام وإنما *** غالطتُ عنها بالظباء العِينِ
لولا العِدى لم أكْنِ عن ألحاظها **** وقُدودِها بجوازئٍ وغُصونِ


إلى أن قال :


إن تُنكِروا نفَس الصَّبا فلأنها *** مرّتْ بزفرة قلبيَ المحزونِ


فإن أنكرتم يا أهل الرياض نسيم الصباح وأنفاسه ، وإن أنكرتم أنفاس الخُزامى والعرار ، فلأنها مرّت بثوبي وعِمامتي! كما تعرفون فالمسافر يكون أشعث أغبر ... الخ ..


خرجتُ وقد فتحت زجاج نافذة سيارة ، ومِلْتُ برأسي إلى ظهري لكي يأخذ أنفي راحته ، يحثو من شميم عرار نجد ، وأنا أقول له :


تمتع من شميم عرار نجدٍ *** فما بعد العشيّة من عرارِ


ولو قلتُ الحقيقة لقلبتُ البيت فقلت :


تمتع من شميم غُبارِ نجدٍ *** فما بعد العشيّة من غُبارِ


خرجنا حتى وصلْنا إلى استراحة العتش ، وهناك تركتُ قلبي في متحفٍ جميل كُتب على بابه (الهوى غلاّب) ، ستجدونه معلّقاً على ذِراع نُصبِ الجندي المجهول فأدركوه قبل أن تُكسر ذراعه فيفوتكم مشاهدة قلبي . تناولنا فطورنا في المطعم ثم خرجنا ووقفْنا بجانب بائع ألبان وحليب العتش ، فاشتريتُ منه لذُرِّيّتي ، ثم ضحكتُ ضحِكاً كالبكاء ! وحُقّ لي البُكاء يا سادة ! رجلٌ يذهب إلى معرض الرياض الدولي للكتاب ، لِلْكتاب ! لِلْكتاب ! فيعود منه بألعابٍ ولبَن !! ركبتُ سيارتي ولمّا أخطُ خطوة حتى رأيت ما أسميتُها بـ فتاة العتش !


لحظةُ صمْتٍ يا سادة ..
وقوفٌ بظهرٍ مستقيم يا سيدات ..
هدوءٌ وسكونٌ يا آنسات ..


رأيت فتاةً مع أمّها وجدّتها ، جِئن لطلب الرزق ، فهُنَّ يبِعْن ما أتينَ به ، شدّني هذا المنظر ، منظر الفتاة تساعد أمّها وجدّتها فتأتي ببضاعتهنّ من السيارة ، أذهلتني في مشْيتها فقد كانت تمشي بهدوء الواثقة ، وبقامةٍ مستقيمة تَفْرَع من معها ، ذاهبةً آيبةً بين السيارة وبين مبسطهم ، لو حزرْتُ عمرها لقلت هي ما بين الثامنة عشر والثانية والعشرين ، تالله وبالله لكأنّ سِبْط ابن التعاويذي يعنيها حين قال :


لله ما اشتلمتْ عليه قِبابهمْ *** يوم النوى من لؤلؤٍ مكنونِ
من كل تائهةٍ على أترابها *** بالحُسْن غانيةٍ عن التحسينِ
خَوْدٍ تُرِي قمرَ السماء إذا بدتْ *** ما بين سالِفةٍ وبين جبينِ


وإني لأحلف كما حلف كُثَيِّر فقال :


حلفتُ برَبِّ الراقصات إلى مِنى *** خِلال الملا يمْدُدْنَ كل جديلِ


على أنها فتاةٌ من خير الفتيات خَلْقاً وخُلُقاً ..


أسرجتُ بصري وسرحت بخاطري ، فقلت سبحان الله ! هذه فتاة في قرْيةٍ بعيدةٍ ، تكدح في طلب الرزق مع أمها وجدتها ، في حرارة الشمس بجانب مسجدٍ على قارعة الطريق ! متلبِّبةً بثيابها في كامل حجابها ، وربما لفحها الهجير بقسوته فنال من بهائها ونضارة وجهها ! بينما هناك في معرض الرياض ، تجلس مها النهدي على كرسيٍّ وثير ، والهواء البارد يُربِّت على كتفيها ، وفي يدها القلم يسرح ويمرح بالتَّوقيع على روايتها ، يا لها من مفارقةٍ عجيبة !!


لله أنتِ يا فتاة العتش ! لم يتحدّث عنك الإعلام كما تحدّث عن بنتِ النهدي ، وما ذكر اسمك كما ذكرها ، ولله أنتِ يا فتاة العتش ! أسدلتِ خمارَكِ في بيداء من الأرض يقِلُّ الرجال ولا يكثرون ، يوم أن لم تبالِ بعض النساء عندنا ، حين شكّلتْ خمارها بأوضاعٍ مختلفة حتى ضجر الخِمار وقال : إلى متى يُتلاعَب بي !! ولله أنتِ يا فتاة العتش يوم أن قُدِر عليك رزقك حكمة من الله ورحمة فهو الحكيم الرحيم ..


حفظك الله يا فتاة العتش لأهلك وذويك ، وعِشتِ هانئة وادعة ، وكنتِ في خير حالٍ في الحِلِّ والترحال ، يسّر الله لك أمرَكِ ، وكفاك شرّ كلِّ ذي شر ، وجعلك في بحبوحة السعادة وفي قمة الهناء ..


تركْنا استراحة العتش في طريقنا إلى المدينة ، فوصلْنا الميل بالميل ، وألْحمْنا المِئةَ كيلاً بأختها ، حتى وصلنا المدينة ظهراً ، فدخلتُ منزلي أحمل معي هدايا معرض الكتاب ؛ الألعاب واللبن !!

انتظروني في الحلقة الأخيرة ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2011, 02:27 AM   #68
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

مجهول (4)




يقول صاحب المذّكرات



كم هو الفرق بين الماضي القريب والحاضر المتغير


كل شيء تغير!


المدن والقرى.. المساكن والمزارع.. الأثاث والسيارات..

المدارس واللهجات..الجنسيات واللغات..وسائل الترفيه والألعاب ..

الآمال والطموحات.. حتى الرمال..

كل شيء في بلادنا تغير..


