العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° الرأي العـام °¨

¨° الرأي العـام °¨ للموضوعات العامة واختيارات الأعضاء من موضوعات مميزة ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-2004, 05:38 PM   #1
عضو نشيط
 
تم شكره :  شكر 6 فى 6 موضوع
العندليب الأبيض is an unknown quantity at this point

 

والشعراء يتبعهم الغاوون

كثيرا ما كنت أعجب عند قراءة هذه الآية الكريمة من تخصيص الله سبحانه وتعالى للشعراء بهذا الذم الشنيع ولماذا لم يختص غيرهم من الناس به كالمنافقين مثلا والشاتمين والمروجين للإشاعات والهاجين للرسول صلى الله عليه وسلم , ولماذا حملهم هذه المسؤولية العظيمة عن أتباعهم ؟ ولماذا وصفهم بأنهم يقولون ما لا يفعلون , هذا الوصف الذي لم يرد إلا في ذم المنافقين ؟ ولماذا وصفهم بالتذبذب في الرأي وأنهم في كل واد يهيمون أي يتقلبون بين الآراء والأفكار لا ثوابت لديهم ولا قيم ؟ عليهم تتنزل الشياطين لتغويهم وتحضهم على إغواء الناس ليحملوا أوزارهم وأوزار من تبعهم .

بعد تفكير ومراجعة للتاريخ , وجدت أن هؤلاء الشعراء كانوا يمثلون الإعلام في ذلك الزمان , وأرجو من كل الإخوة الإعلاميين ألا يشتموني الآن ويتركوا قراءة المقال ظنا منهم بأنني أتهمهم بأنهم هم الذين يتبعهم الغاوون وأنهم هم الذين يقولون ما لا يفعلون , وليصبروا على قراءة المقال للنهاية .

لو عدنا إلى عصر التنزيل , لوجدنا سوق عكاظ الذي يجتمع فيه الناس لتبادل الأخبار من شتى أنحاء الجزيرة العربية , ولوجدنا عددا كبيرا من الشعراء يلقون قصائدهم في هذا الموسم الأدبي والإعلامي الفريد ولوجدنا إلى جانبهم بضع قصاص يروون حكايات قديمة , وكذلك بضع أناس يدعون إلى فكرة أو حلف أو ما شابه ذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل عند عرض نفسه على القبائل , ولشاهدنا من يلقي خطبة يظهر فيها مقدرته البيانية . وبعد قليل نرى معلقات شعرية يقوم الناس بتعليقها على جدار الكعبة لتثبت أنها الأفضل من بين كل ما قيل في هذا العام من الشعر , وليحفظها الناس ويتناقلونها من بيت لبيت ومن قبيلة لأخرى .

ولو تنقلنا بين بيوت العرب وخيام والبدو في ذلك الزمان , لسمعنا هذه الأشعار تتكرر وتنتقل من مكان لآخر , يحفظها الشاب والكهل والمرأة والفتاة والطفل من كل الطبقات ومن كل الأعمار .

لقد كان الشعر أخطر وسائل الإعلام في تلك الأيام. ونقرأ مثلا في دائرة المعارف الإسلامية ، مادة " بدو " ، ص495 ( ... وربما كان للشعراء في الجزيرة العربية أيام الجاهلية سلطان يفوق سلطان الصحافة في الأزمنة الحديثة ، إذ كان العرب يحسون أن فيهم شيئاً خارقاً أو سحرياً )

إذا كان الشعراء في ذلك الزمان هم المسؤولون عما يسمى إعلاما اليوم , فهم وسيلة إشاعة الخبر , وهم وسيلة انتقاله من مكان لآخر , وهم المسؤولون عن صحته وعن حقيقته , وهم المروجون له .

وقد كان الشعراء يتمتعون بقيمة اجتماعية كبيرة تتناسب مع شهرتهم ومع وظيفتهم الحيوية تلك . فهم بدائل الكتاب والقصصيين والمسرحيين ومؤلفي الأغاني والصحفيين والإذاعيين والتلفزيونيين (إن صح الإشتقاق) فعلى ما يبدو أن الإعلام كله كان مختزلا في هذه الفئة من الناس وساعد على اشتهارهم وقدرتهم على القيام بوظيفتهم تلك قوة اللغة العربية وفصاحتها وجزالتها ومكانتها بين الناس وفهم العامة لها واستيعابهم لمعانيها ومقاصدها .

ومن ثم كانت للشعراء منزلة رفيعة , يقول د. سامي مكي ، الإسلام والشعر ، ص15 ، سلسلة " عالم المعرفة " ، العدد السادس والستون ، شعبان / رمضان 1403هـ /يونيو 1983م ، الكويت : ( روى عن الأصعمي عن أبي عمر بن العلاء أنه قال : كان الشعراء عند العرب في الجاهلية بمنزلة الأنبياء في الأمم وكانوا يسمون الشاعر : العالم والحكيم ) ولذاك فإن ظهور شاعر في القبيلة كان يعتبر حدثاً هاماً فتقام له احتفالية صاخبة ـ وكانت العرب تنظر إلى الشعر نظرة إكبار وتوقير ربما تصل إلى درجة التقديس .

مقابل هذا كان من الواجب أن يتحمل الشعراء أيضا الكثير من المسؤولية وكان القرآن الكريم أول من لفت نظر الناس لهذه المسؤولية عندما نزلت هذه اللآية لتجعلهم مسؤوليين مباشرة عن أتباعهم من الغاوين . ومن هم الغاوون ؟ بلغة العصر هم كل المضلَلِين (بفتح اللام الأولى وكسر الثانية) فكريا الذين سمعوا شعر الشعراء أو كلام الإعلام اليوم وبنوا أفكارهم واعتقاداتهم وتصرفاتهم على حسب هذا الكلام مصدقين ومتبعين لأفكار الشعراء في الماضي أو الإعلاميين اليوم, ومعتبرين أن هؤلاء يقولون الحق ولا يكذبون .

ولو عدنا من الماضي إلى الحاضر بسرعة لنرى مدى أهمية الإعلام في عصرنا ومسؤوليته عن إدارة الصراع الفكري الذي نراه يسبق كل صراع يدور حاليا في هذا العالم , ولنقارن شعراء الماضي بإعلاميي اليوم لوجدنا أن قصر مفهوم الآية على الشعراء في عصرنا الحالي هو نوع من الظلم كبير لهؤلاء فهم لم يعودوا إلا فئة صغيرة من جوقة كبيرة تطبل وتزمر وتنعق لتلفت نظر الناس إلى أفكار جديدة ولتغسل أدمغة البشر على امتداد الأرض من الصين إلى أمريكا . يحاول في هذه الجوقة كل أن يجذب الناس إلى بضاعته وأن يغريهم باتباعه واتباع ما يدعو إليه من أفكار ومبادئ ودعوات نسمع كل يوم بالمزيد منها . فلا بد إذا ولا مناص من الإعتراف بأن الشعراء المقصودين في الآية هم الإعلاميون باختلاف طبقاتهم وأنواعهم وصفاتهم وأشكالهم وفنونهم . وهم كل من يروج لفكرة يتبعه الناس عليها مهما كانت وسيلته لترويج هذه الفكرة وسواء كانت الوسيلة شعرا أم مقالا أم قصة أم جريدة أم محطة فضائية أو حتى شبكة اتصالات عالمية كالتي نستخدمها اليوم . ولا بد لنا من أن نفهم الآية الكريمة بمعنى :

"والإعلاميون يتبعهم الغاوون"

فهل سيفقه هذا المعنى ويعترف به الإعلاميون اليوم وخاصة منهم المؤمنون بالحساب والجزاء ؟ وهل سيتصرف كلا منا كإعلامي أو أنه يتصرف الآن فعلا إنطلاقا من هذا المفهوم الذي يجعل مسؤوليته كبيرة جدا في الدنيا وفي الآخرة ؟ وهل سنشعر بثقل هذا الحمل الكبير ونتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن المرء ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا " أو كما قال صلى الله عليه وسلم ؟ وهل سيمنع هذا الكثيرين من الإعلاميين عن الكلام والكتابة وقرض الشعر حسب التسعيرة ؟ وهل سيدفع هذا الكلام الإعلاميين لتبني مواقف معينة ثابتة في كتاباتهم أم سيظل الكثيرون يكتبون حسب الطقس وهبوب الرياح وميلان الحكام وهوى الممولين ؟

إن الكلمة هي الأمانة , أو هي على الأقل جزء من الأمانة , التي عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .


ولكم مني تحية طيبة ،،،

التوقيع
العندليب الأبيض غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-03-2004, 12:12 AM   #2
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية عاشقة سديـــر
 
تم شكره :  شكر 7 فى 6 موضوع
عاشقة سديـــر is an unknown quantity at this point

 

اشكرك اخ العندليب الابيض ...

ولا اخفيك سرا انني كنت احاول الوصول الى معناها كلما قرأتها ...فجزاك الله خير على إيضاحك لمعنى هذه الآيه الكريمه ....

واسأل الله ان يجعل ذلك في موازين اعمالك ...

سلام

التوقيع
عاشقة سديـــر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2004, 09:13 AM   #3
مشرفة سابقة
 
تم شكره :  شكر 0 فى 0 موضوع
الملكة is an unknown quantity at this point

 

العندليب الأبيض

جزاك الله خير على المعلومات المفيدة بارك الله بك .

الملكة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه