صحيفة اليوم:الاربعاء 11 شوال 1430هـ العدد:13256
شخصية المعلم
الدكتور علي عبدالعزيز العبدالقادر
تنعكس شخصية المعلم بكل صفاتها في عقول تلاميذه, فهم المرآة الصقيلة التي تعبر بوضوح عن شخصيته حسب تعامله معهم, حيث تختلف أساليب تعامل المعلمين ذكورا وإناثا مع تلاميذهم, تبعا لاختلافهم نفسيا وعصبيا بين الحلم والغضب, وبين الحزم الحكيم وبين الشدة والقسوة, وبين لين العريكة والسماحة وبين الشراسة والفظاظة, وبين الصبر وعدمه, فكل معلم له خصائصه ومميزاته حسب تربيته وظروف نشأته, ولكل معلم حسناته وسيئاته, ولكن التلاميذ هم مرآة المعلمين, مهما مرت على تخرجهم السنون, فهم يتحدثون عن معلميهم مستحضرين ذكريات الدراسة بكل ما فيها, فهي تجربة حياتية ثرية, وذكريات غنية ترسخت في عقولهم وتبطنتها نفوسهم, يحكيها التلاميذ في تلقائية لا يشوبها خوف ولا فزع, بعد ان نضجت عقولهم وتنامت مدركاتهم, التقيت في مجلس احدهم بمجموعة من الطلبة كانوا زملاء دراسة, التقوا في ذلك المجلس بعد فراق لعدة سنوات, فأخذوا يتجاذبون أحاديث ثقافية واجتماعية, ولكن أيام الدراسة تفرض نفسها فيتلهفون شوقا إلى أيامها الحافلة بالمواقف المتباينة, ويبدأ الحديث عن معلميهم, تعبيرا عن التقدير والاحترام والثناء على بعض المعلمين, والنقد اللاذع لبعضهم, وكل يدلي بما لديه, يتفقون تارة على الوصف ويختلفون تارة أخرى, وكنت أصغى إلى أحاديثهم بعناية, فاقترحت عليهم ان يسجلوا الصفات التي يفضلونها في المعلم, وبعد مداولة الحديث ومناقشة الافكار, سجلوا الصفات التي يجب ان تتوفر في المعلم, وقد جاءت الإجابة متفقة في معظمها مع نتائج الدراسات والبحوث التربوية الحديثة ومنها:
قوة شخصية المعلم النابعة من الاتزان والوقار والحلم والعلم والحكمة والأخلاق الفاضلة, والبعيدة عن الشدة والقسوة واستخدام العصا التي يدل استخدامها على ضعف شخصية المعلم فيفقد الهيبة والاحترام, وقد يظن من يستخدمها أنها خير وسيلة للتعليم, بينما هي وسيلة لتدمير العلاقة الطيبة بين المعلم وتلاميذه, وتدل على العجز العلمي والتربوي, وتنمي كراهية التلاميذ له .
ومما يزيد المعلم هيبة واحتراما واعجابا في نظر التلاميذ مظهره النظيف المرتب, وحسن تصرفه وبشاشته ولطفه في إدارة الصف وضبطه للنظام بحكمة, وعدم الزعيق والتوبيخ وعدم استخدام الألفاظ السيئة كالسب والشتم فهي تدل على انحطاط الشخص أيا كان خاصة المعلم والمعلمة, لأنهما قدوة ينبغي ان يترفعا عن ذلك, ولأنهما يؤديان رسالة مقدسة هي رسالة العلم والـأخلاق الكريمة, وأضاف المجتمعون قائلين: إنهم كانوا يسخرون من المعلم المهزوز الشخصية الذي يسب ويشتم, أو يمزح كثيرا ويضاحك التلاميذ, ويرون ان هناك حدودا ينبغي احترامها بين المعلم وتلاميذه .
أما القيم الأخلاقية التي تهم التلاميذ وترفع من مقام المعلم لديهم فمنها:
التزامه بمبدأ العدل في التعامل مع جميع التلاميذ دون تمييز في الحقوق والواجبات, وإنما إعطاء كل ذي حق حقه, لأن عدم تطبيق مبدأ العدل في تعامله, يثير الأحقاد والتذمر والنفور والصراع داخل الصف, والعدل يدل على النزاهة والأمانة والصدق والخوف من الله, ويعبث في نفوسهم الاطمئنان إليه والثقة فيه, وتبين من أحاديثهم أنهم يحترمون المعلم الصادق في مواعيده, والصادق مع نفسه, الذي لا يزعم لنفسه الكمال, الذي يرحب باستفسارات التلاميذ ومداخلاتهم, ولا يغضب حينما يتلقى سؤالا لا يملك الإجابة عليه, بل يرحب به ويعد بالبحث عن الإجابة عليه, ويكره التلاميذ المعلم الذي يتهم التلميذ جزافا دون البحث والتحري الدقيق, ويصر على اتهامه وقد يوقع عقابا على طالب بريء . يشمئز التلاميذ من المعلم الذي يناديهم بأسماء الحيوانات ويتبطنون في نفوسهم مشاعر الاحتقار له, لأن الله كرم بني آدم, وانه لا يجوز احتقار الطالب أو إذلاله فغاية التربية بناء شخصية التلميذ على أسس أخلاقية فاضلة, ويعتبرون المعلم الذي يمارس هذه الأساليب سخيفا وسوقيا وأنه لا يستحق الاحترام, وفي المقابل يحترم الطلبة المعلم الذي يخاطب التلاميذ بجميل اللفظ, ويعاملهم بأحسن الأخلاق, فيعتبرونه قدوة لهم, ويثقون فيه بل ويعتبرونه أبا روحيا لأنه يرسخ فيهم قيم الحب والخير والجمال, ويحتل المعلم الذي يشجع التلاميذ ويحفزهم وينمي فيهم دافعية المثابرة والاجتهاد مكانة محترمة في نفوسهم, يحبونه ويجلونه ويعتزون بشخصه, على عكس ذلك المعلم الذي يستعمل الوسائل العقابية, فالمعلم في نظرهم يخطئ كثيرا حينما يظن ان القسوة على التلميذ المقصر, تؤدي به إلى عدم التقصير, بل العكس فإن القسوة والوسائل العقابية تحطم نفسية الطالب وتخفض معنوياته, وتفقده الثقة في النفس, فيكره المعلم وينفر من المقرر الذي يدرسه, وقد ينتقم منه, بينما عبارات التشجيع والثناء على الطالب المجتهد, تدفعه إلى المزيد من المثابرة, وتحفز زملاءه الى الاجتهاد, مما يؤدي الى تسابق ايجابي بين طلبة الفصل, وقد قيل: (تستطيع ان تقود الفرس الى الماء ولكن لا تستطيع ان ترغمه على الشرب منه) .
عكاظ : الأربعاء 11-10-1430هـ العدد : 3027
بعد معركة الدمج: هل تتلمذ وليد عند خلود؟
محمد الصالحي
منذ سبعة أعوام ونحن ننتظر أن تتحقق نبوءة «فاعلي الخير والنصيحة» أثناء معركة إلحاق تعليم البنات بوزارة البنين . قالوا لنا: الأمر لن يتعدى عامين، ستدخل «الأستاذة خديجة» لتدرس طلابا وطالبات تحت سقف واحد . قالوا سيكون ذلك قريبا، بحسب تنبؤاتهم . وقريبا تلك ستدخل عامها الثامن دون أن نرى شيئا من حقيقتها . انتظرنا معهم وقسمهم بالله ما زال يجلجل مسامعنا حتى اللحظة، وهم يستقرئون برؤية «ثاقبة» وينظرون بـ«بعد» إلى مستقبل التعليم: بنات يجالسن فتيانا في فصول الثانوية، ومعلم يستأذن مديرته ليوصل طالبته إلى بيتها، وأكتاف إناث تطاول صدور ذكور في مدارسنا السعودية . كل تلك، نبوءات تصدرت حديث المشككين قبل أعوام، ولم نر منها مقدار ذرة من واقع، رغم الصراخ الذي تعالى في بعض منابر وطني، ورغم المنشورات وأشرطة الكاسيت المسربة وفتاوى المطالبة بالوقوف ضد قرار الدمج . اليوم أسأل بعد كل هذا الانتظار ولا أتعطش إلى إجابة: أين هم أولئك الذين صرخوا وزمجروا؟ وأين حكايات سعاد وأستاذها المذكر في مدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في وطني؟ أتمنى أن أقابل أولئك وأتحدث إليهم، وهم عندي بالاسم، لكي نجلس طويلا وأسألهم عن «قريبا» تلك، أين وصلت؟أستحضر تلك الذكريات، وأنا أسمع اليوم ذات أفكارها ولكن بتفاصيل مختلفة: اختلاط وتبرج في جامعة الملك عبد الله . ومرة أخرى أسمع الصراخ والخطب وطعن الهواء بالأصابع ورفع الأصوات وعيدا وتهويلا كما ظهر في حديث الشيخ سعد الشثري مع قناة المجد . . تماما كما حدث قبل سبعة أعوام . الفرق أن الوجوه والأسماء تغيرت، فيما الأفكار، وحتى الأوصاف الاستهزائية هي ذاتها . لكنهم هذه المرة لم يحددوا موعدا لنرى ندى تجاور خالد في «القاعات الجامعية» بجامعاتنا كلها . لا أعرف من يقف وراء تلك التحركات والضجيج الغوغائي، ولكن الأكيد أن ثمة جهلا يتحرك هناك، ويصرخ بأعلى صوته . لم تغيرنا عشرون سنة من الجدال والعراك المستمر، ولم تنضج عقولنا بعد أن تفتحت لنا أبواب الأرض والفضاء بالعلم . لم نتغير . . وبعضنا يستعير ذات الخطاب القديم ليحارب به مشروعا، يعيد لنا أندلسنا الحضارية التي نتباكى على ذكراها سويا حتى الآن . لن أكون «كلاميا» هنا . سأدعوهم أولئك «الناصحون» أيضا، إلى أي مستشفى جامعي من الغد . نجلس في الممرات نرقب كل ذاهب وآتٍ، ونتأمل: هل هم هؤلاء المختلطون الذين تتحدثون عنهم؟وحتى أكون عمليا أكثر، سأتفرغ لكم هنا، يوم السبت المقبل، وسأسرد لكم تفاصيل صباح تعليمي سعودي ممتلئ بالطلاب والطالبات تحت سقف واحد . من مكاني الذي أتعلم فيه، من مستشفى حكومي . سأكتب عن وهم الاختلاط الذي تفرغ للصراخ به بعض إخواني في وطني، وسأكتب شيئا من تفاصيل الساعة العاشرة صباحا، والحادية عشرة ليلا . . لنرى عن أي فساد يتحدثون .