بعضه إلى الأفضل


وبعضه ....الله المستعان


روضة سدير منذ طفولتي إنزرع في قلبي غلاها،،
عشت بها أياماً خوالي..
ذكريات عبقة تحمل كل المعاني الجميلة..

وكأني الآن أرى مدخل
باب بعيله وساحة الحزم
وذاك المسجد العتيق واسمع صوت المؤذن صالح بن مخيمر يرفع الأذان،، وصوت الشيخ عبدالعزيز بن فنتوخ رحمهما الله يصدح بالقرآن .
زياراتي للروضة كانت إما في إجازة العيدين أو الأجازة الصيفية


والتي كانت دائما قرابةالأربعة أشهر.


كانت الرحلة من الرياض لروضة سدير على ( اللوري) وهو يحن.. ويتمايل ذات اليمين.. وذات الشمال.. ونحن نتمايل معه !!

حيث أن الطرق غير معبدة...

وكنا نتمسك في الحنايا وقد نقف ونحن نهز متمسكين لنرى الجبال والصحراء والرمال والطريق الطويل الطويل في نظرنا وكأنها ـ وقتها ـ رحلة الى آخر الدنيا مع أن الطريق كله لا يزيد على 170كيلومترا وكنا نقطعه في سبع ساعات!


كنا نقف ونحن نسير في ذلك الطريق الطويل في شعيب مُشَجَّر جميل اسمه ( شعيب ملهم )
وكنت أذكر الوالد رحمه الله ( وكان وقتها الشعيب يمشي بالسيل ) يأخذ من ماء الشعيب ويحكر لنا ذاك الشاهي على الحطب أروع منه ما قد ذقت .

كنت أتذكر حينما نصل الى الروضة وندخل الديرة من مدخلها الرسمي وأسمه باب بعيلة ومن باب بعيلة ندخل الحزم وعلى ذكر الحزم

ورد بخاطري بيت الشعر الذي يقول

( وردوهن على متعب الجلاب ....وردوهن على الحزم بالروضة )

وكان بعض أهل الديرة ـ في إستقبال القادمين والترحيب بهم

ويعم الفرح أرجاء الديرة بالقادمين.

وكانت الدكاكين في الروضة دار ما دار الحزم و تعد على اصابع اليدين..وأشهرها بالنسبة لي كان دكان عبود الماجد حفظه الله ودكان بن مويس ودكان أبابطين ودكان أبوعلي ودكان عثمان بن عياف ودكان سعود الموينع ودكان محمد بن جوير رحمهم الله.
وكان هناك المجبب ( السكة الضيقة ) يختلط فيها المشاة بالأغنام
( الهاضله ) القادمة من الرعي ورائحتها المميزة التي لا يمكن نسيانها


وكانت هناك الوضايم ( جمع وضيمة )هي وسيلة تصريف السيول يتم حفرها بطريقة بدائية كيفما اتفق بين السكك والبيوت! وفي بعض الساحات..

وكانت الروضة على أطراف الوادي وعند مدخل الديرة وبالتحديد باب بعيلة يوجد كثبان الرمال..

وكانت كثبان الرمل هذه مجالس للسمر..

أما الشياب فيجلسون في المشراق تحت القصر

وقد وقفت طويلا وأنا في العاشرة من عمري أنظر للبشر الذين يأتون للحزم في الروضة بقصد مقايضة ما لديهم من أبل وشياه وسمن وإقط وسلاح وغير ذلك...

كان الرجال يتنقلون من جزء لآخر في الحزم لرؤية ما يتم عرضه من عروض التجارة
أما النساء فلا يخرجن بتاتا إلا في وقت الصلاة للأنتقال من منزل لآخر حيث الرجال في المساجد وقتها.
ومما أخبروني به أهلي ان الفتاة كانت لا تملك العباءه حتى تتزوج لأنها قبل الزواج لا تخرج أبدا من البيت.
.. وكانت النساء في بعض بلدان سدير (تروِّي) اي يُحضرن الماء من آبار بعيدة يحملنه على رؤوسهن في قدور كبيرة نسبيا مخصصة لهذا حيث كان أمرا طبيعيا،

ولكن في روضة سدير الوضع يختلف كليا فلا يسمح للنساء بالخروج للتروية ويقوم بذلك العمل الرجال حيث كانت جميع الأعمال المهنية يؤديها أبناء البلد ولم يكن هناك عمالة أجنبية اطلاقا.. ( اللهم إلا في مجال الطب والتدريس ) كانوا كلهم من أهل الروضة توارثوا المهنة ويعملون فيها بجد وجلد .. وفي الليل ينامون نوما عميقا هنيئا في سطوح مكشوفة على السماء مثلها مثل معظم قرى المملكة.. كان هناك السرج والأتاريك ( جمع تريك) والنجوم
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2011, 02:41 AM   #69
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية رحيق الياسمين
 
تم شكره :  شكر 23306 فى 5888 موضوع
رحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بدووور مشاهدة المشاركة  

اول شي مشكوور ثاني شي انت تتكلم مع مين خيوو

 
انا اقولك
هذا الاستاذ أسد نجد صاحب الفكر والقلم المميز
وهو بحر علم ويتفضل على الاعضاء با تعلم منه مجانى..
وهذى دروس من دروسه الرائعه..
ولايطلب الا دعوه له بظهر الغيب والفائده للجميع
التوقيع
رحيق الياسمين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2011, 02:38 PM   #70
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

رد عليه صاحبه بقوله :
دائما انت هكذا …
تفاجئنا …

تعود بنا الى تلك الذكريات …
القديمة …
والجميلة …
التي تشعل الحنين في نفوسنا ...
انا اعلم كم هي قابعه في داخلك ...
كما هي في داخلي ...
هذا انت إنسان يعود الى الحنين ...
الى القديم ...
تستمتع بدفء تلك اللحظات ...
عفويتها ...
براءتها...
صفائها ...
بقلب احرقته ذكريات دفينه ...
لقد ايقضت في تلك الذكريات الجميلة ...
وتذكرت كيف كنا عندما عندما نذهب الى المدرسة ...
نقف في الوادى وعلى بعد 300 متر من بيتنا ...
بانتظار السياره القادمة بطلاب ( المعشبه )
ولم تكن تلك السيارة الا ( ونيت ) فورد في موديل68
وسائقها ابن سريع ...
لتنطلق السيارة بعد ذلك مثيرة الغبار الابيض ...
قاصدة مدرسة الروضة الابتدائية ...
وفي الصقيع ...
وقبل وصول السيارة ...
كنا نوقد نارا ونقذف فيها احجار ملساء ...
فتسخن ونضعها في جيوبنا ...
ونخرجها اذا ركبنا السيارة ...
ونقبض عليها براحتينا ...
حتى تقلل برودة الاطراف ولسعات برد المربعانية ...


اتذكر عندما كنا نترقب وننتظر ...
بصحبة ( دناناتنا )
قدوم الاغنام مع ...
محمد الشاوي ...
حيث تفرق اغنام الحي ...
لمجرد مرورها عنده...
وتواصل البقية المسير ...
حتى ( المدي ) لتشرب منه ثم تواصل مسيرتها الى ...
باقي احياء الديرة ...
وكلما طال بها المسير كلما قل عددها حتى تنتهي اخر فرقه ...
في باب بعيله ...
لقد حرّكت ذكريات جميله في داخلي ...
`ذكرتني بتلك الليالي ...
التي ننام فيها في السطح ...
وحتى لاننشغل باللعب قبل النوم ...
ونخفف من شقاوتنا الليلية البريئة ...
كانت امهاتنا يحذروننا من ان نعد النجوم ...
حتى لاتخرج في جباهنا ثأليل بعدد النجوم التي قمنا بعدها ...
نتذكر كيف كانوا يحدون من حركتنا ويخيفوننا (بعوافي الله )
لنكتشف بعد ذلك معناها الجميل ...
ولازلت منذ اليوم في اشتياق وحنين ...
اتذكر النخيل والجريد ...
وأماكن التي لعبت فيها في بيت الطين ...
تجتاحني تلك الذكريات الجميلة في كل حين ...
وبيت الطين كان يشهد معنا ...
تلك الذكريات الجميلة ...
وكيف كنا نوقد اخشاب الاثل والجريد ...
في غرف مغلقة ليس لها الا منفذ واحد في منتصف السقف هو
( المنور ) ...
وعندما تشتعل النار لاتستطيع ان ترى احد في الغرفه
من الدخان ...
فيتكون
جمراً يدفأُنا في ليل شتاء ..
وفي نفس الوقت يسكب مزيد من الحب في قلوبنا ...
أما في الصيف فلاتفارقني صورة القربه ...
المنصوبه في منتصف ( المصباح )
وبداخلها المغراف ...
ولا انسى كم هي جميلة رائحه جدار الطين ...
عندما تصيبه قليل من قطرات الماء ...
ليصبح اجمل من ندى الأزهار !

لقد عشنا سنوات ...

نتغذى فيها على البراءة ...
والحب ...

نتذكر المصابيب ...
والمراصيع ...
وخبز التاوة ...

انني اشكرك على ماقمت به من مبادرة

لتحيي ذكريات اضعناها !!

شكرا لك على اعادتنا الى ذلك الحنين ...
الى بيت الطين ....
بيت الذكريات الجميلة ....
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-04-2011, 01:12 AM   #71
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

(5)

مذكرات أبوالكلام



(1)
القدوم




منارات الحرم الشاهقة .. والكعبة السمراء .. والطائفون بلباسهم الأبيض الجميل .. وإمام الحرم ذو البحة المميزة وهو يدعو بصوت مرتفع .. والحمام الذي يحلق هنا وهناك بكل أمان .. وديار المهاجرين والأنصار .. وخطى الصحابة .. والحرم المدني وهو يحتضن الجسد الشريف ..
والروضة الخضراء ..

آه .. ماأطيبك ياأرض السعودية ؟!

ضربات قلبي تزداد والطائرة تميل نحو المدرج ..

البيوت المتناثرة في الأرض مثل جدول الحصص الأسبوعي صارت تقترب شيئا فشيئا ..

وبينما الملاح يلقي تحية التهنئة بالوصول بلغة عربية لايفهمها أكثر المسافرين على متن هذه الرحلة كان الركاب يتحفزون من مقاعدهم ويعلقون حقائبهم على أكتافهم ..

وضعت قدمي ولأول مرة في أرض الحرمين الشريفين ..

كأن شعاعا يضيء من كل اتجاه .. أو هكذا خيل إلي ..

أمي وأبي وأخوتي كانوا قد حملوني كثيرا من السلام لهذه البقاع .. وودعوني وهم يبكون شوقا وعجزا ..

عندما كنت صغيرا .. صغيرا جدا .. رأيت موقفا لم أفهمه جيدا .. ولكنه ظل يرن في أذني بجرس تبعثه علا مة استفهام معلقة ..

في قريتنا .. إحدى القرى القريبة من كيرلا .. قام الأهل بصنع حفلة استقبال كبيرة لجارنا وزوجته .. شيخ ذو سحنة سمراء .. معكوف الظهر .. وعلى ذقنه شعر أبيض تزينه ابتسامة واثقة .. بينما كان رأسه محلوقا بالكامل !! .. وزوجته العجوز وهي تلف شالا أبيضا أنيقا على وجهها البرئ الطاهر .. بينما تتدلى خصلات من شعرها الأحمر على كتفها ..

كانوا يقولون إنهما قدما من مكة حجاجا .. ومن زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ..

كان اسم مكة في رأسي مرتبطا بالتاريخ وبالقصص التي يقصها علينا المعلمون.. لم أكن أدري بأنها عامرة حتى هذه الساعة ..
حتى أنني كنت أظن هذه الحفلة فرحا بحياة هذين العجوزين بعد عودتهما من التاريخ !!

- شوف صديق..أنت في روه وين؟ .. قيصومة .. كي..سو..مة ..
كان موضف الاستقدام في الرياض يرددها علي .. وهو يشير إلي باصبعه السبابة .. وينظر إلي نظرات تحذير أخير .. ثم يسألني ليعلم مدى حفظي لها :

- وين روه؟
فأقول بصعوبة ممزوجة بوجل وأنا أهز رأسي متفاعلا :
- كيسوم.. كيسوم ..
- كيييسووووومه ..
- كااايسوما .. كاااااااااايسوما ..
- كي.. سوومه .. مه ..
ثم نطقتها بعد عناء .. كي سو..مه .. كيسومه ..

عندما نطقتها لم يشجعني أو يبتسم لحسن نطقي لها وإنما التفت إلى الجالس بجانبي وراح يقول له :

أنت في روه أرطاوية .. أرتاوية .. أر .. تا .. وية ..

وصاحبي يردد وراءه بينما كنت أردد في السر قائلا : كيسومة .. كيسومة ..

وعندما انتهى من صاحبي التفت إلي فجأة وقال لي وهو يشير بسبابته :

أنت وين روه ؟

فغامت الدنيا في عيني .. وتشابكت الحروف من الخوف فقلت وأنا أرفع رأسي واثقا :

- كيسومية ..

وصاح في وجهي وهو يهز يده والزبد يتطاير من فمه قائلا : كيسومة .. كيسومة ..

انتهيت من بعض اجراءات مكتب الاستقدام ..

وانطلقت إلى الرحلة المتجهة إلى القيصومة ..

هناك حيث الكفيل ..

يتبع...
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-04-2011, 10:57 PM   #72
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

( 2 )

جسر



أشياء كثيرة كانت غريبة بالنسبة لي ..

السيارات الكثيرة جدا .. بعضها لايوجد داخلها سوى السائق فقط !
.. الذين يسيرون على أقدامهم في الطرقات قليلون جدا .. الدراجات العادية والنارية أيضا ..
لم أكن متعودا على هذه الصور ..
الجوالبارد .. الأرض القاحلة .. الماء ..
سمعت أن السعودية ليس فيها فيضانات !
ومطرها شحيح .. وخضرتها قليلة ..

تفاجأت بالطرق الفسيحة .. وبتباعد مابين البيوت .. وبالقصور الكثيرة هنا وهناك .. بالسيارات الجديدة ..
تفاجأت بأخلاق الذين تعاملوا معي بأسلوب لم نتعلمه في المدرسة ولا في البيت ..


في المقعد الخلفي للسيارة النيسان كنت سابحا في خيال عريض حينما هصرني صوت الكفيل من مقعد السائق قائلا :

- افتح ..

كان يشير إلى النافذة بجانبي ..

التفتُّ إلى النافذة .. ولكني لم أفهم ماذا يريد تحديدا !!.. هل يريدني أن أفتح النافذة ؟

الهواء بارد جدا .. والشتاء لايسمح لأحد بالمزاح معه في مثل هذه الصورة !!

أنا لاأدري لم جعلني أركب في المقعد الخلفي بينما لم يكن في المقعد الأمامي أحد !!
ثم لم أفهم السر في إلحاحه علي بأن أفتح النافذة ..

بسبب ذلك كله لم يدر بخلدي أنه يريد مني فتحها .. فالتفت إليه وأنا أهز رأسي وأبتسم وأقول : مافي ..

صاح في وجهي .. وكلمات غاضبة تتفجر بين شفتيه .. كان يشير إلى النافذة بيده وهو يخفضها إلى أسفل
ثم يقبض يده إلى أنفه كمن يتأذى من رائحة كريهة !!

فتحتُ النافذة .. وواصل السير بعدما كور شماغه على وجهه و هو يتأفف بكلمات لاأفهمها ..


كان أسمر السحنة .. بدينا جدا .. له شارب غليظ وليس له لحية .. يهتم بشكله ولكنه ليس أنيقا .. عندما استقبلني في المطار كان يرتدي نظارة سوداء .. ناتئ الصدر .. يمشي بكل كبرياء .. لم يخلع نظارته إلا بعد وصولنا للسكن منتصف العشاء !

نعم .. كنت أكلت طعاما في الصباح مطبوخا بالثوم .. ودهنت شعري بزيت الزيتون .. ولكن رائحته أيضا كانت عفنة جدا !
فمنذ ركوبي معه وأنا أشم رائحة غنم وملابس داخلية قذرة وثياب متشربة بالدخان ..

وضعت حقيبتي في غرفة سكنية صغيرة ملتصقة بحوش مهجور.. فيها أغراض مبعثرة ..


وفهمت من كلامه أنني سأنام هنا حتى صباح الغد لأنطلق إلى المكان الذي سأعمل فيه ..

كانت الغرفة سكنا لاثنين من العمال .. أحدهما من مومباي والآخر من بنجلاديش ..

فيها سريران وملابس لهما معلقة على مسامير في الجدار الاسمنتي الناضح بروائح الطعام المختلفة ..

الفجوة التي كانت بين حياتي المعتادة وحياتي في هذا المستقبل المجهول جعلتني محتاجا لأي قشة أتشبث بها ..

ولذلك فقد تعرفت عليهما في تلك الليلة .. وتحدثت معهما كثيرا .. وارتحت إليهما أكثر .. واطمأنت نفسي شيئا قليلا ..
فهمت منهما أن هذا الكفيل سيذهب بي غدا إلى منطقة نائية وبعيدة في الصحراء .. وأنني سأسكن وحيدا في خيمة في العراء ..
وأن عاملا قبلي هرب من هذا العمل بعد أن ذاق مرارات لاتوصف من البعد والشقاء وقسوة الكفيل ..

كنت متعبا من السفر ..

فنمت في تلك الغرفة نومة هانئة بانتظار الصباح ..

وبانتظار العالم المجهول أيضا ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2011, 12:07 PM   #73
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

( 3 )

الصحراء



في الصباح ..
ناولني الكفيل كيسا فيه ثوب أسود وكوفية وشماغ ومعطف رمادي مهترئ .. وملابس داخلية بيضاء ..
قطعنا مسافة ساعة كاملة على الاسفلت الممتد جنوبا ثم انحدرنا يمينا ودخلنا في الصحراء ..

السيارة هي الأخرى تظهر حنقها في كل مرة على الصخور العنيدة والتعرجات الناتئة ..

ساعة أخرى قطعناها في الصحراء كانت أشد علي من السفر الطويل في الطرق المعبدة ..

والعالم المجهول الذي ينتظرني أيضا كان هو الآخر يخلق في صدري كثيرا من الأسى ..

ياااالله .. لطفك ياكريم ..

وظهرت مني تنهيدة بلا شعور ..

فرمقني الكفيل وقد ظللنا صامتين طوال الطريق ثم عاد إلى السير وهو يحدق في الأفق البعيد ..

وبعد لأي وصلنا الخيمة .. في تل صغير .. يشرف على واد ممتد الأطراف .. فيه أشجار صغيرة شهباء مترامية .. ورمل أصفر بعيد ..

يظهر عليها أنها خيمة قديمة .. أو مستعملة .. وإلى جوارها كان هناك شبك مملوء بالغنم ذات اللون الأسود .. وناقلة ماء عجوز راقدة على التلة بكل ملل ..

حينما اقتربنا من الخيمة نبحنا كلب الحراسة الأصفر من طرف التلة .. ثم راح يدور حول السيارة وهو يبصبص بذيله بينما بدأت الأغنام بالنهوض وهي تثغي ثغاء السائل المسكين ..

- أبو الكلام ..
انطلقت نحوه داخل الخيمة ..
- جيب أغراض هنا ..
أخبرني أن هذا هو السكن الذي سأنام فيه على الدوام ..
ثم انطلقنا وقام بملء أحواض الماء أمامي ..
ثم أخرج الأغنام من الشبك ..

وفي المساء شرح لي كيف أسوق الأغنام إلى زريبتها .. وأعطاني كشافا ضوئيا يعمل بالبطارية الصغيرة .. وأمرني أن أحمل صندوقا كرتونيا من السيارة إلى الخيمة .. وذكر لي أنه سيأتي قريبا .. ثم أدار محرك السيارة ومضى ..

كان الليل أكبر من هذه الصحراء الشاسعة .. وكان البرد يحتويهما جميعا .. وأنا واقف بين هذه الوجوه الثلاثة ..

رتبت الخيمة على عجل .. وقد كان الكشاف بالكاد يفي بما أريد ..
كان في الصندوق بعض أكياس خبز .. وبقايا من بصل وطماطم .. وكبريتان عليهما جواد يمتطي حصانا ..

العراء .. الليل .. الوحدة .. الشتاء .. والخيمة البالية !

أين ذهب خيال أمي وأبي في نوع السكن الذي سأنزل فيه ؟

هل جربت أن تنام وحيدا في صحراء لا تعرفها ؟ ... وحيدا ؟

لبست الثياب التي في الكيس وتمنيت لو كان معي مرآة لأشاهد صورتي باللباس السعودي !
الهواء الذي يتسرب من شقوق متفرقة ظل يطارد أطرافي ..
ووشوشة أسمعها خارج الخيمة ولاأعرف كنهها ! .. أو أن ذلك يخيل إلي ؟

كنت أرفع رأسي في الظلام وأنصت كأشد مايكون الإنصات .. فأسمع وشوشة من كل شيء ولكني لاأسمع شيئا !
سمعت نباح كلب بعيد .. بعيد جدا .. يأتي به الهواء تارة ويصرفه تارات أخرى ..
دائما ماتكون الليلة الأولى في كل حياة جديدة طويلة وغامضة ..
كنت مستبعدا أن أنام مع هذا الشعور ..
وقد لازمني هذا الشعور حتى بعدما أفقت على سماء زرقاء كنت أشاهدها من أحد الشقوق !!

وصوت أذان بعيد .. فرحت به فرحا شديدا ..

توضأت وأذنت وصليت الصبح ..

الصحراء تصبح جميلة جدا والمؤذن يصدح على ربواتها ..




انطلقت مع الأغنام في الصباح .. وتعرفت على الكلب .. وتعرف علي .. ودرنا سويا في الأماكن القريبة .. ولكنني لم أشاهد أحدا !

الليل يأتي بالأصوات أكثر من النهار ..

لابأس ..

هناك مخلوقان عظيمان تبدوا عليهما القسوة ولكنهما أليفان جدا حينما يقتحم الإنسان أسرارهما : الصحراء والبحر

لقد وجدت في الصحراء أنسا .. وعشت مع الأغنام عيشة لاتوصف .. وألفت المكان .. وودت لو كنت أستطيع الاتصال بأهلي أو أن أوصل ذلك إليهم برسالة ..

صحيح أنهم كانوا يعدونني لأن أكون في مكان أفضل وعمل آخر إلا أنني راض عن هذا العمل الذي أقوم به الآن ..

يعكر صفو هذه الحياة زيارة الكفيل في كل مرة .. وأوامره العنترية الجوفاء .. وتسلطه الكبريائي ..

إلا أن زيارته كانت متقطعة بحيث ربما مكث أكثر من أسبوع في بعض الأحيان ..

في الأيام الأولى جاءني في الخيمة رجل مهيب الطلعة .. له لحية بيضاء وقورة .. ووجه واسع أبيض قلبت لونه الشمس إلى السمرة .. ومعه عامل هندي من كيرلا أيضا
الله عليك ياكيرلا .. الناس لايعرفون أنك كلمة قلبتها ألسنة الزمن من ( خير الله )
عرفت أن هذا الشيخ له قطيع غنم خلف التلة في آخر الوادي .. وأن (أكتر) يرعى الغنم لديه .. سعدت به .. وتحدثت معه كثيرا بينما كان الشيخ يتفقد الأغنام .. قال لي إن هذا الشيخ من أقارب كفيلي وأنه طيب جدا ..

عرفت الآن سر الأذان في تلك الليلة .. إنه صوت أكتر ..

ماأجمل هذا النوع من الصداقة في مثل هذه الظروف ..

وفي الصحراء صداقات أيضا تغوص في دقائق حد العمق ثم تتلاشى وكأنها طيف حلم ..

هناك سيارة بيضاء متجهة نحو الخيمة .. يتطاير غبارها في الأفق .. يبدو أنها فارهة ..
الشمس تزول بعد أن أخذت وضعا رأسيا في السماء ..

نزل منها خمسة رجال سعوديين .. لهم لحى سوداء بعضها خفيف وبعضها كثيف .. أحدهم كان يرتدي لباسا رياضيا .. صافحوني جميعا !
وابتسموا لي .. وسألوني عن اسمي فقلت لهم : أبوالكلام
كانو يريدون تعبئة ماء من الناقلة وشراء خروف صغير
تبادلت معهم الحديث بصعوبة .. ولكنني كنت مطمئنا للحديث معهم .. كانوا يبتسمون معي .. ويلاطفونني .. ويبدأون حديثهم معي باسمي قائلين : شوف ياأبوالكلام ..
ملأنا أوانيهم بالماء وأخبرتهم أن الكفيل لا يسمح لي بالبيع من الأغنام .. وأشرت إليهم بالذهاب إلى قطيع أغنام كفيل أكتر .. سألوني عن مكانه .. وشرحت لهم متحمسا ..
تحدثوا فيما بينهم قليلا .. ثم التفت إلي أحدهم وقال : أبو الكلام .. أنت مافيه مشكل روه معي لأكتر ؟
قلت له وأنا في كامل سعادتي : مافيه مشكل ..
ركبت معهم إلى جانب الراكب في المقعد الأمامي ! .. كانوا في الطريق يسألونني عن المطر .. متى نزل .. ويسألونني عن أسماء أماكن لاأعرفها حتى كنت من حبي لهم ومحاولة مساعدتهم تحمست في توصيف أحد الأماكن بحسب فهمي للكلمة ولكنني تفاجأت ببرودتهم في تقبل الوصف مما جعلني أكتشف أن وصفي كان مدبرا جدا !

اشتروا خروفا من أكتر .. وربطته لهم .. ثم عدنا إلى الخيمة .. وقبل أن يذهبوا توضأوا من الماء وطلب مني أحدهم أن أؤذن .. فأذنت وأنا أحاول إبداء أجمل مايكون في حنجرتي .. وصلوا الظهر والعصر ..
ركبوا في السيارة وأنا واقف أودعهم .. تهامسوا قليلا ..
ثم نزل أحدهم وفتح الباب الخلفي وجعل يجهز شيئا ما .. وناداني : أبوالكلام .. جئته مسرعا فناولني كرتونا فيه أطعمة متنوعة .. وكيسا فيه لحاف نظيف .. ونفحني من جيبه ورقة نقدية لاأعرف مقدارها ..
ثم ودعوني وانطلقوا ..
لقد أحببتهم من قلبي ..
كما كرهت أولئك الشباب الذين جاءوا مرة على سيارة نيسان شبيهة بسيارة الكفيل وقد ركب بعضهم في صندوقها وهم يسيرون بهيستيرية قبيحة .. وحينما حاذوني أنا وقطيع الأغنام عطف السائق مقودها نحو القطيع وأسرع وهو يصدر طنينا مزعجا من بوق سيارته حتى تبعثرت الأغنام وانطلقت في كل اتجاه ..
ثم ولوا وهم يضحكون !

لقد كنت في تلك الصحراء بعيدا عن الشر ..
ولكن بعض الناس ينقل شره معه حتى إلى الصحراء !


كانت تلك الصور تتكرر في الشتاء فقط .. وتزداد حينما يسقط المطر وينبت الربيع

مكثت في عملي هذا أشهرا طويلة ..

حتى جاءت ليلة أن بدأ الكلب ينبح نباحا متزايدا بشكل يوحي بخطر قريب ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-04-2011, 05:18 PM   #74
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

( 4 )

الشر = خير





بدأ الكلب ينبح نباحا متزايدا بشكل يوحي بخطر قريب ..



الصرصار الليلي يغني بلا مبالاة .. الهواء البارد جدا أسمعه يعوي وهو يتسلل من بين فتحات الشباك الحديدي .. الأغنام تصيح بصورة غير معتادة ..



استيقظت من نومي فزعا ..



من أصعب الأشياء أن تقوم من نومك مباشرة لتأدية جهد كبير مباغت ..



حصل مثل ذلك في أحد الليالي حينما بدأت السماء تتغير قبيل الغروب







.. وأقبلت عاصفة سوداء كبيرة .. كنت قد جمعت أمري وشددت وثاق الخيمة .. وألقيت نظرة أخيرة على زريبة الأغنام .. وبعد العشاء هبت العاصفة بقوة كفأت الشباك .. وتفرقت الأغنام في كل اتجاه .. الكلب ينبح بدرجة قريبة من نباح هذه الليلة .. خرجت مسرعا وأنا أتلفع بمسفع بالكاد يحمي صدري من البرد .. الهواء الشديد لايرحم أحدا .. أسمع توسلات الأغنام .. ابن يصيح وأم تركض نحو صوته خلال الظلام الدامس والغبار .. الغبار كثيف وأصوات استغاثات مؤثرة من حيوانات بريئة يخالطها قعقعة جرس الخروف البدين وهو يركض بعشوائية أيضا .. لقد لاقيت عناءا كبيرا تلك الليلة .. تماما كما تُرسم لحظات العقدة في أفلام الكرتون .. تعثرت مرات كثيرة ببعض الأشجار .. وسقطت أخرى في منخفض كبير .. ولم أستطع لم شتات القطيع سوى لما هدأت الرياح وأدبر الليل جهة الغرب .. حينها استطعت رؤيتها متفرقة وهي تحاول التجحر أسفل بعض التلال الصغيرة ..




ثم قمت بإحضارها واحدة .. واحدة ..




ولكن نباح الكلب هذه اللحظة ينذر بليلة ليلاء ..



في الظلام .. كنت أتحسس الكشاف الضوئي الصغير .. أين هو ؟



الآن ..



أسمع طلق عيار ناري ..



لطفك ياالله ..



فجأة .. صاح الكلب متوجعا .. ثم خمد نباحه إلى الأبد .. وبدأت الأغنام تثغي ثغاء مستحثا ..



اللحظات الحرجة غالبا لها صراخ قوي .. ولكنه كامن يزفره الصدر زفيرا !



ليس من الضروري الكشاف الآن .. أسرعت إلى الباب .. حللت الحبال .. وأخرجت رأسي لأنظر ..



ياه .. هذه الليلة مظلمة جدا ..



في لحظات سريعة .. دارت الدنيا أمام عيني إثر ضربة قوية على رأسي .. ثم التفّت يد ضخمة على عنقي .. جبذني صاحبها بقوة خارج الخيمة ..



كنت أحرك جسمي النحيل مقاوما ولكنني كنت مثل برغوث صغير وسط يد كبيرة ..



بصعوبة بالغة استطعت معرفة أنهم ثلاثة رجال .. ملثمين ..

وثقوني بحبل غليظ .. وأحكموا إغلاق فمي بقماش طويل .. وألقوني مكتفا وسط الخيمة ..



سمعت صوت سيارة تقترب ..



يبدو لي أنها ناقلة متوسطة الحجم ..



ثم سمعت صوت احتجاج الأغنام وهي تدفع قسرا نحو حوض السيارة .. ثم وهم يسرعون الهرب من المكان ..



حاولت فك الأغلال .. ولكن دون جدوى ..



أكتر .. أين أنت ؟ .. ليتك تنجدني الآن ..



كنت متوقعا أنه سيأتي .. صوت الطلق الناري كان قويا .. والليل بارع في نقل الأصوات كما تعلمون ..



الحقيقة أن منظري كان محزنا جدا ..



وحيد في هذا العراء .. في هذا الليل الجاثم بلا شعور.. جسمي النحيل المتكوم الآن مثل صورة جنين في رحم وهو ملقى داخل خيمة نائية ..
حتى النشيج الذي حاولت من خلاله التنفيس عن الأسى كان صعبا جدا بسبب القماش المشدود على فمي بقوة ..



انكب علي أكتر يفك وثاقي بكل تفاعل ..



في الصباح .. عندما افتقدني في المرعى .. ساق أغنامه نحو خيمتي ..



ألا ماألأم القلوب الظالمة ..



تحول وجه الكفيل إلى وجه شيطان وهو يقف أمامي غاضبا .. عيناه تقذفان شررا .. وحول شفتيه السوداوين يتراكم زبد أبيض قبيح ..



لقد نهرني الكفيل بشدة وقام بضربي كما لو كنت أنا الفاعل ..

ثم عاقبني بأن حرمني من راتب الأشهر الماضية كلها !!



لم يكن لدي عمل الآن .. فنقلني إلى قريبه الرجل الطيب ..



بقيت تلك الليلة الرهيبة وعقاب الكفيل القاسي علقما أتجرع مرارته أيامي تلك .. لولا لطف الله بي ثم تسلية أكتر لي وتطييبه لخاطري مرة بعد أخرى ..



لاتكاد الأرض تسعني فرحا حينما زف إلي أكتر خبر حرص كفيله الطيب على أن ينقلني إلى كفالته ..



وكان ذلك بالفعل ..



ولكن عاملين اثنين في مرعى واحد يعد نوعا من الخطأ ..



ولذا فقد تقرر نقلي إلى مكان آخر ..



لقد بكينا كثيرا أكتر وأنا ونحن نودع بعضنا ..



ومن مفارقات الصحراء الشاسعة أنها تقرب القلوب في بعض الأحيان ..



وهناك ..



في القرية ..



كان القدر يجري على نحو سأنبئكم بخبره في حينه إن شاء الله ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-04-2011, 10:07 PM   #75
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: مـذّكـرات مجهول !!

( 5 )


وحيد .. في المدن الصاخبة





لم تكن قرية بالمعنى الذي بنيته في رأسي ..


لكم أن تتصوروا مساحتها وهي تحتوي على ماينيف على عشرين منارة .. اثنتان منهما لجامعين كبيرين ..

ومدرسة كبيرة جدا فيها ثلاث مراحل تعليمية ..

خلف ورشة حدادة .. هناك حوش صغير .. فيه غرفتان من الطوب الاسمنتي ..

الهواء يدخل من غير مااستئذان عبر الشقوق .. والشمس كذلك في بعض الأحيان .. غير أنها أفضل بكثير من السكن في خيمة في العراء .. أليس كذلك ؟

من داخل الغرف تهجم على أنفك روائح الثوم والفلفل والبهارات الهندية الحارة .. وزيت النارجيل أيضا

مابين الغرفة والطرف الآخر من الحوش يمتد حبل غسيل عليه ملابس معلقة مابين فانيلة مقلمة الأكمام وإزار ذي خطوط مزركشة ومناشف بألون مختلفة ..

شيئا فشيئا استطعت التأقلم مع العمال هنا .. ثلاثة هنود وخمسة بنجلاديشيين ..

تقررأن يكون سريري في غرفة الهنود الثلاثة .. كانوا يخرجون لأعمالهم في الورشة والبقالة القريبة .. عرفت أول قدومي إليهم أن اثنان من مومباي .. والثالث من أحمدأباد ..

لم أكن مرتاحا لهم على أية حال .. لديهم سر يخفونه عني .. يتهامسون كثيرا .. رأيت قرب السكن مرة شاب يفاوض أحدهم في شيء ما وكأني لمحته وهو يمنحه ورقة نقدية رفيعة ! .. تحت أسرتهم صناديق أشبه ماتكون بالألغاز .. ولذا فقد كنت حريصا على أن لاأعود إلى السكن إلا وقت النوم فقط ..

في استراحة الكفيل والتي تبعد عن السكن خمسة أكيال كنت أذهب من بعد العصر ولا أعود إلا في المساء ..

ولكي لاأبقى فارغا في الصباح تعاقد الكفيل مع مدير المدرسة الابتدائية في القرية لأكون لديه عاملا إضافيا للبنجلاديشي الموكل بأعمالها ..

الطريق إلى الاستراحة طويل على الأقدام .. كنت أحث الخطى إليها وأنا أضع يدي خلف ظهري .. سالكا الطريق الاسفلتي المتعرج ..

في آخر الشهر .. اشترى لي الكفيل دراجة هوائية مستعملة .. سلمها إلي في الاستراحة وهويقول : أبوالكلام .. هذا سيكل علشان طريق في طويل .. بس شوف .. مافي كلام نفر ثاني ان كفيل في يشتري .. مفهوم ؟

- هززت رأسي موافقا وفمي مفتوح حتى الآخر بابتسامة لم أستطع السيطرة عليها









فرحت بالدراجة ..

نعم ..

ولكن فرحتي بتعامل الكفيل وشعوره اللطيف تجاهي كان أكثر من ذلك .. الدراجات الهوائية في كل مكان .. ولكن هذا النوع من البشر نادر جدا ..

الآن .. أصبحت قريبا من الناس ..

ولكن قطيع الأغنام أحب إلي من بعض الناس ..

في المدرسة ..

كنت أجدف بالمكنسة ذات الشعر الطويل على البلاط بكل انسجام ..

حينما لكزني مع كتفي أحد المعلمين -على مايبدو - بصورة استهتارية ..

- كيف الهال صديق ؟

- هالهمد لله ..

وأخذ بيدي إلى طاولته في غرفة المدرسين وهو يقول .. تعال .. تعال ..

طويل .. ونحيل الجسم جدا .. وله رائحة عطر صارخة .. ثوبه ضيق .. وشماغه المرفوع فوق عقاله كبير بحيث يمكنه الاستغناء عن نصفه تقريبا ..

أخذ يفاوضني في غسيل سيارته .. كنت لاأفهم كثيرا من كلامه .. وأرفع رأسي وعيني في كل مرة مستفهما .. وحينما رآني بهذه الصورة أخذ يزاول علي مشهدا كوميديا أمام بعض زملائه في الغرفة .. يسألني بعض الأسئلة ثم ينفجر زملا ؤه بالضحك .. يهز رأسه محاكيا حركة رأسي ثم يخرج صوتا تقليديا قبيحا من أنفه : مافي مفهوم ؟

عيونه وعيون زملائه تلسعني ..

المشهد كان قاسيا بالنسبة لي ..

وما انتهى المشهد إلا بعدما أحس بأنه نزل من برجه العاجي كثيرا من الوقت وهو يدفعني من كتفي ويقول : روه .. روه تنظيف .. رووه ..

ثم كيف سترون تعامل تلاميذه معي بعد ذلك ؟

أحد الأيام .. وعندما خرجت من المدرسه .. كان في الطريق زمرة طلاب أعمارهم قريبة من البلوغ ..

كنت أسير على الدراجة بكل هدوء ..

استوقفوني ..

كل واحد منهم يريد أن يكون بطل المشهد ..

أحدهم يسأل : بكم فلوس هذا صديق ؟

آخر : أنا يبغى دورة صديق .. أنت في ينزل ..

كنت كلما حاولت السير .. سحبوا الدراجة من الخلف واستوقفوها ..

وحينما تجرأ أحدهم وأخذ بتلابيبي .. دفعته بشدة وأنا أصرخ في وجهه ..

وانفلتّ منهم بعد لأي .. وحاولت الإسراع ..

ولكنهم بدأوا يقذفونني بأحجار كبيرة .. وقنينات زجاجية تتكسر حولي وأنا أسرع الهرب منهم ..

فهل تلومونني بعد ذلك حينما أقول : إن القطيع أقرب إلي من بعض البشر ؟

في ليلة صيفية .. غادر الكفيل وأصحابه الإستراحة في هزيع متأخر من الليل ..

قمت بالتنظيف سريعا .. ثم ركبت الدراجة قافلا ..

الطريق المتعرج الضيق يضطرني للخروج عن الاسفلت كثيرا حينما تمر فيه أحد السيارات ..

كثيرون حينما يحاذونني يصدرون أصواتا مزعجة من أبواق سياراتهم ..

بعضهم يتعمد إزعاجي وإبعادي إلى التراب !

في تلك الليلة ..

أسمع خلفي صوت سيارة قادمة من بعيد .. مسرعة جدا ..

ظهري مشدود دائما وبلا شعور للسيارت القادمة من الخلف ..

ضوء سيارته متجه نحوي !!

يبدو أنه لم يشاهدني جيدا ..

ربما كان صاحبها نائما .. أو فاقدا للتركيز ..

عجلات سيارته تصرخ منذرة بخطر قريب ..

كل الصور تداعت سريعة أمام عيني ..

الأضواء .. الطريق .. الدراجة ..

الدنيا كلها دارت في لمحة خاطفة ..

لقد كان ارتطاما قويا ومفاجئا ..

سقطت على الأرض .. وغير بعيد مني دراجتي المتهشمة ..

رأسي مغبر من التراب وأحس بدوار شديد ..

وقف صاحب السيارة قليلا ..

ثم سمعت صوت المحرك وهو يضغط عليه ..

أحس بألم شديد في فخذي .. وضعت يدي عليه فعدت بدم حار ..

في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. وفي هذا المكان المنقطع من البيوت ..

كنت أنظر إلى أنوار سيارته الحمراء وهو يبتعد عني هاربا ..

أحسست بمرارة في فمي .. ونشجت نشيجا كاد ينشق منه حلقي ..

واستسلمت للإعياء ..

عشت لحظات مثل حلم مزعج ..

رأيت وجوها كثيرة .. رأيت سقف سيارة .. أحسست بأنني على سرير قماشي ..

أركبوني سيارة إسعاف فارهة ..

أحس بغرز أبر في فخذي ورائحة مطهرات مستشفى ..

في اليوم التالي ..

أدركت أنني في المستشفى العام

كانت فخذي مكسورة وفيها جرح غائر قام الأطباء بخياطته ..

مكثت يوما أو يومين بعد إجراء العملية ولم يزرني أحد ..

في اليوم الثالث زارني الكفيل واطمأن على صحتي ثم خرج ..

وبقيت وحيدا ..

وحيد ..

وحيد حتى في المدن الصاخبة !

إلى جانبي في الغرفة شيخ مسن ..

يزوره بعض أقاربه فيلتفت بعضهم إلي ويسلم بحفاوة واطمئنان ..

وربما سكبوا لي قليلا من القهوة بأمر من الشيخ نفسه ..

وبعضهم كانوا لايأبهون بهذا العامل الهندي ذو السحنة السمراء ..

وعندما خرج من المستشفى انقطع عني الزوار !

بعد فترة ليست بالقصيرة استطعت الخروج إلى السكن ..

مكثت قعيدا على السرير .. وحدي في الغرفة ..

ويومها ..

رأيت أحد الصناديق التي كانت تحت الأسرة مكشوفا ..

واستطعت رؤية مابداخله ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:40 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه